يخلق من الشبه أربعين

اقرأ في هذا المقال


منذ القدم والعرب مأخوذين بالأمثال، وقد اهتدوا بأذواقهم الفطرية إلى ما فيها من أفكار فذّة وجمال بلاغي، فميزوها على سائر الأحاديث، ورووها ونسبوها إلى الحكماء والعرَّافين وغيرهم، ونسبوا قضايا وأحداثًا تتمخض عن مثل، أو ما يجري مجرى المثل، إلى الحيوانات في شكل حكايات وروايات طريفة، فأخذت صفة الفلسفة والأدب لما فيها من حلاوة تعبير ينتمي إلى الأدب، وما فيها من عناصر الفكر والفلسفة، وإن كانت تبعد في انتمائها إلى المنهج الأدبي والفلسفي، كقولهم من الأمثال العربية: “كمجير أُم عامر”، فالأمثال التي هي مرآة النفس ونماذج الحكمة لما غاب عن الأسماع والأبصار، تهدي النفوس بما أدركت عيانًا حتى تتيقن بها القلوب وتستقر النفوس وتنشرح الصدور لمن غاب عن الأشياء وخفيت عليه مفاتيح الأمور، وفيما يلي سنتعرف إلى واحد من أكثر الأمثال الشعبية شيوعًا، وهو مثل: “يخلق من الشبه أربعين”.

فيم يضرب مثل “يخلق من الشبه أربعين”؟

مثل: “يخلق من الشبه أربعين” من الأمثال الشعبية التي يستخدمها الناس غالبًا؛ ليعبروا عن التعجب حين رؤيتهم لشخصين أو أكثر بينهم تشابه كبير دون وجود أي صلة قرابة بينهم، فلا يمكن إنكار حقيقة أن لكل شخص توأمه الخاص، ومع ذلك فقد تكون الأفكار والميول الثقافية، والاتجاهات الفكرية مختلفة لكل منهم، وقد يكون الشبه في السلوك أو أسلوب الحياة، أو في الملامح الشكلية، فكثيرًا ما نرى أشخاصًا يشبهون شخصيات مشهورة كرؤساء دول، وفنانين.

أصل كلمة “أربعين” في مثل: “يخلق من الشبه أربعين”:

الأصل في كلمة أربعين الواردة في المثل فارسي؛ والمقصود منها الكثير، وليس عددًا معينًا، إذ إنّ خالق البشر باستطاعته أن يخلق أكثر من أربعين؛ لذلك فإن القصد من الكلمة المبالغة، وقد استدل البعض على معنى ذلك بالعديد من الأمثال الأخرى في نفس هذا السياق منها: “الجار حتى البيت الأربعين”، و”عيار الشبع في الطعام 40 لقمة”، لذلك أصبح لهذا الرقم خصوصية في الاستعمال عند العرب.

تُعتبر مقولة: “يخلق من الشبه أربعين” مثلًا سائرًا بين الناس، وليس نصًا شرعيًا، كما يعتقد الكثير من الناس، غير أن هذا لا يعني ألّا يكون للإنسان شبيه أو أكثر في عالم الله؛ إذ إنّ الله يخلق ما يشاء، فقد يتشابه الناس مع بعضهم البعض في الشكل الخارجي، وقد تتشابه طباعهم وميولهم، وتتآلف أرواحهم؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف”، وبذلك فإن التشابه بين الخلق أمر مسلّم به، ومعروف منذ زمن قديم، ولكن ذلك دون تحديده بعدد معين؛، حيث إنّ الخطأ فيها هو تحديد العدد بأربعين أو غيره من الأرقام.


شارك المقالة: