تطبيق الديب فيك (DeepFake): هو أحد التطبيقات المُثيرة للجدل التي سمعنا بها مؤخراً، استحوذ هذا التطبيق على مساحة لا بأس بها من وسائل الإعلام المرئية والرقمية، ولا نبالغ القول أن حياتنا في طريقها لتصبح مُزيّفة تماماً. سنوات قليلة قادمة ولن نصدق أي شيء نراه على الشاشات، ورؤية الأشياء بعينيك الاثنتين لم يعد كافياً، رؤيتك لنشرات الأخبار والمُقابلات التلفزيونية لم يَعد دليلاً كافياً لحدوثها، ببراعة مذهلة وتقنية عالية لا مثيل لها سنرى الأحداث الكاذبة أمام أعيننا ولن نشعر بذلك أبداً، نعم كل ذلك وأكثر بسبب تطبيق الديب فيك.
تسمية هذه التقنية تعود إلى حساب في موقع التواصل الاجتماعي ريديت (Reddit) وكان الحساب يحمل اسم (deepfakes)، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعية للتعلم العميق من أجل العبث بوجوه النجوم والمشاهير وإدخال وجوههم في فيديوهات لا علاقة لهم فيها، ولذلك، فإنّ التسمية جاءت لتجمع بين تقنيات التعلم العميق والتزييف.
ما هو تطبيق الديب فيك؟
ظهر تطبيق الديب فيك للمرة الأولى في عام 2014 وابتكره إيان جودفيلو (Ian Goodfellow) طالب الدكتوراه الذي يعمل في شركة أبل الآن، يعتمد التطبيق على إحدى الشبكات العصبية الصنعية التي تُدعى (GAN) والتي ترمز إلى (Generative adversarial networks)، وتعطي هذه الشبكة قدرة هائلة للخوارزميات المستخدمة في أنظمة الذكاء الاصطناعي لننتقل إلى بُعد مختلف تماماً، فبدلاً من تصنيف البيانات البسيطة أو التنبّؤ ببعض الحقائق، بفضل تطبيق الديب فيك أصبحنا قادرين على إنشاء صور جديدة ومقاطع فيديو لأحداث قد تبدو حقيقية تماماًَ، ولكن الفارق الوحيد أنها مقاطع كاذبة قد تم تركيبها بواسطة تطبيق الديب فيك.
عندما نسمع إمكانيات تطبيق الديب فيك للمرة الأولى تنتابنا مشاعر مُختلطة جداً، ففي البداية نشعر بالفخر للمرحلة التي وصلنا إليها في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ولكن ثوان معدودة نشعر بعدها بالهلع الحقيقي فهذه الإمكانيات قد تطال جميع أنواع الفيديوهات التي نشاهدها، مقابلات تلفزيونية وتصريحات سياسية والكثير من المواد المرئية التي أصبح التلاعب بها أمراً في غاية البساطة بوجود تطبيق الديب فيك، ولكن اليوم حتى مع هذه الإمكانيات المذهلة لم نصل إلى حدودها القصوى بعد.
آلية عمل تطبيق الديب فيك؟
يعتمد تطبيق الديب فيك على الشبكة العصبية الصناعية تدعى (GAN) وهي إحدى شبكات التعلّم العميق التي تستخدم تقنية التعلّم العميق كوسيلة لفهم الأشياء، تسعى شبكات (GAN) إلى محاكاة أسلوبنا في التعلّم، فعندما نحاول تعلّم شيء جديداً وليكن قيادة السيارة على سبيل المثال، فنحن نقوم بتعلّم الأساسيات ونقوم بتكرار هذه المعلومات عدة مرّات، لتصبح الروابط بين الخلايا أقوى وأكثر ارتباطاً، وفي النهاية يمكننا قيادة السيارة بسهولة، وكلما أمضينا وقتاً أطول بالتدريب واستذكار قواعد القيادة كانت قيادتنا أفضل.
وكذلك الأمر بالنسبة للشبكات العصبية الصناعية العميقة (GAN)، بالحديث عن تطبيق الديب فيك فهذا ما يحدث، في البداية تنظر الخوارزمية لملايين الصور التي نرغب بوضعها في الفيديو النهائي، وتنظر كذلك لملايين المقاطع التي نرغب بتعديلها.
في تكنولوجيا المعلومات (IT) فإنَّ الشبكات العصبونية أو الشبكات العصبية: هي عبارة عن نظام من الأجهزة أو البرامج التي تم تصميمها على شكل الخلايا العصبية في الدماغ البشري، وتسمَّى أيضاً الشبكات العصبية الاصطناعية (ANN) اختصار (artificial neural network)، وهي مجموعة متنوعة من تكنولوجيا التعلم العميق، والتي تقع تحت مظلة الذكاء الاصطناعي.
تركّز التطبيقات التجارية لهذه التقنيات بوجه عام على حلّ مشكلات معالجة الإشارات المُعقَّدة أو التعرُّف على الأنماط، ومن الأمثلة على التطبيقات التجارية الهامَّة لها منذ عام 2000 هي التعرُّف على الكتابة اليدوية لمعالجة الشيكات، والنسخ من الكلام إلى النص، وتحليل بيانات استكشاف النفط، والتنبّؤ بالطقس، والتعرُّف على نمط الوجه.
ومع البحث المطوّل والتدريب على بيانات كافية، يمكنها في النهاية الحصول على صورة وجه تتميّز بسمات معينة يمكننا تركيبها على أي وجه آخر داخل مقاطع الفيديو، ودقة النتيجة تتعلّق بالبيانات التدريبية التي استخدمناها، لذا فمعظم المقاطع التي نراها اليوم هي مقاطع رأسية لأناس يتحدثون، لأنها الحالة الوحيدة التي قمنا بتدريب هذه الشبكات عليها.
كيف نستخدم تطبيق الديب فيك؟
- في البداية علينا الذهاب إلى موقع تطبيق الديب فيك الرسمي.
- علينا القيام بتسجيل الدخول أو إنشاء حساب جديد لنا وذلك عن طريق إدخال معلوماتنا الشخصية.
- التوجّه إلى الصفحة الخاصة بالتطبيق.
- رفع مقطع الفيديو الذي تريد القيام بالتعديل عليه.
- القيام برفع صورة للشخص الذي تريد رؤيته يتحدّث في مقطع الفيديو النهائي.
- ثم علينا الضغط على إصدار المقطع النهائي أو (render) وننتظر عدة دقائق بعد ذلك لتحضير الفيديو.
- في النهاية نحصل على مقطع الفيديو الناتج كما يمكننا القيام بتحميله والاحتفاظ به لدينا.
كيف نكتشف الفيديوهات المُزيّفة؟
تُعتبر هذه الجزئية من أعقد الأشياء عند الحديث حول تطبيق الديب فيك، حيث يشاهد معظمنا مقاطع الفيديو، ويقوم بنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، ليقوم الأصدقاء بدورهم بمشاركة هذه المقاطع لتنتقل كالنار في الهشيم على جميع منصات التواصل بسرعة كبيرة، سنرى الأخبار الكاذبة في كل مكان، تصريحات إعلامية وخطابات تحريضية مزيّفة وريما أكثر من ذلك، من يعلم فما زلنا في البداية فقط.
لا يمكننا القيام بالكثير من الأشياء حيال تطبيق الديب فيك، ومن المرجّح ألا نشعر بمقاطع الفيديو المصممة بهذه الطريقة في المستقبل القريب، ولكن الطريقة الأفضل للحدّ من تأثيرها السلبي هو الوعي أكثر حول المشاهد المرئية التي نراها، علينا التفكير أكثر حيال الأخبار والتصريحات التي نسمعها، وأن نطرح أسئلة مثل من يقول هذا التصريح، ولماذا يقوله الآن، ومن هو المصدر الأساسي لهذا المقطع.
علينا الحذر أكثر من مشاركة المقاطع العشوائية، سيتطلّب الأمر وعياً أكثر حيال ما قد نشاركه على منصات مواقع التواصل الخاصة بنا، فلا يكفي أن نرى صديقاً قد شارك مقطعاً لفيديو ما لنقوم بمشاركته فوراً، بمجرد قيامنا بذلك نحن هنا نُعد شركاء في نشر الأخبار الكاذبة.
الماضي والحاضر ومستقبل تقنيات الديب فيك:
تطبيق الديب فيك ليس جديداً، الأخبار المزيّفة لم تكن وليدة الحاضر فهي تعود لسنين طويلة ماضية، وخاصة السنوات التي تلت ابتكار السينما، سنوات كان انتقال الأخبار والمعلومات فيها من مكان لآخر يستهلك وقتاً طويلاً، وذلك الوقت كان المسرح المثالي لصُنّاع الأخبار والمقاطع الفيديوية، وأحد الأمثلة على ذلك الكارثة التي أصابت اليابان في 1923، لقد رأينا الأفلام المصوّرة في دور السينما في الولايات المتحدة الأمريكية قبل وصول المقاطع المصوّرة الحقيقية من اليابان، وتعتبر تلك المرحلة التحضير الأولي لما يحدث اليوم.
من الصعب جداً الحكم على المستقبل فهو أمر معقّد جداً، قد لا يكون بهذا السوء الذي نتخيله اليوم، وربما يكون تطبيق الديب فيك مجرد تقنية تسرق الأضواء لفترة قصيرة وتمضي، ولكن قد يكون مستقبلنا أسوأ من ذلك كذلك، ولكن الأمر المؤكد أن المستقبل مجهول تماماً، ومن يسيطر على تقنيات الذكاء الاصطناعي اليوم سيسيطر على مستقبلنا في الغد.