يُعد الإرشاد السُّلوكي من أبرز أساليب الإرشاد النفسي، إذ يستمد هذا الأُسلوب بما يتضمّنه من إجراءات من خلال النظرية السلوكيّة سواء ما يخص الإرشاد السلوكي أو العلاج السلوكي؛ لكونهما وجهين لعملة واحدة. من خلال هذه النظرة فإنّ المشكلات والاضّطرابات والانحرافات السلوكية ما هي إلا عادة متعلمة خاطئة أو سلوك غير تكيُّفي أو توافقي تعلمها الفرد للتقليل من قلقه وتوتراته، لذا فإنّ فكرة الإرشاد السلوكي تقوم أساساً على التعلم أو إعادة التعلم أو محوه وازالته.
أساليب الإرشاد السلوكي
التخلص من الحساسية أو التّحصين التدريجي
يقصد به التخلُّص التدريجي من ارتباط السلوك المُضطرب بشيء أو حادث معين، يتم عن طريق تحديد مثيرات السُّلوك المضطرب، تعرُّض العميل بشكل متكرر ومتدرج لهذه المثيرات، فهو في حالة استرخاء، حتى لا تنتج الاستجابة المضطربة، ثم يستمر التعرُّض للمُثيرات المُتدرجة الشّدة؛ حتى يتم الوصول إلى عدم استثارة الاستجابة المضطربة.
ابتكر لانج عام 1969 جهاز؛ ذلك من أجل التخلص من الحساسية والتحصين التدريجي، أسماه “جهاز التخُّلص الآلي من الحساسية” أو “جهاز التحصين التدريجي الآلي”، جرّبه بنجاح في التخلُّص من سلوك الخوف، تبدأ العملية عن طريق تسجيل قائمة متدرّجة لمخاوف العميل “خلال المقابلة”، تُعد شرائط مسجلة تتضمن صور لمثيرات الخوف متدرجة في الشدة، أي الأقل إثارةً للخوف ثم الأكثر إثارة ً للخوف إلى أكثر مثيرات الخوف شدّة، أيضاً مع الصور تسجيل صوتي عبارة عن شرح وتفسير عن مثير الخواف وتعليمات الاسترخاء.
الغمر
هو عكس التّحصين التدريجي، حيث يبدأ الغمر بمثيرات شديدة، يوضع الفرد أمام الأمر الواقع في الخبرة دفعة واحدة من غير أي تدريج، قد يكون الغمر حياً على الطبيعة وفي الواقع هو الأفضل والأكثر استخداماً وقد يكون خيالياً أيضاً.
يُستخدم الغمر في علاج اضطرابات ومشكلات مثل خوف الجنس كما في ليلة الزفاف، يُلاحظ أنّ الغمر مثير للتوتر والقلق في بدايته، إلا أنّ غمر الفرد بالخبرة، وضعه أمام الأمر الواقع، سرعان ما يزيل التوتر ويخفض من القلق، في إطار المساندة الانفعالية من قبل المرشد. قد يُستعان بالعقاقير الطبية المهدئة مع أسلوب الغمر.
الكف المتبادل
يُقصد به كفّ كل من نمطين سلوكيين غير متوافقين، لكنّهما مترابطان، ثمّ إحلال سلوك متوافق محلهما، تم استخدام هذا الأسلوب في علاج حالات البول، أي الاستغراق في النوم والبول الليلي، هما نمطان سلوكيان غير متوافقين لكنَّهما مترابطان، مطلوب كفّ السلوكين، أي كفّ النوم وكفّ البول بالتبادل؛ لأنّ كف النوم يكفّ البول، أيضاً كفّ البول يكفّ النوم، إحلال سلوك متوافق محلهما وهو الاستيقاظ والذهاب إلى دورة المياه.
يستخدم عادة جهاز علاج البول الذي يتكون من جزئين، جرس كهربائي، مرتبة كهربائية تتكون من طبقة قطنية رقيقة، تتوسط وتفصل بين شبكة سلكية مزدوجة أعلى وأسفل الطبقة القطنية، توصل الشبكتين بسلكين كهربائيين “موجب وسالب” متصلين بالجرس الكهربائي.
ينام الطفل على المرتبة الكهربائية التي توضع على سريره، يشغل الجهاز، عندما يتبول الطفل أثناء نومه تتم الدائرة الكهربائية عن طريق الطبقة القطنية الوسطى المبتلة، فيدق الجرس الكهربائي ويسقط الطفل، يتوجه إلى الجهاز حتى يوقفه، ثم يذهب لدورة المياه ويتبول، يتم تغيير المرتبة المبتلة ويشغل الجهاز مرة أُخرى، تستمر العملية لمدة تتراوح من شهر إلى ثلاثة أشهر، هكذا تحدث عملية كف النوم وكف البول بالتبادل، تتكون عادة سلوكيّة جديدة، هي الاستيقاظ والتوجه إلى دورة المياه للتبول.
الإشراط التجنبي
يعني تعديل سُلوك العميل من الإقدام إلى الإحجام والتجنب. استخدم هذا الأُسلوب في علاج حالات مثل الإدمان، حيث يستخدم عقار مقيئ مثل (إميتين) كمثير منفرد يرتبط شرطياً بالانتظام والتكرار مع الخمر مثلاً، مع تكرار هذا الارتباط الشرطي، يكتسب الخمر خصائص التنفير بسبب ارتباطه مع المقيئ المنفر، ينتج عنه القيء، يثبُت الإشراط التجنُّبي، فيتجنّب العميل شرب الخمر.
أدخلت تعديلات على أُسلوب الاشراط التجنبي، فمثلاً أضاف أوزوالد عام 1962 استخدام شريط تسجيل صوتي، عليه عبارات مكررة مثل (الخمر يجعله يتقيأ)، يلي ذلك أصوات ضحك وتقيؤ.
التعزيز الموجب (الثواب)
يعني إثابة السُّلوك المطلوب، يتم ذلك بإثابة العميل على السلوك السوي المطلوب مما يعززه، أي يدعمه ويثبته، يؤدي إلى تكرار نفس السلوك المطلوب، إذا تكرر الموقف، تضُم أشكال الثواب أي شيء مادي أو معنوي يؤدي إلى رضى العميل عندما يقوم بالسلوك المطلوب، مثل النقود أو الطعام أو المدح أو الحب أو الاحترام أو الدرجات المرتفعة.
استخدم بوروس سكينر عام 1938 هذا الأُسلوب بنجاح في علاج حالات كثيرة، مثل السُّلوك المضاد للمجتمع، ذلك عن طريق التعزيز الموجب، بإثابة السُّلوك الاجتماعي السوي المطلوب حتى يتكرَّر ويثبت ويحل محل السلوك المضاد للمجتمع.
التعزيز السالب
يعني العمل على ظهور السلوك المطلوب، ذلك بتعريض العميل لمثير غير سار أثناء السلوك الغير مرغوب، تم إزالة المثير غير السار مباشرة بعد ظهور الاستجابة المطلوبة.
استخدم هذا الأسلوب في علاج حالات كثيرة، مثل مصّ الإبهام، ففي حالة الطفل كان يمصُّ إبهامه باستمرار (السلوك غير المرغوب)، كان يعرض عليه أفلام رسوم متحركة يحبها، أثناء مشاهدتها حين يمصّ إبهامه يوقف عرض الفيلم، (مثير غير سار) أثناء السلوك غير المرغوب، عندما يخرج الطفل أصبعه من فمه مباشرة يعود عرض الفيلم (تعزيز سالب). هكذا مع التكرار يتغير سلوك الطفل إلى السلوك المطلوب باستخدام أسلوب التعزيز السالب.
العقاب والخبرة المنفرة
في هذا الأسلوب يعرَّض العميل لنوع من العقاب العلاجي، كخبرة منفرة إذا قام بالسلوك غير المرغوب مما يكفه، من أشكال العقاب ما يكون مادياً أو جسمياً أو اجتماعياً أو في شكل منع الإثابة مما يسبب الألم والضيق.
استخدم هذا الأسلوب في علاج حالات اضطرابات الكلام مثل اللجلجة، عن طريق أن يتبع الكلمة صدمة كهربائية مثلاً.
الثواب والعقاب
يفضَّل عدم استخدام أسلوب العقاب وحده؛ لأنه ثبت بالتجربة أنّه يُعتبر أقل الأساليب فعالية من وجهة نظر الإرشاد والعلاج النفسي؛ لأنه يكف السلوك اللاتوافقي بشكل مؤقت، قد يؤدي إلى معاودة ظهوره مرة أخرى أو إلى إبداله بسلوك لا توافقي آخر، أيضاً قد يؤدي إلى جعل السلوك العام للعميل أكثر اضّطرابا لا أكثر توافقاً، المطلوب دائماً في عملية الإرشاد والعلاج النفسي هو تعلُّم سلوك توافقي، إنْ كان لا بد من كف السلوك اللاتوافقي بالعقاب فلا بد ذلك من أن يلازمه تعلّم سلوك توافقي جديد باستخدام الثواب.
استخدم باريت عام 1962 أسلوب الثواب والعقاب في حالات الأزمات، مثل تحريك الرقبة وهز الكتفين وحركات الوجه وغيرها، ذلك عن طريق استعمال جهاز تسجيل يسمع منه العميل موسيقى محببة (ثواب)، ما دام متوقفاً عن إتيان اللازمة، كلما قام بإتيان اللازمة توقفت الموسيقى وسمع بدلاً منها ضوضاء منفرة (عقاب)، إذا توقف العميل عن إتيان اللازمة اختفت الضوضاء وعادت الموسيقى، هكذا حتى تختفي اللازمة.
تدريب الإغفال (الإطفاء)
في هذا الأسلوب يحاول المرشد محو السلوك غير المتوافق، ذلك عن طريق إغفاله، أي غياب التعزيز؛ حتى ينطفئ السلوك غير المتوافق أي يتضاءل تدريجياً حتى يختفي.
استخدم هذا الأسلوب بنجاح في علاج الكثير من حالات الاضطرابات النفسية الجسمية، كما حدث في حالة فتاة شابة كانت تعاني من التهاب جلدي عصبي (نفسي جسمي)، كان يحقق لها فائدة (الإثابة) وهي اهتمام الأسرة كلها وخاصة خطيبها، هذا ما كانت تحتاجه الفتاة، تم العلاج بإعطاء أسرتها وخطيبها تعليمات بالقيام بإغفال الموضوع تماماً وإهماله وتجاهله وعدم استخدام الأدوية وإغفال الألم؛ ذلك لإزالة مصدر التعزيز الذي دعّم الاستجابة، هكذا حدث إطفاء للاستجابة في غياب الثواب ، والتعزيز، بعد شهرين تحسنت الحالة، وتم شفاؤها بعد ثلاثة أشهر فقط.
الإطفاء والتعزيز
قليلاً ما يستخدم أسلوب تدريب الإغفال أي الإطفاء وحده، إلا إذا صاحبه أسلوب آخر مثل الثواب أو التعزيز.
استخدم كل من الإطفاء والتعزيز؛ أملاً في تسهيل محو السُّلوك غير المرغوب وتعلُّم السلوك المطلوب المرغوب.
نجح استخدام هذا الأسلوب المزدوج في علاج المشكلات السلوكية في صف المدرسة، حيث يغفل المعلم السلوك المشكل غير المرغوب إلى أن يظهر السُّلوك السوي المطلوب فيثيبه ويعززه، هكذا ينطفئ السُّلوك المُشكل غير المرغوب فيه، يعزّز ويدعم السلوك السوي المطلوب.
الممارسة السالبة
في هذا الأسلوب يطلب المرشد من العميل أن يقوم بممارسة السلوك غير المرغوب وتكراره، فتؤدي هذه الممارسة إلى نتائج سالبة مثل أن يتعب أو يمل، حتى يصل إلى درجة الإشباع لا يستطيع عندها ممارسته، مما يقلل احتمال تكرار السلوك غير المرغوب فيه.
استخدم يوسف فولب عام 1962 هذا الأسلوب؛ للتخلص من اللازمات الحركية، فقد تمكن من التخلص من لازمة جرش الأسنان عند المرأة، حيث كان يطلب منها ممارسة هذه اللازمة بتكرار لبضع دقائق تتخللها دقيقة واحدة للراحة طول الجلسات، بهذا الأسلوب اختفت اللازمة الحركية غير المرغوب فيها تماماً بعد أسبوعين، لم يحدث انتكاس حتى بعد مرور عام كامل.