دور الصور الجزئية في تكوين الصورة الذهنية للمنظمة:
الصورة الجزئية تمثل جزءاً من الواقع الكلي، وبالتالي فإن أي رسالة تحتوي على معلومات محددة عن منظمة ما لا تمثل إلا جزءاً من المعلومات الكاملة عن هذه المنظمة، وتعتبر في نفس الوقت مؤشراً للصورة الكلية. والإنسان يلجأ عادة إلى تكوين فكرة كاملة عن شخص آخر أو منظمة محددة أو موضوع ما، من خلال معلومات بسيطة يحصل عليها لعدم إمكانيته على جمع المعلومات الكافية عن كل شخص وكل منظمة أو شركة أو موضوع معين.
وهذه الصفة تنطوي على عدة مخاطر، أولها صعوبة أن يُعبّر الجزء بصدق كامل عن الكل حقيقة أن هناك قولاً مأثوراً وهو أن الخطاب يظهر محتواه من عنوانه، ولكن الواقع لا يقول بذلك في كل الأحوال، وإذا تتبعنا سلوك منشأة تجارية في المرحلة الأولى لممارسة نشاطها، ولمسنا حرصها على كسب ثقة العملاء واجتذابهم إليها، فإننا لا نطمئن تماماً إلى استمرار هذه السياسة في المراحل المختلفة لتطور هذه المنشأة.
وحقيقة أن العدول عن هذه السياسة أو التراخي في ممارستها يلحق الضرر أساساً بهذه المنشأة، لكنه من الثابت أن بعض المنشآت لا تعي هذا الدرس ولا تدرك أبعاده إلا بعد فوات الأوان والتاريخ مليء بقصص الحكام والزعماء الذين وصلوا إلى مناصبهم باعتلاء موجات ثورية، واقتنعت الجماهير بإخلاصهم لمبادئ محددة بدأت معالمها من خلال الأحداث التي سبقت توليهم الحكم.
وبعد أن توطدت أركان الحكم تحت أقدامهم تنكروا لهذه الجماهير، وتحولوا عن المبادئ التي طالما تشدقوا بها قبل الوصول إلى مناصبهم. وثاني المخاطر التي ترتبط بالصورة الجزئية، أن الإنسان يقفز عادة إلى الاستنتاج حتى ولو لم تتوافر لديه المعلومات الكافية وقد تكون هذه الاستنتاجات خاطئة؛ بسبب ضلالة المعلومات التي تعرض لها الفرد والعلاقات العامة عليها أن تصحح هذه الاستنتاجات الخاطئة بالمزيد من المعلومات وهذه هي الصعوبة.
فلنفرض أن كل معلومة في الصورة المقدمة للجمهور صحيحة في ذاتها، وصحيحة أيضاً في علاقته بالصورة الكاملة للمنشأة، فإن حجم هذه المعلومات لا يبدوا أن يكون صورة جزئية غير كاملة وهذه هي المشكلة، أن العلاقات العامة لا تستطيع إلا أن تقدم صوراة جزئية لعقول تميل إلى الاستنتاج على أساس معلومات جزئية، في حين أن هذا الجزء لا يمثل الكل تمثيلاً دقيقاً.
كما أن المعلومات تنطلق إلى الجمهور من خلال وسائل اتصال متعددة، وفي أوقات مختلفة، ومهيئات استقبال الرسالة بالنسبة للفرد الواحد مختلفة؛ ممّا يتيح فرصة عدم الاتساق بين أجزاء الصورة محتملاً. أما الخطورة الناتجة عن صفة الجزئية، فهي منبثقة عن احتمال التحيز، فإذا كان من المستحيل تقديم الصورة الكلية، فإن العلاقات العامة تلجأ إلى اختيار أجزاء من هذه الصورة، وهنا يكون السؤال أي الأجزاء نختار؟ الأجزاء المُعبّرة عن واقع مشرق، أم الأجزاء التي تعبر عن أخطاء المنشأة.
مع الأخذ في الاعتبار رسالة العلاقات العامة في التعبير الحقيقي عن الصورة الكاملة وعدم تضليل الجمهور بأي صورة من الصورة، كما أن العلاقات العامة قد تتعرض في الوقت نفسه الخطر العكسي، وهو تأثير الكل على الجزء فبعض الناس يميلون إلى إطلاق بعض الأحكام العامة على المجتمعات المختلفة، أو على قطاعات المجتمع الواحد، وهو ما يعرف بالأنماط الجامدة، وتكون النتيجة تصور هذه المجتمعات على أساس هذه الأحكام بدلاً من النظرة الواقعية التي تعتمد على أساس موضوعي بحت.
ومن أمثلة الصور الجامدة ما يشاع عن الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية، أو عن الدول العربية البترولية كذلك تنتشر في بعض المجتمعات صور جامدة لبعض الفئات أو المناطق، وبناء الصورة الذهنية عملية ثقافية تتطلب رؤية واضحة وذهناً يستوعب المستجدات وإدراك سليم للقيم الثابتة والقيم المتغيرة في المجتمع، ولا تتطلب بالضرورة زيادة معلومات ولا تخصصاً.
ولذلك فهي عملية تتطلب إلى أطول مدة وجهد قليل، ورؤية دقيقة وعقول منفتحة تتمكن أن تضمن أوجه نشاطات الوزارة أو المؤسسة، وتحديد المسار الرئيس والهدف الأهم ليسهل تحديد هويتها التي تعاني من أزمة، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية غير محصنة من أي وسيلة تشويه صورة المنظمة، كما أنها غير محصنة من ظهور قيادي بارع يستأثر بهذا التراث الضخم من السمعة الجيدة المهملة، في ظل استمرار تجاهل إعلامها وعلاقاتها العامة لأهمية بناء الصورة الذهنية وإدارة السمعة.