يعتبر السلوك السلبي معوق هائل يتوقّف عليه وصول الإنسان لدرجة التوافق الفنسي مع المحيط من حوله، فإذا كان علم النفس عن طريق دراسته لسلوك الإنسان، يسعى بذلك لبناء فكر وتغيير هذه السلوكات السلبية لإيجابية، فإنّ ذلك يحتاج لوضع استراتيجية واضحة وفق برنامج تنفيذي ومتابعة دقيقة، بناءً عليه كان مشروع المدرسة السلوكية يقوم على دراسة المظاهر السلوكيّة للفرد وتفسيره.
كان رأي واطسن ووصفه لعلم النفس سنة 1913 بقوله أنّ علم النفس من وجهة نظر السلوكيين يعتبر أحد الفروع التجريبية الحقيقية من العلوم الطبيعية، يهدف إلى التنبؤ بالسلوك قبل حدوثه، فلا يمثل الاستبطان أي جانب من مناهجه ولا تتمثل قيمته العلمية في قبول بياناته (معلومات الاستبطان ) في تفسير الوعي، حدد واطسن موضوع علم النفس ومنهجه بطريقة تختلف عن تحديد المدرستين السابقتين، اللتين كانتا تهتمان بالعمليات العقلية وإن كان ذلك من منظورين مختلفين.
أهم مدارس علم النفس:
المدرسة البيولوجية:
حاولت هذه المدرسة أن تفسّر السلوك عن طريق التركيز على تاثير الدماغ والجهاز العصبي والهرمونات على سلوك الشخص، فأصحاب هذا الاتجاه أكدوا أنّ العمليات البيولوجية التي تجري داخل الجسم والدماغ بشكل خاص تقوم بالتأثير على تفكير الفرد ومشاعره ومزاجه وسلوكه بشكل عام، كما أكدوا أنّه يجب دراسة وظائف الدماغ والجهاز العصبي حتى نفهم السلوك ولا نستطيع فهم السلوك بدون فهم الجسم.
أبرز مؤسسي المدرسة البيولوجية سكنر وجثري، كما أكد الأشخاص الذين اتبعوا هذه المدرسة أنّ السلوك أساس علم النفس؛ ذلك لأنه يمكن أن نلاحظه وندرسه بشكل موضوعي عن طريق المثيرات البيئية على السلوك وهو غالباً ما يكونً مكتسب مثل الكتابة والمشي، أما العمليات النفسية والعقلية فلا يدرسها وذلك لأنه لا يمكن ملاحظتها، كما أكدت هذه المدرسة على العلاقة ين المثير والاستجابة وذلك لأن السلوك هو استجابات لمثيرات يتعرض لها الكائن الحي؛ مثلاً تعرض طفل لمثير أليم يودي إلى استجابة البكاء.
المدرسة المعرفية:
أتت المدرسة المعرفية ردّاً على المدرسة السلوكية التي قامت بإهمال أهمية المعرفة وعمليات العقل في السلوكات، فقد أكدت أنّ الشخص لا يستجيب للمثير البيئي بصورة سلبية بل يقوم بالتفكير والتفسير ويُجري العديد من العمليات العقلية قبل الاستجابة للمثير، شبه علماء النفس المعرفييون العقل بجهاز الحاسوب؛ فالفرد يتعرض لمثيرات من البيئة وهذه المثيرات تشكل المدخلات ويجري عليها عدد من العمليات العقلية، يتم نقل بعض المعلومات الى الذاكرة قصيرة المدى حيث تتعرض لعدد من المعالجات مثل التعرف والمقارنة والتفسير.
مدرسة التحليل النفسي:
أُسست هذه المدرسة على يد عالم النفس سيجموند فرويد، حيث أكدت على دور الخبرات والدوافع اللاشعورية التي تقوم بتحريك السلوك الإنساني، فهي تتفاوت من حيث مدى قدرته على تذكرها وهذا ما جعله يقسّمها من حيث مدى الوعي بها لثلاث مستويات.
يوجد مستوى الشعور ويتضمن الذكريات والأفكار التي يسهل على الفرد أن يتذكرها، يوجد أيضاً مستوى ما قبل الشعور وهي الذكريات والأفكار التي يصعب تذكرها ولكن يمكن للفرد أن يتذكرها بشي من الجهد، يوجد مستوى اللاشعور الذي يتضمن مجمل الأفكار والرغبات والمخاوف المكبوتة التي عمل الفرد على كبتها؛ ذلك لأن تذكرها يسبب له القلق.
المدرسة الإنسانية:
قامت المدرسة الإنسانية بالتركيز على نواحي القوة عند الفرد، فهي تنظر إليه على أنه يتمتع بالإرادة الحرة والقدرة على اتخاذ القرارات، إنّه قادر على التحكم في حياته وسلوكه وبالتالي فهو ليس أسير لمثيرات البيئة أو الدوافع اللاشعورية، فالدافع الأساسي عند الإنسان هو النزعة إلى النمو والوصول إلى الذات؛ الإنسان دائم البحث عن الأعمال والنشاطات التي تساعده على تحقيق طاقاته لأقصى مدى ممكن، فقد يتعرض الفرد إلى الكثير من المعوقات المادية والاجتماعية، إلا أنّ نزعته الأساسية تبقى هي تحقيق الذات.
دور العلماء العرب والمسلمين في علم النفس:
سبق أرسطو الغربيين في فكرة (الأنا) التي انتشرت في الفلسفة الحديثة، والتي أخذ بها فرويد صاحب مدرسة التحليل النفسي، كما عنى بالإدراك الحسي وفسر كيف يدرك العقل الكليات وتحدث في كتاب الشفاء عن الانفعالات الموجودة عند الإنسان، التي لا توجد عند الحيوانات مثل الضحك والتعجب والبكاء والخجل.
أما الغزالي (محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، أبو حامد) فهو أحد الفلافسة الذي يتصف بكلامه وهو أحد أعظم أعلام الفكر في التاريخ الأسلامي وأكثر تأثيراً حتى اليوم في ميادين علوم الدنيا والدين، ولد في إحدى مدن خراسان سنة 1059 للميلاد وعُين أستاذ في المدرسة النظامية ببغداد سنة 1091 وعمره قد بلغ الرابعة والثلاثين.
تضمّن كتاب الغزالي أحياء علوم الدين السلوك وضروبه المختلفة، كما تحدّث عن كل ضرب وبحث عن الدوافع الخاصة به، ثم قام بتوضيح كيفية سمو السلوك في نور اليقين ومعرفة الله والسلوك الحيوي، يستهدف تحقيق غرض معين وتمييزه بين ثلاثة أنواع منه؛ هي الطبيعي والضروري والإرادي، كما تناول الدوافع الفطرية والمكتسبة وأهميتها والعادات وتكوينها وأنواعها وآثارها والانفعالات والعواطف والأدراك الحسي وغيرها.
- الفارابي: هو أبرز الفلاسفة وأحد رجال الدين، كما أنه عالم نفس اهتم بقدرة الشخص التي توصله إلى المعرفة فعندما يتكلم عن نواح من السلوك اهتم بها علم النفس في العصر الحديث، فقد قسم الفاربي الشخص إلى قسمين أحدهما موكل بالعمل والآخر موكل بالإدراك وقوى العمل ثلاثة اقسام؛ هي النباتية والحيوانية والإنسانية والإدراك؛ إنّ جوانب وظيفته الإحساس الإنساني وهدفه الوصول إلى المعرفة العقلية.
- ابن رشد: أكد ابن رشد أنّ البحث في النفس يعتبر أحد أقسام العلم الطبيعي؛ ذلك لأنّ النفس لا تفعل أي شيء إلا بالجسد، للنفس أحوال تقوم بدراسة ما وراء الطبيعة والأحوال غير المادية، قوى النفس خمسة أقسام وهي النباتية والحساسية والمتخيلة والنزوعية والناطقة؛ كما تنقسم الناطقة إلى الفعل النظري والفعل العملي.
- ابن خلدون: يعتبر العالم الذي أسس علم الاجتماع، يعتقد أنّ الأمور التي تجري في عالمنا المادي والاجتماعي والنفسي، تخضع لقوانين معينة تجري على نظام مخصوص، فقد بيّن ابن خلدون رأيه في حركة التاريخ وفي الجماعات وسيكولوجيتها وعلم نفس الشعوب والشخصية القومية؛ هي موضوعات لم يتناولها علم النفس الاجتماعي والمقارن إلا مؤخراً وله إسهامات في علم النفس الاجتماعي وعلم النفس التربوي، لو أردنا استعراض سيرة علمائنا الأعلام وأنجازاتهم في مجال علم النفس لوقفنا على جهود كبيرة في هذا المجال.
- يوجد العديد من من علماء العرب مثل الكندي وابن باجة وغيرهم؛ لكن اقتصرنا الحديث على بعض العلماء وما حققوه في هذا المجال العلمي بشكل موجز؛ ليثبت للقارئ أنّ العلماء العرب والمسلمين كانوا السباقين دائماً في كل المجالات على غيرهم من الأمم والحضارات.