ممارسة العلاقات العامة الحكومية في العصر الحديث:
يُعَدّ تيودور روزفلت من الرواد الأوائل لفن العلاقات العامة في المجال السياسي، فقد أكد على أهمية الرأي العام وتأييده للبرامج والسياسات المختلفة، ولذلك افتتح مكتباً للصحافة، وحرص على تنظيم لقاءات دورية بمندوبي الصحف. وقد أجاد روزفلت استراتيجية التوقيت في العلاقات العامة فكان يصدر بيانه الصحفي يوم الأحد ليظفر بمكان بارز في الصفحة الأولى من صحف يوم الإثنين، وقد وصفت مجلة هاربرز الأسبوعية الرئيس تيودور روزفلت بأنه مندوب صحفي.
وهو ما أكده ديفيد باري (رجل أعمال أمريكي) عندما قال إن روزفلت كان يتأكد من قيمة الأخبار ويؤكد أثرها الفعال، ويعرف أيضاً وما هي الوسيلة المناسبة لنشرها القدرات لا تتوافر بالطبع لجميع الرؤساء، ومن هنا كانت أهمية مستشار العلاقات العامة في مساعدة رجال السياسة على رعاية علاقاتهم بالجماهير، وتحقيق التفاهم والتوافق من خلال الاتصال المستمر والمتبادل بين الحكومة والمواطنين، وقد لاحظ ريفرز وزملاؤه أن حكومة الولايات المتحدة الأميركية تنفق سنوياً على العلاقات العامة الحكومية ما يزيد عن 400، مليون دولار، أي أكثر ممّا يصرف على القطاعات القضائية والتشريعية.
وتُعدّ نفقات الحكومة الفيدرالية لإخبار دافعي الضرائب، بالكلمة والصورة، أكثر من نصف ما تكلفة الوكالتان الكبيرتان في جمع الأنباء، وشبكات التليفزيون الثلاث وعشرة أضعاف ما تنفقه الصحف الكبرى، ومن المؤسف أن كثيراً من الحكومات تركز على عملية النشر فقط باعتبارها الوظيفة الأساسية للعلاقات العامة وتهمل الوظائف الثلاث الأخرى هي البحوث والتخطيط والتقويم.
وقد لخص من إحدى الإدارات العلاقات العامة الحكومية الأمريكية، إلى أن القطاع الأكبر منها ينفذ الكثير من البرامج الإعلامية دون أن يقوم بأية محاولة علمية لقياس الرأي العام، وقد أكد على أهمية هذه الأبحاث حين قال إن تقبل الأفراد لأي برنامج وتأييدهم له لا يتوقف فقط على سلامة البرنامج ومدى إشباعه لاحتياجاتهم، إنما يعتمد أيضاً على طريقة فهمهم لهذا البرنامج، ويرجع السبب في فشل بعض البرامج السليمة إلى عدم فهم الجمهور لها على النحو المقصود.
ويجب عدم الاعتماد على ما ينشر في الصحف للتعرف على اتجاهات الرأي العام، فرغم أن تحليل ما ينشر في وسائل الإعلام يندرج تحت وسائل التعرف على اتجاهات الرأي العام، إلا أنه لا يعبر دائماً عن رأي الأغلبية الواعية كما تعتمد بعض الحكومات على القنوات السياسية للتعرف على آراء الجماهير، وهذا أيضاً لا يعبر على الدوام عن هذه الآراء بدقة كافية.
وقد لجأت الحكومة البريطانية لبحوث الرأي العام كدليل لبرامج العلاقات العامة بها منذ مدة طويلة، فأنشأت وحدة البحوث أحد إدارات وزارة الإعلام في عام 1941، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحولت هذه الإدارة إلى الجهاز المركزي للاستعلامات تحت اسم إدارة البحوث الاجتماعية، وما لبثت هذه الإدارة أن أصبحت وكالة مستقلة للبحوث في عام 1967.
كما أكدت الحكومة الكندية بدور مسوح الرأي العام في تحقيق التكيف مع مواطنيها، حيث قام رئيس وزرائها في عام 1970 بتنظيم جهاز العلاقات العامة بحكومته، فقد أقام وكالة مركزية للعلاقات العامة والإعلام تتكون من أربعة أقسام هي التخطيط والبحوث ثم النشر والمعلومات ثم مسوح الرأي العام، وأخيراً الشؤون الإدارية للوكالة.
وقد تم إنشاء هذه الوكالة بناءً على التوصيات التي وردت في تقرير عن الضرورة الحتمية للإعلام، وقد أنشأت حكومة الثورة في مصر مصلحة الاستعلامات ضمن إدارات وزارة الإرشاد القوم في نوفمبر عام 1952، ثم حولت هذه المصلحة إلى هيئة عامة في عام 1967.
وتتلخص أهم أهداف هذه الهيئة فيما يلي: توضيح الصورة الحقيقية لمصر أمام الرأي العام العالمي تدعيم المفاهيم الجديدة للدولة لدى الجماهير، وتحقيق الاتصال بين القاعدة الشعبية والقيادات في العاصمة وعواصم المحافظات ولقيام باستقصاءات عن الرأي العام العالمي والمحلي لمعرفة اتجاهاته نحو القرارات التي تتخذها أجهزة الدولة المختلفة.
وكما يتم تجميع المعلومات عن مختلف الأحداث والقضايا التي تهم الرأي العام العالمي والمحلي ودراستها وإبلاغها للجهات المعنية؛ لكي تخطط السياسات على أساس الموقف الحقيقي لأي اتجاهات الرأي العام تقديم المعلومات الوافية لرجال الإعلام والرد على استفساراتهم؛ ممّا يساعدهم على التعرف على اتجاهات الدولة ومجابهة الدعاية المضادة، كما يتم إعداد النشرات والتقارير الإعلامية عن مختلف الموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ورفعها إلى الأجهزة العليا بالدولة.
والجدير بالذكر أن معظم أجهزة الإعلام في عدد كبير من الدول النامية تقوم على إشراف حكومات هذه الدول أو سيطرتها، ومن ثم تستطيع تلك الدول توجيه الرأي العام من خلال هذه الوسائل، وكسب ثقته وتأييده لبرامجها، وبهذا تصبح وسائل الإعلام في هذه الدول بمثابة أجهزة علاقات وسياساتها عامة حكومية على المستوى المركزي، وإن كانت تفتقر في معظم الأحوال إلى التخطيط العلمي السليم لتنفيذ وظيفة العلاقات بمفهومها الحديث.