كيف كان تأثير الإنسان على نهر النيل؟
في عام 1843 تقرر بناء سلسلة من سدود التحويل (قناطر أو سدود) عبر النيل على رأس الدلتا على بعد حوالي 12 ميلاً من القاهرة؛ وذلك لرفع مستوى المياه في أعلى المنبع لتزويد قنوات الري وتنظيمها، فلم يكتمل مخطط وادي الدلتا بالكامل حتى عام 1861، وبعد ذلك تم توسيعه وتحسينه، حيث يمكن اعتباره إيذاناً ببداية الري الحديث في وادي النيل.
كما تمت إضافة قناطر زفتى والتي تقع في منتصف الطريق تقريباً على طول فرع دمياط لنهر الدلتا إلى هذا النظام في عام 1901، وفي عام 1902 تم الانتهاء من قناطر أسيوط على بعد أكثر من 200 ميل من القاهرة، وتبع ذلك في عام 1909 وابل من القنابل في إسنا (إسنا) على ارتفاع 160 ميلاً فوق أسيوط، وفي عام 1930 بوابل في ناجي حمادي 150 ميلاً فوق أسيوط.
كما تم بناء أول سد في أسوان بين عامي 1899 و1902، حيث أنه يحتوي على سلسلة من أربعة أقفال للسماح بالملاحة، وتم توسيع السد مرتين الأولى بين عامي 1908 و1911 ومرة أخرى بين عامي 1929 و1934 وبالتالي رفع منسوب المياه وزيادة سعة السد، كما أنها مزودة بمحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بطاقة مركبة تزيد عن 345 ميغاوات.
يقع السد العالي في أسوان على بعد 600 ميل من القاهرة و4 أميال من أول سد أسوان، حيث تم بناؤه في مكان يبلغ عرض النهر فيه 1800 قدم وله ضفاف شديدة الانحدار من الجرانيت، وتم تصميم السد للتحكم في مياه النيل من أجل التوسع في الزراعة وتوليد الطاقة الكهرومائية وتوفير الحماية في اتجاه مجرى النهر لكل من المحاصيل والسكان من الفيضانات المرتفعة بشكل غير عادي، وبدأ العمل في عام 1959 واكتمل في عام 1970.
ويبلغ طول السد العالي في أسوان 12562 قدماً عند مستوى القمة وعرضه عند القاعدة 3280 قدماً بارتفاع 364 قدماً فوق مجرى النهر، ولديها محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بطاقة إنتاجية تصل إلى 2100 ميغاوات، وتمتد بحيرة ناصر على بعد حوالي 310 أميال من موقع السد وتمتد 125 ميلاً داخل السودان، فالهدف الرئيسي من بناء السد العالي في أسوان هو تخزين كمية كافية من المياه في الخزان من أجل حماية مصر من مخاطر سلسلة من السنوات عندما يكون فيضان النيل أعلى أو أقل من المتوسط طويل الأجل، وبالتالي ضمان التدفق المستمر للمياه من النيل لكل من مصر والسودان.
تحدد اتفاقية أبرمت في عام 1959 بين البلدين حداً أقصى للمبلغ الذي يمكن سحبه في السنة، ويقسمه بنسبة ثلاثة إلى واحد، مع حصول مصر على الحصة الأكبر، حيث تستند كميات المياه التي يتم الاحتفاظ بها وتوزيعها على أسوأ تسلسل ممكن لأحداث الفيضانات والجفاف على مدى 100 عام، وعموماً يتم حجز ربع السعة الإجمالية لبحيرة ناصر كمخزن إغاثة لأعلى فيضان متوقع خلال هذه الفترة تُسمَّى (تخزين القرن).
كان السد العالي في أسوان مثار جدل كبير أثناء بنائه، ومنذ أن بدأ تشغيله استمر في جذب منتقديه، حيث اتهم المعارضون أن المياه الخالية من الطمي المتدفقة أسفل السد تسببت في تآكل قناطر المصب وأساسات الجسور، إن فقدان الطمي في اتجاه مجرى النهر قد تسبب في تآكل السواحل في الدلتا، وإن الانخفاض العام في تدفق النيل الناتج عن إنشاء السد قد تسبب في غمر الروافد السفلية للنهر بالمياه المالحة من البحر الأبيض المتوسط، ممَّا أدى إلى ترسب الملح في تربة الدلتا، وإن إنشاء بحيرة ناصر أدى إلى ارتفاع منسوب المياه على طول النهر، مما أدى إلى تشبع المياه وزيادة ملوحة التربة في بعض المناطق.
لقد تم بالفعل خفض أعداد الأسماك قبالة سواحل الدلتا بشكل كبير؛ بسبب فقدان الطمي المحمّل بالمغذيات، وأكد أنصار السد أن هذه الآثار الضارة تستحق تأمين إمدادات المياه والطاقة التي يمكن الاعتماد عليها، وفي الواقع كانت مصر ستعاني من نقص حاد في المياه في 1984-1988 بدون السد، ففي السودان وفر سد سنار على النيل الأزرق المياه لسهل الجزيرة في الوقت من العام عندما يكون مستوى مياه النيل الأزرق منخفضاً، كما أنها تنتج الطاقة الكهرومائية.
ويوجد سد آخر في جبل الأولياء على النيل الأبيض، حيث تم الانتهاء منه عام 1937، وتم بناؤه لزيادة المياه المتاحة لمصر خلال فترة انخفاض المياه (يناير إلى يونيو) ولم يكن الغرض منه توفير مياه الري للسودان، وسدود أخرى بما في ذلك واحد على عطبرة في خشم القربة (اكتمل في عام 1964) وسد الرويري على النيل الأزرق (1966) مكنت السودان من الاستفادة القصوى من تخصيصها للمياه من بحيرة ناصر.
وفي عام 2011 بدأت إثيوبيا في بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) على نهر النيل الأزرق، حيث يقع السد في الجزء الغربي من البلاد بالقرب من الحدود مع السودان، ومن المتوقع أن يبلغ طول السد 5840 قدماً وارتفاعه 475 قدماً، وتم التخطيط لإنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بطاقة مركبة 6000 ميغاوات، والجدير بالذكر أنه في عام 2013 تم تحويل مجرى نهر النيل الأزرق، بحيث يمكن المضي قدماً في بناء السد بشكل جدي.
وكان السد موضع جدل كبير، ويرجع ذلك جزئياً إلى المخاوف من أنه سيؤثر سلباً على إمدادات المياه في اتجاه مجرى النهر في السودان وخاصة في مصر، ففي أوغندا تم تحويل بحيرة فيكتوريا إلى خزان عند الانتهاء في عام 1954 من سد شلالات أوين (الآن سد نالوبالي)، يقع السد على نهر فيكتوريا مباشرة أسفل النقطة التي تتدفق فيها مياه البحيرة إلى النهر، فهذا يسمح بتخزين المياه الفائضة في سنوات الفيضانات العالية لمواجهة العجز في السنوات التي تكون فيها المياه منخفضة، ويتم تسخير السقوط من البحيرة بواسطة محطة كهرومائية توفر الطاقة للصناعات في أوغندا وكينيا.
التنقل عبر نهر النيل:
لا يزال نهر النيل ممراً مائياً حيوياً لنقل الأشخاص والبضائع، خاصة في موسم الفيضانات عندما يتعذر النقل بالسيارات، ولا تزال البواخر النهرية توفر الوسيلة الوحيدة لمرافق النقل في معظم المنطقة، لا سيما في جنوب السودان والسودان جنوب خط عرض 15 درجة شمالاً، حيث لا يكون النقل بالسيارات ممكناً عادة من مايو إلى نوفمبر.
وتقع معظم المدن في مصر والسودان وجنوب السودان على ضفاف الأنهار أو بالقرب منها، وفي السودان وجنوب السودان، تمتد خدمة السفن البخارية على نهر النيل وروافده لنحو 2400 ميل، وحتى عام 1962 كان الرابط الوحيد بين الأجزاء الشمالية والجنوبية من السودان (البلدان الحالية للسودان وجنوب السودان على التوالي) عن طريق البواخر النهرية ذات العجلة الخلفية ذات السحب الضحل، فهي الخدمة الرئيسية من (Kūstī) إلى جوبا.
كما توجد خدمات موسمية وفرعية على مجرى دنقلا للنيل الرئيسي على النيل الأزرق صعوداً من السوباط إلى غامبيلا في إثيوبيا، وأعلى نهر الغزال في موسم ارتفاع المياه، كما أن النيل الأزرق صالح للملاحة فقط خلال موسم ارتفاع المياه وبعد ذلك فقط حتى منطقة الرويريتش.
وبسبب وجود الشلال شمال الخرطوم، فإن النهر صالح للملاحة في السودان فقط في ثلاث امتدادات، أولها من الحدود المصرية إلى الطرف الجنوبي لبحيرة ناصر، الثاني هو الامتداد بين الساد الثالث والرابع، ويمتد الامتداد الثالث والأهم من الخرطوم جنوباً إلى جوبا في جنوب السودان، ففي مصر يمكن ملاحة النيل بالمراكب الشراعية والبواخر النهرية الضحلة حتى جنوب أسوان، فالآلاف من القوارب الصغيرة تجوب مجاري النيل والدلتا.
دراسة واستكشاف نهر النيل:
ربما كان قدماء المصريين على دراية بالنيل حتى الخرطوم والسودان والنيل الأزرق بقدر منبعه في بحيرة تانا بإثيوبيا، لكنهم لم يبدوا اهتماماً يذكر باستكشاف النيل الأبيض، فلم يكن مصدر النيل معروفاً لهم، فقد سافر المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي زار مصر عام 457 قبل الميلاد، عبر النيل حتى الشلال الأول (أسوان).
وحوالي القرن الثاني قبل الميلاد رسم الكاتب العلمي اليوناني إراتوستينس مساراً صحيحاً تقريباً لنهر النيل إلى الخرطوم موضحاً الأثرياء الإثيوبيين، واقترح البحيرات كمصدر للنهر، ففي عام 25 قبل الميلاد قام الجغرافي اليوناني سترابو والحاكم الروماني لمصر إيليوس جالوس باستكشاف النيل حتى الشلال الأول، حيث أعاقت جماعة السد حملة رومانية للعثور على منبع النيل التي حدثت في عام 66 م في عهد الإمبراطور نيرون، وبالتالي تم التخلي عن المحاولة.
وكتب بطليموس عالم الفلك والجغرافيا اليوناني الذي عاش في الإسكندرية، في عام 150 م أن النيل الأبيض نشأ في (جبال القمر) العالية المغطاة بالثلوج (منذ ذلك الحين تم تحديدها مع سلسلة جبال روينزوري)، ومنذ القرن السابع عشر فصاعداً جرت عدة محاولات لاستكشاف النيل، وفي عام 1618 حدد بيدرو بايز وهو كاهن يسوعي إسباني مصدر النيل الأزرق.
في عام 1770 قام المستكشف الاسكتلندي جيمس بروس بزيارة بحيرة تانا بالإضافة إلى منبع النيل الأزرق، بدأ الاستكشاف الحديث لحوض النيل بغزو شمال ووسط السودان من قبل الوالي العثماني لمصر محمد علي وأبنائه من عام 1821 فصاعداً، ونتيجة لذلك عُرف النيل الأزرق بمخارجه من سفوح إثيوبيا والنيل الأبيض حتى مصب نهر السوباط، وتم إجراء ثلاث بعثات تحت قيادة الضابط التركي سليم بيمباشي بين عامي 1839 و1842، ووصلت اثنتان إلى النقطة التي تبعد حوالي 20 ميلاً (32 كم) عن ميناء جوبا الحالي، حيث ترتفع البلاد والمنحدرات تجعل الملاحة صعبة للغاية.