اقرأ في هذا المقال
- لِمَنْ قِيلَ هذا القَول
- عُروَة بن الوَردِ ونَسَبهِ
- مَن هو الصُّعلوك؟
- مَلامِح شخصِيّة عروة بن الورد
- أُنَاسٌ أُعجِبوا بِعُروة بن الوَرد
- مِن أشعَارهِ
لِمَنْ قِيلَ هذا القَول
قِيلَ هذا القَول في واحدٍ من أعظمِ الشَّخصيَّات في الشِّعر الجَاهِلي القديم، والتي تَجَسَّدَت به كُل خِصَال الفارس العَربيّ الأصيل؛ كان لا يَغزُو للنَّهبِ والسَّلبِ كباقي شُعراء الصَّعاليك أمثال ” الشّنفَرى” و ” تأبط شَرَّاً”؛ وإنّما يغزو ليُعين الفقراء والمُستَضعَفين حتى أُطلِقَ عليه ” أبو الفقراء” و ” أبو المساكين” و”عُروة الصّعاليك”؛ وقِيل أنَّ قبيلة “عَبس” إذا أجْدَبَت أتى أناس منهم مِمَّن أصابهم جوع شديد، فجلسوا أمام بيتهِ حتى إذا أبصَرُوه قالوا:” يا أبا الصعاليك أغثنا“، فكان يَرِقُّ لهم ويخرج معهم ليَحصُلَ على ما يُشبعُ جُوعَهم ويَكفِيهم. إنَّهُ عُروة بن الوَرد، أمير الشُّعراء الصَّعاليك.
عُروَة بن الوَردِ ونَسَبهِ
إنّهُ عُروة بن الوَردِ بن زيد بن سُفيان بن نَاشِب العَبسيّ، من قبيلةِ عبسٍ العربيّة؛ والتي كان منها الشاعر الشّهير عنترة بن شدّاد العبسي.
كان فَارسِاً من فُرسان بني عَبس، وكانَ كريماً جَواداً، ولدَ في اليَمامة قبل عام الفيل بــ (13) عاماً، ونشأ بِقَبيلة عَبس؛ وتعلَّم القِراءة والكتابة وفنون الشّعر والأنسَاب وفروسية الخيل، ليصبح الفارس الشجاع والمعروف بالمُهَذَّب والطَّائِش والخَارج عن القانون.
كانت تَربُطهُ عَلاقَة وصَداقة مع عنترة بن شداد ، ولكن كانَ بينَهُما اختلاف كبير؛ وذلك أنَّ عنترة تَرَبَّى كَعَبدٍ وبمَكانٍ فَقير بين الإبل والمواشي وفي المَراعِي، وكان يَتَطَلّع لأنْ يكون بمكانةٍ عاليةٍ بين قومه، ولكنَّ عُروة بن الوَرد، وُلِد لعَائلةٍ من سَادَات وأشرافِ القَوم، ولكنّه كان مُتواضعًا كريماً يُساعِدُ الفقراء، وكان يُخاطِر بحياتهِ في تلك الغَزَوات التي يَخرُج فيها ليُساعِد الصّعاليك. فلذلك كان يقول لزوجتهِ:
سَـــــلِي الطّارق المُعتَرّ يا أمّ مالكٍ إذا ما أتاني بين قِدْرِي ومجزري.
أيُسفِــــرُ وجهي إنّه أوّل القِـــــــــرى وأبذُل معروفـــــي له دون مُنكري.
مَن هو الصُّعلوك؟
جاء في لسان العرب لابن مَنظور عدة معان لكلمة صعلوك، ومن هذه المعاني: أنَّ الصُّعلوك هو الفقير الذي لا مال له ولا اعتِمَاد. وفي عُرفِ التاريخ العربيّ الأدبي بأنّ الصّعاليك هم جماعة من مُخَالِفين العرب الخارجين عن طاعة رؤساء قبائلهم. وقد تَطَوّرَ هذا المعنى ليَدُلّ على فِئة وطائفة من الشعراء ممن كانوا يَمتَهِنون الغزو والسلب والنهب في الحياة الجاهلية؛ وانقسمَ الصّعاليك إلى ثلاث فئات وطوائف:
• الطائفة الاولى (عبيدُ العرب):
العبيد (أبناء الحَبشيَّات السُّود) من الإماء، الذين كان آباءهم يأنَفونَ أنْ يُلحِقوهم بنسبهم وينبذونهم ، فكانوا يَتمرّدُون على ذَويهم و يَخرجون إلى الصحراء، مثل( السُّليك بن السُّلكة ، وتأبَّط شراً ، و الشَّنفرى).
• الطائفة الثانية (الخُلَعاء):
وهم الذين خرجوا على أعراف القبيلة وتَمرّدوا على رؤوساءهم، وانتهكوا مواثيق قبائلهم، وقد تَخَلّت عنهم قبائلهم لِمَا ارتكبوه من جرائم وحماقات، وهؤلاء كانت تَخلعُهم قبائلهم، مثل( حَاجِز الأزدِيّ، وقيس بن الحَدَّاديّة، وأبي الطَّمحَان القِيني).
• الطائفة الثالثة (المُحترفون):
وهم فِئة احتَرفوا الصّعلكة احترافاً وحوّلوها إلى ما يفوق الفروسية من خلال الأعمال الإيجابية التي كانوا يقومون بها، ومن أبرزهم شاعرنا أمير الصعاليك، عروة بن الورد العبسي.
مَلامِح شخصِيّة عروة بن الورد
تمَيَّزَ عُروة بن الوَرد بشَخصيّة مُمَيّزة ومُنفَردة تَعدّت في صِفَاتها حُدود الفارس والشَّاعر العَربيّ. ولقد لَجَأَ للصَّعلَكةِ في حَياته، وذلك لقَنَاعَته بأنّها تُحقّق العدالة الإجتماعية، وقد كان مُتعاطفاً مع الفُقراء ونَاقِم على الأغنياء، وخاصة الأغنياء البُخلاء. حيث أنّه كان يَغزو ليُساعِد الفقراء الذين لا مَأوى ولا طعام لهم، ولمْ يكُن هَدَفهُ من الصّعلَكَةِ السَّلب والنَّهب العَشْوائيّ، واُعتُبِرَ نِبرَاساً تَهتدي به القبيلة وتتَعلّم منهُ الأخلاق والقِيَم والكَرم وحُسنِ السُّلوك، كما كان مَضرَباً للعَدلِ والمُساواة. وقد أشَار إلى ذلك في أشعارهِ حينما قال:
لَحَى الله صُعلوكًا إذا جَنَّ لَيلهُ
مَضى في المَشَاش آلفاً كُلّ مَجزَرٍ
يَعُدُّ الفتى من دَهرهِ كُلّ لَيلةٍ
أصَابَ قِرَاهَا من صَديق مُيَسّرٍ
يَنامُ عِشاء ثم يُصبح قاعداً
يَحتُّ الحَصى عن جَنبهِ المُتَعفّرٍ
يُعينُ نساء الحَيّ ما يَستَعِنَّهُ
فيُضحِى طَليحَاً كالبعير المُحَسَّرِ
عَشِقَ عُروة فتاة جميلة اسمُهَا” هَالَة بنت كَبير بن حَبيب”، وهي من أسرةٍ ثَرِيّة ذات حَسَبٍ ونَسَب، وعندما تقَدَّم لِخِطبتها رَفضهُ أبوها لأنه صُعلوك وغير مُستقِرّ بحياته المُتنقِّلة بين السُّهول والجِبال، غير أنّه لَمْ يَأبَه لرَفضهِ له، وقام بالغَزو مع أصَدقائهِ الصَّعاليك؛ وَخَطفَ حبيبته وتزوّجهَا.
كان أمير الصّعاليك عروة بن الوَردِ، معروفاً بقُربهِ من الحَاضِرة والبَديهَة وبُعدهِ عن التَّصنُّع، مِمَّا أضفَى على شِعرهِ الوضوح والسَّلاسَة بعيداً عن التأملات الذاتية، فقد تمَيَّز شعره بالألفاظ الدقيقة، وبِعُمقِ المعاني التي تَبعَث في النَّفسِ الإعجاب، وقد خلا شعرهُ من المُقدّمات الطَّلَليّة التي عُرِفت بها القصائد العربية في زمنهم، خصوصاً المعلقات، إذْ قَضى الصّعاليك كُلّ حَياتِهم في الفَيافِي والقِفَار ؛ وبين الجبال، فكَسروا بذلك بُنيَة قصيدة الشعر الجاهليّ.
أُنَاسٌ أُعجِبوا بِعُروة بن الوَرد
وكان من الذين أُعجِبوا بِعُروة بن الورد العبسي؛ الخليفة الأمويّ عبدالملك بن مروان، فقد وردَ في الأثر أنّه قال:«من قال إنَّ حاتماً أسْمَح فقد ظَلمَ عروة بن الورد»، وورد أيضاً أنَّ معاوية بن أبي سفيان قال: «لو كان لعروة بن الورد ولد، لأحبَبتُ أن أتزَوّج إليهم»، فهذه شَواهد تُثبِت أنّ عروة بن الورد تَجَسّدت فيه كل خصال الفارس العربي الأصيل، لهذا فإنّنا نَجِد أنّ كُل روايات سيرته الذاتية تتعامل معه باحترام شديد وتتَحاشَى وصفهُ بأنّه صُعلوك مَنبوذ من قبيلته.
وجاء في كتاب الأغاني للأصفهاني:《كان عروة بن الورد إذا أصابت الناس سِنِيّ شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف، وكان عروة بن الورد يَجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته في الشِّدّة، ثُمّ يَحفِر لهم الأسرَاب ويَكنف عليهم الكَنَف ويُكسِبهُم، ومن قَويَ منهم؛ إمّا مريض يَبرَأ من مرضه، أو ضعيف تَثُوب وترجِع إليه قُوّتهُ؛ خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيباً، حتى إذا أخْصَبَ الناس وألبَنُوا وذهبت السِّنَة ألحَقَ كل إنسان بأهله وقَسَمَ لهُ نَصيبهُ من غَنيمةٍ إن كانوا غَنموهَا، فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استَغنَى، فلذلك سُمّي بِعُروة الصَّعاليك》
مِن أشعَارهِ
عاش عُروة بن الورد حياة ثَوريَّة تُحارب الفقر والإضطِهَاد، لذلك نَجِد أنَّ شِعرهُ يحكي عن رُوحِ التّضحيَة في سبيل مُسَاعدةِ الناس المُحتاجين والذين لا يجِدُون قُوت يومِهم؛ فكان يقول:
إنِّي امرؤٌ عافِي إِنائي شِركَةٌ
وأنتَ امرؤٌ عافِي إنائك واحِدُ
أتَهزَأُ منِّي أنْ سمنتَ وقد تَرى
بجِسميَ مسَّ الحقِّ، والحقُّ جاهِدُ
أقسِّمُ جِسمي في جُسومٍ كَثيرةٍ
وأحسُو قَراحَ الماءِ، والماء باردُ
سَطَّرَ عروة بن الوَردِ العديد من القِيَم، والتي تُؤسِس لإرسَاءِ العَدالة الإجتماعية بين الناس، وكانت تلك طَريقته في البادية في البيئة القاحلة التي يعيش بها ، وقد استَطاعَ هذا الشّاعر العَبسي أن يحفِر اسمه خالداً في سِجلّ الشّعر العربي ، فكان شاعراً ورجلاً فريداً، بما كان يُقدِّمَه ويفعله في هذا المجتمع الجاهلي، فقد تُوفي عُروة مقتولاً في إحدى الغَزوات والغارات التي كان يقوم بها لإحضار الطعام للفقراء، وكان هذا قبل الإسلام بـ 26 عاماً.