أهم قيود اختبارات الشخصية

اقرأ في هذا المقال


إنَّ تقييمات الشخصية الأكثر دقة تقيس السمات المستقرة، فهي معيارية بطبيعتها ولديها درجة تقييم صراحة المستفتى وموثوقية عالية للتنبؤ بالأداء الوظيفي، غالباً ما يثني الخبراء على اختبار الشخصية الخمسة الكبار ومتغيراته، اعتمدت الأداة على بحث علمي مكثف لسمات الشخصية الخمس، مثل الانبساطية والاستقرار العاطفي والموافقة والضمير والانفتاح التي وُجدت في العديد من الثقافات المختلفة.

قيود اختبارات الشخصية:

في السنوات الأخيرة شكّك الباحثون في شرعية اختبار نموذج الخمسة الكبار، على سبيل المثال دراسة من جامعة ولاية أوريغون وجدت أنّ نموذج الخمسة الكبار لا تنطبق بين السكان المسنين في الدول الغربية، علاوة على ذلك وجد فريق من الباحثين في بوليفيا أنّ سمات الشخصية لم تتجمع في التجمُّعات الخمس الكبرى عندما قاموا بمسح أفراد قبيلة من الجامعيين، إذا كانت السمات الخمس الكبرى غير متسقة عبر الثقافات والأجيال والمناطق الجغرافية المختلفة.

فإنّ الاختبار لا يقيس السمات البشرية المستقرة ولا يُقارن الأفراد حقاً بالمجموع السكاني، مع ذلك فقد تمّ العثور على السمات الخمس الكبرى في أكثر من 50 دولة حول العالم، مما يعني أنّه يمكن اعتبارها متسقة نسبياً عبر الثقافات المختلفة، علاوة على ذلك فإنّ البيانات الخاصة بمعظم تقييمات الشخصية يتم الإبلاغ عنها ذاتياً، ممّا يعني أنّ هذه الأدوات لا تقل دقة عن صدق الإجابات.

تقول (Simine Vazire) مديرة مختبر الشخصية والمعرفة الذاتية بجامعة كاليفورنيا أنّ اختبار الشخصية الجيد نادراً ما يخبرنا بأي شيء جديد، على الأكثر يمكن استخدام اختبار الشخصية كأداة مقارنة لمعرفة كيف يقارن الفرد مع عامة السكان لخاصية شخصية معينة، كما تقول فازير يمكن لاختبارات الشخصية أن تخبرنا فقط ما نقوله، بالتالي يجب على أصحاب العمل أن يأخذوا نتائج تقييم الشخصية الخمسة الكبار بحذر، حيث يمكن للأفراد الإجابة عن الأسئلة بهدف تحقيق النتيجة المرجوة وبالتالي تحريف النتائج.

حتى إذا كان اختبار الشخصية الخمسة الكبار يوفر بيانات دقيقة فيما يتعلق بسمات شخصية الفرد، يجب على أصحاب العمل توخي الحذر بشأن كيفية استخدامهم لأيّ من هذه البيانات، على سبيل المثال يمكن للمرء أن يقرر استخدام نتائج الاختبار فقط لتوظيف المرشحين الأكثر انفتاح، في حين أنّ الانبساطية غالباً ما ترتبط بكوننا جيدين في العمل أو لا، مثلاً يمكن للعديد من مندوبي المبيعات ذوي الكفاءة العالية أن يكونوا انطوائيين؛ لأنّ الاستماع الفعال هو مهارة مبيعات أساسية.

يجب أن يحذر أصحاب العمل من استبعاد المرشحين ذوي الجودة العالية لمجرد أنّهم لا يحصلون على درجات عالية لامتلاكهم سمة ترتبط بشكل إيجابي بالنجاح في دور معين، هناك في بعض الأحيان إغراء لأصحاب العمل لاستخدام تقييمات الشخصية كبديل للعمل الشاق المتمثل في التعرُّف على موظفيهم بالفعل، كما كتبت إيّما غولدبرغ في صحيفة نيويورك تايمز “تقدم تقييمات الشخصية جميع تعقيدات ديناميكيات المكتب بين الأشخاص، لكن بدون العملية الحميمة والمكلفة للتحدث فعلياً مع الموظفين لتحديد المراوغات والتفضيلات”.

في النهاية يمكن أن يساعد اختبار الشخصية في تحديد بعض سمات الفرد، مع ذلك لا يمكن أن يحل محل العمل الشاق وغير الملموس في كثير من الأحيان للتعرف على الخصائص الفريدة للموظفين من خلال المحادثات، مع ذلك في حين أنّ تقييمات الشخصية ذات قيمة محدودة لقرارات مثل التوظيف، يمكن أن تكون هذه الأدوات مفيدة بطرق أخرى، إنّ اختبارات الشخصية يمكن أن تعزز فهم كيفية تأثير سمات الشخصية على أسلوب عمل الفرد وكيف يتفاعل المرء مع الآخرين.

لذلك يمكن أن تكون اختبارات الشخصية مفيدة في تحفيز الوعي الذاتي والتأمل الذاتي وفهم كيف يمكن للمرء أن يظهر في العالم، مع ذلك من الضروري ملاحظة أنّ اختبارات الشخصية تكون مفيدة للغاية عندما يتم استخدام الاختبار كأداة تعليمية بحتة ولا يوجد حافز للإجابة على الأسئلة بطريقة معينة، يتوق البشر إلى البساطة لكن الطبيعة البشرية ليست إلا، في حين أنّ اختبارات الشخصية ذات قيمة في إعدادات معينة، يجب على أصحاب العمل التعرف على قيود هذه الأدوات لإبلاغ قرارات الموارد البشرية المهمة مثل من يجب تعيينه أو ترقيته.

في البحث العلمي يستخدم الأكاديميون نموذج الخمسة الكبار لقياس الشخصية باستخدام خمس سمات شاملة، الضمير والتوافق والعصابية والانفتاح والانبساط، يرى (Elfenbein) أنّ هذه فئات كبيرة بشكل أساسي وهناك الكثير من السمات الشخصية الأصغر والأكثر تركيز التي تقع ضمن هذه الفئات الخمس، لكنّ العديد من اختبارات الشخصية الشائعة من اختبارات مايرز بريجز إلى تلك التي تملأ خلاصاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، تفتقر إلى العلم الدقيق.

التماس التحقق:

تعطينا معظم اختبارات الشخصية الشائعة نظرة إيجابية لأنفسنا ونادراً ما تسلط الضوء على السلبيات، يرى كريس سوتو الأستاذ المساعد في علم النفس في كولبي كوليدج لأنّه من الجيد قول أشياء جيدة عن أنفسنا، يضع مايرز بريجز على سبيل المثال المتقدمين للاختبار في واحد من 16 نوع من الشخصيات، مع سمات فريدة تسلط الضوء على نوع خاص من الرعب لدى الشخص.

جميعاً لدينا معتقدات حول ما نحبه وشكل شخصيتنا وما يشبه سلوكنا، من الجيد أن نحصل على تعليقات تتيح لنا معرفة أنّ هذه المعتقدات دقيقة، سواء كانت هذه التعليقات تأتي من اختبار الشخصية أو ملاحظات مدروسة من صديق، فإنّ التحقق من صحة الذات هو معزز قوي للثقة، لكن لا يبحث الجميع عن اختبارات الشخصية لمجرد إحاطة أنفسهم في غرفة صدى المشاعر الجيدة.

في بعض الأحيان نأخذهم لاكتساب نظرة ثاقبة عن أنفسنا والبحث عن منظور خارجي لفهم أفضل لمكاننا في المجتمع، يقول (Elfenbein): الشيء الممتع هو محاولة فهم نفسك من خلال هذه الأطر، يمكنك الحصول على نظرة ذاتية ليس فقط سبب قيامك بالأشياء التي تفعلها ولكن لماذا”، يقوم الآخرون بالأشياء التي يقومون بها ويمكن لهذا المنظور أن يفعل أكثر من إرضاء فضولنا الشخصي.

تاريخياً تم استخدام اختبارات الشخصية كأداة لمساعدة بعض الشركات على اتخاذ قرارات التوظيف وتصميم الأنشطة، لا تزال هذه الممارسة سائدة اليوم على الرغم من حقيقة أنّ بعض اختبارات شخصية الشركة الشائعة لم يتم تصميمها على غرار السمات الخمسة الكبار.

الحق في الوظيفة:

تمّ تصميم جميع اختبارات الشخصية المعروفة باسم ورقة بيانات وودوورث الشخصية (WPDS)، لفحص الجنود خلال الحرب العالمية الأولى، فقد قيم خطر تعرضهم لصدمة القذيفة أو الصدمة العقلية نتيجة للقتال، طرحت نسخة 1924 من الاختبار أسئلة مثل “هل شعرت يوماً بالغضب لدرجة أنك رأيت اللون الأحمر؟” “هل سئمت الناس بسهولة؟”، تم توجيه المتقدمين للاختبار للإجابة بنعم أو لا، بشكل عام ركز الاستبيان على السمات السلبية المرتبطة بالشخصية بدلاً من السمات الإيجابية.

بشرت العقود التالية بعدد قليل من اختبارات الشخصية الجديدة، هذه المرة لمساعدة مديري التوظيف في الشركات الكبرى بدلاً من المجندين العسكريين، في شركة لوكهيد مارتن في الأربعينيات من القرن الماضي استخدموا اختبار يسمى مقياس ((Humm-Wadsworth Temperament Scale (HWTS) لاختيار الموظفين، الذين اعتقدوا أنّهم سيكونون الأنسب لدور ما، عزت لوكهيد الفضل إلى (HWTS) لحقيقة أنّ لديهم أقل معدل دوران في صناعة الطائرات أقل من 1 في المائة.

اليوم مؤشر مايرز بريجز التي تم إنشاؤها في عام 1940 لا تزال أداة تستخدم في أماكن العمل، لكن استبعاد المرشحين ليس الغرض الوحيد للشركات، إنّهم غالباً ما يطبقونها على تمارين بناء الفريق ولكنّها لا تزال أداة قيمة لبدء المناقشات في مكان العمل. يقول Elfenbein: “ما أحبه في Myers Briggs هو أنّها نقطة نقاش رائعة وفي كثير من الأحيان في السياق الصحيح تستخدم سمات الشخصية للحصول على مفردات مشتركة للحديث عن اختلافاتك.”

طيف واسع:

بقدر ما نحب اختبارات الشخصية فإنّ الفئات والعلامات التي نستخدمها لوصف أنفسنا ليست دائماً محدودة جداً، غالباً ما يلاحظ الباحثون سمات على طيف معين، بمعنى إذا كان الشخص منفتح فقد يكون منفتح أكثر من أي شخص آخر يقع في نفس الفئة، يوضح سوتو أنّ بعض الناس انبساطيون نموذجيون ويقعون في قمة الطيف، بعض الناس انطوائيون نموذجيون ويهبطون في مستوى منخفض للغاية، يقع بعض الأشخاص في المنتصف تماماً وإذا نظرنا إلى التوزيع، فإنّه أقرب إلى منحنى الجرس.

بشكل عام من الجيد أن يكون الشخص حذر من الاختبارات التي تمنحه نتائج مروعة أو تشير إلى سمات لا تبدو ذات صلة بشخصيته، إنّ اختبار الشخصية الجيد الذي تمّ التحقق من صحته علمياً، يفاجئنا أو يخبرنا بشيء لم نكن تعرفه عن أنفسنا نوعاً ما، بدلاً من ذلك قد تساعدنا النتائج في ملاحظة أنماط جديدة أو مجرد التحقق من صحة ما نعرفه بالفعل.


شارك المقالة: