اقرأ في هذا المقال
- التعامل مع ظلم الأبناء في الإسلام
- نتائج ظلم الأبناء في الأسرة
- أوجه ومظاهر ظلم الأبناء وعلاجها في الإسلام
لقد خلق الله تعالى خلقَه وتفاوت في خصائصهم وطبيعتهم وأخلاقهم، وهذا شيء حقيقي ومرئي، وهذه الاختلافات شائعة في جميع أنحاء العالم، حتى داخل الأسرة الواحدة يمكن رؤية الاختلافات بين الأطفال، وفي ذلك حكمة إلهية عظيمة تدل على قوة الله تعالى العظمى.
التعامل مع ظلم الأبناء في الإسلام
ينبغي أن يكون الآباء والأمهات عادلون ومنصفون أثناء التعامل مع كل طفل من أطفالهم، ويجب ألا يُظهروا تفضيلًا خاصًا لبعض منهم دون الآخرين، بغض النظر عن جنسهم وجمالهم وقدرتهم وثروتهم وغير ذلك.
لا يمكن إنكار أن بعض الآباء قد يشعرون بميل أكثر نحو الطفل الذي يتمتع بخصائص جيدة، سواء كانت جسدية أو في سلوكه، أو من طبيعة ينجذب إليها الناس، كما لو كان مبتهجًا وهادئًا ولطيفًا، حقيقة أن الطفل الذكر لا يعني بالضرورة أن أحد الوالدين سوف يميل نحوه؛ بل نجد أن الآباء أكثر تعلقًا ببناتهم.
ولا يجوز لوم الآباء على هذه الميول، ولكن لا يجب التعبير عن ذلك أمام الأبناء؛ لما يترتب على ذلك من عواقب سلبية، أما إذا كان للوالدين ولد واحد؛ فإنهم قد يعبّرون عن كل مشاعرهم ولا يلومهم أحد على ذلك.
وكثير من الآباء لا يدركون أن تفضيل الطفل المتميز بصفات جيدة وجذابة قد يضر بهذا الطفل، بل قد يُعَد ظلم له؛ لأنه قد يؤدي ذلك إلى جعله فخورًا ومتكبرًا، أو قد يؤدي به إلى الكسل أو الخمول والاعتماد على الآخرين في تلبية احتياجاته، ولا شك أن مثل هذا الطفل لن يفيد نفسه أو لوالديه أو بقية أفراد أسرته.
نتائج ظلم الأبناء في الأسرة
إن قيام أحد الوالدين أو كلاهما بالمعاملة السيئة مع الطفل، أو التنمر علية من قِبل الأهل، أو تمييز أخوته عنه في المعاملة يُعَد من باب ظلم الأبناء، وتتسبب الأسرة التي يفضل فيها الآباء أحد الأبناء على الآخرين في العديد من النتائج السلبية في الأسرة، ومنها ما يلي:
1- سيحبط الأطفال الآخرون عن النجاح أو التقدم على الصعيدين الديني والدنيوي.
2- قد يتسبب في معاناة الأبناء من أمراض نفسية أو جسدية.
3- قد يؤدي إلى الحقد على الأخ المفضل وكرهه.
إن الآباء الذين يُفضّلون بعض أفراد عائلاتهم على البعض الآخر يلعبون دورًا في تفكك تلك الأسرة وتدميرها؛ لأن تلك المحسوبية تزرع بذور العِداء والاستياء والحسد المدمر في نفوس أبنائهم، فيصبح من هم أقل حظّاً أن يتحدوا على من يُفضَل عليهم؛ وحتى ضد والديهم، وأكبر مثال على هذا قصة يوسف عليه السلام، ما فعلوه به وشقيقه الآخر بنيامين يبرهن وبوضوح على ذلك، وقد أخبرنا الله تعالى سبب رمي أخيهم يوسف في غياهب الجب.
قال الله تعالى: “إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ”، 8،9، سورة يوسف.
ولا شك أن سيدنا يعقوب عليه السلام لم يكن يسيء معاملة أبنائه الآخرين، والشيء الوحيد الذي جعلهم يفعلون ذلك هو حبّه لابنه يوسف عليه السلام، فكيف بالإخوة الذين ظلمهم والدهم بالعطاء والحب والاحترام وإعطاء ذلك لأحد إخوتهم.
أوجه ومظاهر ظلم الأبناء وعلاجها في الإسلام
من أشهر طرق تفضيل الوالدين لبعض أبنائهم على بعض التفريق في العطاء، وهو مُحرم شرعًا عند الله تعالى، ومن الآثار السيئة التي تنجم عن هذا النوع من المحسوبية أنه يتسبب في عصيان الأبناء لوالديهم، بحيث لا يعاملون والديهم جميعًا بنفس القدر من الاحترام واللطف، وقد لفت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الانتباه إلى ذلك وأوضح صراحة أن المُحاباة في العطاء تعتبر ظلم.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال : أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، قال: فرجع فرد عطيته”، صحيح البخاري.
ومثلما نهى الله تعالى عن هذه التمييز بين الأبناء في العطاء، فقد نهى عن غيرها، مثل الوصية لأحد منهم، نهى الله تعالى عن الوصية لوارث، كل هذه الأحكام في مصلحة الأسرة وترسي أسس وحدة الأسرة وليس الفرقة.
وعلى الأهل أن يدركوا أن ليس أحد من أولادهم كاملًا، وإذا فضل أحد الأطفال لسبب ما فإذا كان عادلاً فسيجد أيضًا أن لدى هذا الطفل بعض الخصائص السلبية الأخرى، ويمكن أن يُقال العكس أيضًا عن أولئك الذين لا يحبذونهم، فالكثير منهم قد يكون لديهم العديد من الصفات الإيجابية، وقد لا يتمكن الطفل المحبوب من الطريقة التي يتحرك بها ويتحدث من مساعدة الأسرة في العديد من الأمور، فقد لا يكون جيدًا في الترحيب بالضيوف وخدمتهم مثلاً.
ويجب على الآباء العدل بين جميع الأبناء، ويجب أن يشجعوا الخصائص الجيدة لأطفالهم ويساعدونهم على تنميتها، وأن لا يتوقعوا أن يكون الآخرين متشابهين في الصفات، فيجب مساعدة كل شخص على فعل الشيء الذي خُلق من أجله، فقد يحب أحدهم العمل، وقد يحب الآخر طلب المعرفة، وقد يكون لبعض منهم خصائص لا توجد في البعض الآخر.
ويحاول الآباء الحكيمين أن يطوروا ذلك ويجعلهم يكمّلون بعضهم البعض، وإذا امتدح الصفات الإيجابية في ولد واحد، فعليه أن يمدح الصفات الإيجابية في الآخرين؛ حتى لا يكون بينهم حسد أو حقد مدمر لا قدر الله.
ومن نفس المنطلق، يجب على الآباء أيضًا الحذر من توبيخ الأبناء على أخطائهم والمطالبة بأن يكون أحد الأطفال مثل أخيه مثلاً، بل أن يذكر له أقاربه أو جيرانه من نفس العمر، أو يشجعه على تطوير الخصال الحسنة مع عدم تشجيع الخصال السيئة، دون ذكر أحد على وجه الخصوص؛ لأن مقارنته بأخيه أفضل منه في هذه الحالة يولد العداوة، والاستياء بينهما.
كيفية معاملة الابن العاصي والابن المطيع بالعدل
ولا ينصف للأب أن يعامل العاصي من أولاده كما يعامل من يطيعه، وإلا فلا نفع للطاعة، وعليه أن يوضح أن فاعل الخير كإعانة والدته في البيت أو حفظ القرآن الكريم له أجر، في حين أن من أساء التصرف يحرم من شيء أو يعاقب، ومن أحسن التصرف من الأبناء يجب الثناء عليه بالخير، أو إعطائه مصروف جيب أكثر، أو تركه يلعب لعبة مباحة لفترة أطول من الذي أساء التصرف، وهذا هو العدل الذي يشجع الإسلام الوالدين عليه.
للأب أن يمنع عن الطفل العاصي المال الذي يرتكب به المعصية؛ بل يجب على الأب فعل ذلك حتى يمنع ولده من فعل ما يغضب الله تعالى، ومن الأمور الأخرى التي يجب أن يركز عليها الآباء هي توجيه مشاعر أبنائهم نحو إخوتهم الذين يستحقون الرحمة والمحبة، مثلاً قد يكون لدى أحد الأطفال مرض معين، فيجب على الوالدين توجيه أطفالهم لإظهار التعاطف والحب تجاه أخيهم قبل أنفسهم، وبهذه الطريقة يضمنوا منح الشخص الذي يعاني من مرض معين نصيبه من التعاطف، و يضمنون عدم وجود أي شعور بالسوء بينهم وبين أشقائهم.
وبغض النظر عن الاختلافات في شخصيات الأطفال وطبيعتهم، فإن الإنصاف بينهم في الظاهر أمر شرع في الإسلام، وإذا دفع الأب مصاريف زواج إحداهما، فعليه أن يفعل ذلك أيضًا لكل من يريد الزواج، فإذا دفع مصاريف أحدهم المريض، فعليه أن يفعل ذلك لمن يحتاج إلى العلاج، وإذا ساهم في تعليم أحدهم، فعليه أن يفعل الشيء نفسه للآخرين أيضًا، كذلك في النفقة واللباس، وبذلك يكون قد أنصف في هذا الأمر جميع أولاده، وأن يعطي كل واحد من أبنائه ما يكفيه.
يجب العدل والمساواة بين الأبناء في الهبة، وفي جميع أنواع الإحسان؛ حتى القبلات، ذكرا كان أو أنثى؛ حتى لا يكون في قلب أحد منهم شيء على الآخر، فالحقد والشعور بالظلم بين الأبناء تحفزهم وتمنعهم من بر الوالدين.
لا ينبغي للوالدين تفضيل أي ابن على آخر، وهذا لا يعني أنه ينبغي أن يكون لهما نفس المشاعر تجاههم جميعاً؛ لأن هذا أمر لا يتحكم فيه الوالدين، بل يتحكمون بالعدل بينهم في الظاهر، يجب على الوالدين أنصافهما فيما يسيطران عليه، من الأمثلة على صور العدل الظاهر: النفقة، واللباس والمأكل.