عدم الدقة في الصورة الذهنية للعلاقات العامة:
هي صورة المنظمة في المجتمع، وهي كيان المنظمة وهويتها ويبنى عليها صورتها الاجتماعية والاقتصادية، ولا يُعد عملاً ترفيهي ولا حتى مهم وحسب، ولكنه إدارة المعلومات التي يجب لها أن تقوم مكان الحقائق وتعكس سمعة المؤسسة، وقد ازداد دورها في الثلاثين سنة الأخيرة حول هذا الموضوع لتعلقه المباشر بالعلوم الاجتماعية وبالتسويق، إذ توصل العلم إلى أن الإنسان العادي يبني أفكاره وتصوراته مع سمعة المنتج وليس مع المنتج ذاته، ويتحدد سلوكه الاقتصادي والاجتماعي من خلال الصورة الذهنية وليس ما هو في الواقع بالضرورة.
وأنه لا يوجد علاقة طردية بين المنتج والسمعة الحسنة، وهذه مرحلة خطيرة وعميقة في معرفة الطبيعة البشرية وطريقة عمل العقل البشري، التي نتجت عن اكتشاف وجود طبقة تفكير غير واعية اللاشعور، تتحكَّم في سلوكنا.
وتعني عدم الدقة حيث يقوم رجل العلاقات العامة كمثله من العاملين في المجال الإعلامي إلى كتابة رسالته، متحرياً الدقة في أن تُعبر هذه الرسالة عن المعلومات التي يريد أن ينقلها إلى المستهدفين، فعملية الاتصال تبدأ بالمصدر الذي يضع فكره في رموز، ثم يتم تحويل هذه الرموز من خلال وسيلة اتصال إلى المستقبل الذي يقوم بفك الرموز من خلال إطاره الدلالي؛ ليستخلص منها الأفكار التي تحملها الرسالة والتي تكون تصوراً ذهنياً لواقع معين.
فإذا أصبحت عملية الاتصال هذه معرضة للتشويش أو عدم التيقن، فإن الصورة الذهنية المستخلصة عنها تكون هي الأخرى معرضة لعدم الدقة. والسبب الرئيسي في عدم الدقة هو اللغة نفسها، فالكلمات التي يستخدمها رجل العلاقات العامة ليضع فيها تصوره لحقيقة محددة لا تتفق بالضرورة في معانيها مع الصورة التي يدركها المستقبل، فالكلمات قد تحمل معاني مختلفة، بالإضافة إلى احتمال اختلاف الإطار الدلالي بين المرسل والمستقبل؛ أي عدم توافر الخبرة المشتركة بينهما؛ ممّا يجعل الصورة المنقولة عن طريق الكلمات غير دقيقة في التعبير عن ذلك الواقع.
فالكلمات التي تشير إلى معاني مجردة كالحرية، الكرامة، الشرف، التعايش السلمي والعدالة؛ حيث يتحدد مضمونها تبعاً لاتجاهات الفرد أو الجماعة. ولذلك لا تحمل نفس المعنى لكل الأفراد، فلكل كلمة دلالة مركزية تمثل الخصائص العامة للمعنى، وأخرى هامشية تمثل الخصائص الفردية المرتبطة بتصورات الأفراد وتجاربهم الخاصة، وقد يكون الاختلاف في المعنى بين مجتمع وآخر يستخدمان نفس اللغة كما هو حادث في بعض الدول العربية.
حيث يشيع استخدام بعض الكلمات في إحدى هذه الدول، بطريقة تخالف ما هو معروف عن معناها في باقي الدول، فكلمة “عزيمة” مثلاً تعنى في مصر إرادة ولكنها تحمل بالإضافة إلى هذه الدلالة في المملكة العربية السعودية معنى المأدبة التي يدعى فيها الأصدقاء تناول الطعام في مناسبة معينة، وكلمة بذرة لها معنى شائع في المجالات الزراعية في مصر في حين أن معناها الأكثر شيوعاً في المجتمع السعودي يشير إلى الطفل الصغير. وإذا كانت كلمة “ولد” تستخدم بشكل طبيعي لتوجيه النداء إلى من هم في سن مراحل الشباب الأولى في بعض المجتمعات.
ناهيك عن كثير من الاختلاف في معاني بعض الكلمات بين المغرب العربي وبلاد المشرق، والتي تُعبر عن استخدام للرمز اللفظي يخالف المعنى المعروف عنه في القاموس؛ ممّا يؤدي إلى سوء الفهم في بعض الأحيان، وقد قال المؤلف الإيرلندي “برنارد شو” أن الانفصال بين الشعبين الإنجليزي والأمريكي قد حدث بتأثير حاجز اللغة المشتركة فرغم أن اللغة الإنجليزية هي السائدة في الدولتين، إلا أن اختلاف بعض التعبيرات أو اللهجات، أو الاصطلاحات كثيراً ما يسبب سوء الفهم بين من يتعاملون بهذه اللغة دون أن يتنبهوا إلى هذه الفروق.
وقد ذكر ونستون تشرشل في كتابه الحرب العالمية الثانية حادثة من هذا النوع فقد التقى رئيساً الأركان في الجيشين البريطاني والأمريكي لمناقشة موضوع هام واقترح رئيس الأركان البريطاني أن يطرح الموضوع على مائدة المناقشات فوراً، واستخدم لذلك التعبير الإنجليزي فما كان من رئيس الأركان الأمريكي، إلا أن اعترض بشدة وارتفع صوته وهو يبرر خطورة الموقف، ثم قال في النهاية أن الموضوع لا يحتمل التأجيل، وهنا فقط تنبه الجانب البريطاني إلى أن الطرف الآخر قد فهم عبارته فهماً مخالفاً لما قصد إليه وأدرك الجانبان أنهماً متفقان على ضرورة مناقشة الموضوع فوراً، وقد حقق العلماء في هذا القرن بعض التقدم في التعرف على خفايا اللغة.