ما هي المرحلة الحديثة في تطور الجغرافيا الطبيعية؟

اقرأ في هذا المقال


المرحلة الحديثة في تطور الجغرافيا الطبيعية:

مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، شهدت الجغرافيا تطوراً كبيراً في كل من أوروبا والولايات المتحدة، كما قد ارتبط هذا التطور في معظمه بظهور العديد من الجمعيات المهتمة بالموضوعات ذات الطبيعة الجغرافية، كما برزت أسماء مثل همبولت وريتر وراتزل في ألمانيا، الذين أضافوا مساهمات جوهرية في مجال المعرفة الجغرافية.
ومن أكثر هذه المساهمات أهمية كتاب كوزموس لهمبولت الذي نشر في عام 7944 وتناول الجيولوجيا والجغرافيا الطبيعية للأرض، يوصف همبولت بأنه جعل للجغرافيا الأصولية طريقة وكياناً، خاصة دراسة المُناخ والجغرافية النباتية. كما ارتبط ظهور الجغرافيا العلمية الحديثة بما وضعه همبولت ورتر وغيرهم من أسس حددواً من خلالها مجالات البحث. وفي عام 1877 نشر هكسلي كتاب (فيزوغرافيا)، الذي اعتبره كنج (King 1980) أكثر الكثب تأثيراً في تطور الجغرافيا الطبيعية، كما حاول المؤلف تقديم رؤية موحدة من أجل البيئة الطبيعية عن طريق دراسة الفيزوغرافيا.
وبدأ هكسلى كتابه من المحلي والمألوف، حيث اعتمد على الدراسة في الحقل وصولاً إلى المألوف بدرجة أقل، كما بدأ بالملاحظة وانتقل يعد ذلك إلى التصنيف المنهجي من ثم ترتيبه للحقائق التي سبق ملاحظتها، من هذه الحقائق المصنفة والمرتبة، حيث يمكن استنتاج قوانين وروابط عن طريقها يتم التعرف على الأسباب والنتائج. وفي آواخر القرن 19 وضع راتزل نظرية مفادها أن البيئة الطبيعية أثرت بشكل كبير في الطبيعة الحضارية وفي توزيع مختلف سكان الأرض، قد عارض لابلاش هذه الفكرة في ما بعد ورجح الرأي القائل بأن الإنسان يمثل القوة المهيمنة على تشكيل البيئة.
وقبل ذلك بسنوات كانت فكرة تغيّر البيئة الطبيعية بواسطة الإنسان موضوع اهتمام في الولايات المتحدة، فقد أشار بيركنز مارش سنة 1847 إلى الأثر الهادم لأنشطة الإنسان على الأرض، خاصة من خلال قطع الغابات وتغير استعمال الأرض. وترسّخت الجغرافيا الطبيعية منذ منتصف القرن التاسع عشر كموضوع ضمن منهج المدارس الثانوية في كثير من الدول الأوروبية، حيث تطورت بتأسيس الجمعيات الجغرافية (Geographical societies ) والكراسي الجامعية (University chairs).
وقد تجسد دور الجمعيات الجغرافية في إبراز هذا الفرع من المعرفة، من خلال تسهيل النشر وتطوير توجهات مميزة واهتمامات خاصة مثل الكشوف الجغرافية، التي كان لبعض الجمعيات فضل كبير في النهوض بأعبائها، هذه الكشوف بدورها كانت أحد أهم عوامل تطور الجغرافيا بوجه عام والجغرافيا الطبيعية بوجه خاص.
ودعم هذا الترسيخ أيضاً عن طريق تأسيس الكراسي الجامعية والتي أعطت الجغرافيين الطبيعيين نفوذاً وتأثيراً واضحين، ففي ألمانيا بين عام 1905_1914 حازت الفيزوغرافيا، هي دراسة التضاريس، شُهرة بتأثير A. Penck الذي شغل كرسي الجغرافيا المرموق في جامعة برلين، بالرغم من أهمية تأسيس المجتمعات الجغرافية وأقسام للجغرافيا في الجامعات كعوامل محفزة لتطور الجغرافيا الطبيعية، إلا أنه كان أيضاً للمساهمات الفردية تأثير مميز على اتجاه ومعدل هذا التطور.
فقد هيمنت مساهمات وليم موريس ديفز من بحوث ومؤلفات على الجغرافيا الطبيعية في تلك الفترة. وقد ركّز ديفز اهتماماته الجيومورفولوجية على إمكانية استخدام دورة التعرية العادية لتصنيف أي لأند سكيب، وفقاً للمرحلة التي وصل إليها في هذه الدورة، كما قدم ثلاثية من أجل فهم اللاند سكيب فيما يتعلق بالبناء، العملية، المرحلة التي وصل إليها في دورة التعرية. كما جعل ديفز تتابع الأشكال الطبيعية خاضعاً لقواعد ثابتة ذلك عن طريق الدورات النموذجية، كما أعطى لها أسماء مناسبة من أجل وصف أشكال التضاريس وصفاً تفسيرياً.
إلى جانب أن ديفز وضع أساس الجيومورفولوجيا وطرق البحث فيها من خلال ما كتبه من مؤلفات ومقالات، فأنه أيضاً فتح أمام الجغرافيين إمكانيات جديدة للبحث جعلت دراسة الأشكال التضاريسية تمثل الجزء الرئيسي من الجغرافيا. واستمر تأثير ديفز، متمثلاً في هيمنة علم الجيومورفولوجيا على بحوث الجغرافيا الطبيعية فترة طويلة من الزمن وليس أدل على ذلك من أنه خلال الفترة من 11 /7991 هيمنت الجيومورفولوجيا على بحوث الجغرافيا الطبيعية بنسبة 40 % و 24 % للدراسات المُناخية، حيث استحوذت القضايا البيئية على % 12، لكن تراجعت التُربة، الحيوية، الاقيانوغرافيا، الاستشعار عن بعد إلى حوالي 4 % لكل منها.
ونظراً لعدم التناسب بين ما نشر من دراسات في فروع الجغرافيا الطبيعية، ذهب البعض إلى وصفها بأنها تعاني من عدم توازن داخلي ( Gregory, 2000, p .10 ). ومن أصحاب المساهمات الفردية أيضاً سأور (1975 _ 1889) الذي صنفه البعض كأعظم جغرافيي وقته، رغم أنه لم يكن من رواد الجيومورفولوجيا إلا أن أرائه رسمت الطريق الذي سلكه الكثير من الجغرافيين الطبيعيين.


شارك المقالة: