للحياة معنى تحت جميع الظروف، حتى في المواقف الأكثر ألماً فإنَّ الدافع الأساسي للحياة هو إرادتنا للبحث وإيجاد معنى في هذه الحياه، لكل شخص حرية في البحث وإيجاد معنى لما يفعله ولما يعانيه أو على الأقل في المواقف الذي يتّخذها عندما يواجه حالة من المعاناة غير قابلة للتعديل.
مفاهيم نظرية العلاج بالمعنى
مفهوم حرية الإرادة
يرى فرانكل أنَّه (بالرغم من أنَّنا مضطرّين للخُضوع إلى بعض الظُّروف التي تكون خارجة عن إرادتنا، إلَّا أنَّنا نكون أحرار في اختيار استجاباتنا تجاه كل ذلك).
يرى شولتر الحريّة أنَّها مفهوم هام جداً في الفكر والكتابات لفرانكل، الذي يؤكِّد على أهمية أن نكون أشخاص أحرار في مواقفنا المختلفة تجاه الظروف والأحوال والوجود، إذا ما كان لنا أن نتمتَّع بصحة نفسية جيدة.
إنَّ الشَّخص الذي لا يعرف كيف يستعمل هذه الحرية، سيعاني من العصاب، الذي يقوم بالسيطرة عليه ويعطِّل إمكاناته ويؤخِّر نموّه الإنساني، فالبشر ليسوا تابعين بشكل أعمى لبعض القيم والمبادئ، ليسوا آليات تستجيب بحسب ما وجهت إليه، أيضاً ليسوا ناتج ما درِّبوا عليه في طفولتهم، بل هم أحرار وبإمكانهم أن يكونوا كذلك بدرجة كاملة.
مفهوم معنى الحياة
عندما تسأل الأفراد عن السبب الذي يعيشون من أجله في حياتهم، سيكون جوابهم أنَّهم يعيشون من أجل الأطفال ومن أجل تربيتهم، من أجل الصديق الذي يجب الوقوف بجانبه، من أجل العمل الذي من الواجب إنجازه، من أجل الحركة السياسيّة التي يجب أن تحظى بالتأييد، كل هذه الإجابات يمكن وضعها في جملة واحدة، تصل إلى أنّ هناك شخص ما أو شيء ما بحاجة إلى وجود.
يقوم جوهر العلاج بالمعنى على تعليمنا أنَّ الغاية من سعينا، يجب أن يكون من أجل معنى يستمر ويعمق المغزى منه، حتى في أصعب ساعات المعاناة، هذا ما حصل لفرانكل الذي أهلك نفسه ليبقى ولينقل للبشر خلاصة تجربته، وسط ذلك القدر الهائل من العذاب البدني والنفسي.
تظهر صورة معنى الحياة، مثلما أرادها فرانكل في نظريته للمعنى، فالحياة بالنسبة لأيِّ شخص تكون ذات معنى تام وغير مشروط، يمكن تحقيقه بدون أي شروط أو قيد. يجب على الإنسان ألَّا يتوقف عن بلوغ هذا المعنى في جميع الأحوال والظروف، المعنى الذي يقصده فرانكل هو معنى ذاتي وموضوعي في نفس الوقت، فهو ذاتي من حيث تناول الإنسان له، موضوعي من حيث أنّ لكل شيء معناه الحقيقي الخاص به؛ لأنَّ المعنى لا يمنح، إنَّما يلزم أن يلتمَّسه الإنسان ويسعى إليه، فإنّ هذا الالتماس وهذا السَّعي لبلوغ المعنى، يجب أن يكون محيط بالمسؤولية والالتزام ويسعى وراء التطورات الابتكارية.
مفهوم إرادة المعنى
يعتقد فرانكل أن إرادة المعنى يعد دافع رئيسي في حياة الإنسان، أيضاً يرى أنَّها من أقوى الدوافع الرئيسية، فبدونه لا يكون هناك أيّ سبب للاستمرار في هذه الحياة. هو دافع فطري ويكون بشكل متفرِّد لدى كل إنسان، مختلف في طبيعته، نقوم بتوجيهه من فرد إلى آخر، كما أنّ لدى نفس الفرد من موقف لآخر، يمكن الوصول إلى هذا الداَّفع من خلال ما نقوم بتحقيقه في حياتنا من مهام، نقوم بالاكتشاف من خلالها أنفسنا وقدراتنا على التحدي ومواجهة المعوقات في إنجاز هذه المهام.
مفهوم التسامي بالذات
يقول فرانكل أنَّ الدافع الحقيقي الموجود في حياتنا لا يكون بالبحث عن أنفسنا، إنَّما القيام بالبحث عن المعنى، هذا يعني البحث من جانب مُعيّن عند نسيان أنفسنا وتجاوزها، التسامي فوقها أيضاً.
إنّ الإنسان لا يكون إنسان، إلّا إذا قام بتجاوز ذاته وارتقى بإنسانيته إلى ما ورائها أيضاً. وهذا ما جعل فرانكل صاحب نظرية العلاج بالمعنى، مختلف بشكل كبير عن جميع مؤسِّسوا النظريات الأُخرى، الذين رأوا أنَّ الدافع الحقيقي لنمو الإنسان هو تحقيق الذات، لا الكفاح ولا الجهاد من أجل ما هو في الذات أو ما بداخلها، يعد ذلك هزيمة للذَّات، إنَّما السّعي يكون للتسامي والوصول فوق هذا الذات.
يشير شولتز إلى ثقة فرانكل بأننا إذا ركّزنا بشكل أساسي سعينا من أجل الوصول إلى السَّعادة، فلن نستطيع تحقيق السعادة أبداً، فالسعادة لا يمكن أن نطلبها ولا تمسك بالأيدي، إنّما تتحقق بشكل تلقائي بالوصول إلى المعنى والتسامي فوق الذَّات، بذلك تتحقق الذات بشكل تلقائي ولا إرادي، أيضاً الوصول إلى الصحة النفسية.