تم ظهور علم نفس الطفل بسبب العلوم الأخرى، كذلك بسبب مطالب الحقول الخاصة بالمعرفة المنهجية بما يخص الطفل، فقد كان هناك حاجة لأدوات تساعد في تمييز الذكي عن غيره، كما كان هناك حاجة لطرق ناجحة خاصة بتربية الأطفال، تم ظهور بعض الأصزل في علم نفس الطفل التي ساهمت في إنشاء علم نفس الطفل؛ فشملت سير الأطفال وحركة دراستهم ومعاهد رعايتهم.
تاريخ علم نفس الطفل:
تم ظهور البحث المنهجي الأول عن الأطفال من قبل العائلات، ففي عام 1774 قام بستالوتزي Pestalozzi بعرض مذكراته التي كتبها عن حياة ابنه الذي يبلغ عمره ثلاث سنوات ونصف؛ لعل هذه المذكرات هي أول ما نشر في العالم عن تراجم الأطفال، في سنة 1787 قام تيدمان Tiedemann بنشر ملاحظاته عن نمو طفله فريدريك في السنتين الأولى من حياته، تتميز هذه الدراسة بدقتها العلمية التي تظهر الآن في الأبحاث الحديثة.
في عام 1826 قام فروبل Frobel وهو أول المؤسِّسين لرياض الأطفال في العالم بعرض كتابه “تربية الإنسان”، كانت مادة دراسته تعتمد على مراقبة سلوك الأطفال ورصده في البيت والمدرسة في نفس الوقت، كما عمد تشارلز داروين Darwin لحفظ مفكرة يومية حول ابنه الرضيع في عام 1840، إلّا أنّه لم يحاول طباعة تلك المفكرة إلا بعد ثلاثين عام من كتابتها، فقد اهتم بالمظاهر التطورية لسلوك الطفل وعلاقة ذلك السلوك بنظيره الحيواني.
قام عالم النفس برير Breyer في الكتاب الخاص به “عقل الطفل” بملاحظة نمو ابنه في أول أربع سنوات من حياته، فقد درس السلوك الشاذ وتأثير الخبرة في تغيير ذلك السلوك، قد دأب برير على ملاحظة العديد من الظواهر السلوكية الأخرى؛ مثل لغة الطفل ولعبه بالرغم من أن برير لم يعزل ملاحظاته عن استدلالاته فإن عمله ما يزال يحتفظ بقيمة علمية رفيعة.
قام سالي بتوسيع منهج السيرة من خلال دراسة سير الأطفال الآخرين ودراسة سيرة ابنه، فوضع نتيجة لذلك كتابه المعروف “بعلم نفس الطفل”، بالرّغم من أن العلماء يعتبرون بياجه الأب الروحي لعلم نفس الطفل؛ فإنّ بالدوين كان قد سبقه إلى ملاحظة الأطفال ،من جهة ثانية كان الباحثون في حقول اللغة والحركة والإحساس أفضل كتبة السيرة الذين أثّروا في الباحثين اللاحقين وفي علم نفس الطفل ذاته.
واجه كُتّاب السيرة ومنهجهم العديد من جوانب النقص التي تمثلت في بعض النواحي؛ لكن بالرّغم من صنوف النقص ظلت كتابة السيرة من أهم مناهج علم نفس الطفل، الذي يتصف بدرجة معقولة من الموضوعية، يتمثل دليلنا على ذلك ببياجه الذي اعتمد منهج السيرة وخرج منه بعدد من الكتب ما زالت توجه الأبحاث المعاصرة في علم النفس وتثير الجدل بين الباحثين النظريين في مجال النمو الإنساني.
قام كتبة الأطفال بتركيز اهتمامهم العلمي على الطفل أثناء القرن التاسع عشر، حيث عملوا على تشكيل حركة رائدة للمنهجين النمائي والتجريبي في علم النفس، أمّا الخطوة الثانية فتضمنت ظهور ستانلي هال عالم النفس الأمريكي الذي ساهم في ظهور رابطة علماء النفس وعدد من الدوريات العلمية التي ضمت مجلّة علم النفس التكويني، قام هال بإنشاء حركة دراسة الطفل التي لم تدم طويلاً والتي عملت على اكتشاف نمو التفكير لدى الطفل.
في عام 1980 أشرف هال على مجموعة من الدراسات التي تركّز على الاستجواب الخاصة بوجهات نظر الأطفال بصدد كل شيء؛ بدءاً من الموت وانتهاء بالجنس، تميز تدريب هال للباحثين في الفترة الأولى بالجدية والرصانة خلافاً للمراحل الأخيرة التي خلت منهما، هذا الأمر الذي جعل الباحثين يشكون في قيمة النتائج التي قامت على استجوابات الفترة الأخيرة من تلك الحركة.
أخذت حركة دراسة الطفل بالرّغم من الانتقادات التي واجهتها اهتمام الناس وشعورهم بالحاجة إلى توفير العديد من الوقائع الموضوعية بما يخص الأطفال، فلقد أمل هان بأن مثل تلك المعرفة الموضوعية ستقود إلى وضع الأسس الصحيحة لعلم نفس جديد وهذا أمر لم يتم، فكل ما فعلته حركة دراسة الطفل هو فتح الطريق نحو إنشاء معاهد لدراسة الأطفال في الجامعات الأساسية، هو ما يشكل الخطوة الثانية في الحركة العلمية لدراسة الطفل.
قام سيرز بدراسة تأثير المعاهد المشار إليها واعتبر السيدة كورا بريسي هيلز من أهم رواد الحركة، فقد اعتقدت هيلز أنّه إن أمكن للبحث العلمي أن يصل إلى تحسين الأبقار فإنه يجب عليه أن يتمكن من تحسين الأطفال، قد بذلت هيلز قصارى جهدها من أجل إنشاء معاهد لدراسة الطفل في جامعة آيوا تتشابه بالشكل للمعاهد الزراعية.
قامت السيدة هيلز ببدأ عملها عام 1906؛ إلّا أنّ محاولتها في إنشاء معهد خاص برعاية الطفل في جامعة آيوا لم تنجح إلّا مع مرور حقبة كاملة جسدت الحرب الكونية الأولى نهايتها، كان للمعهد الذي أنشاته السيدة هيلز 3 وظائف وهي البحث والتعليم وتوفير المعلومات.
قامت الحرب العالمية الأولى على تجسيد اهتمام المسؤولين والأشخاص بمشاكل الأطفال، فلم يرجع الاهتمام المشار إليه إلى الأعداد الضخمة من يتامى تلك الحرب بل إلى بروز حقيقة أساسية ارتبطت بعملية روز المجندين، كما أشارت إلى ارتباط الأمراض النفسية بمشكلات التنشئة السيئة.
إنّ الهوة بين اهتمامات المسؤولين الحكوميين والناس كانت لا تزال عميقة، إذ لم يوازي اهتمام الحكومة بمعاهد الطفل نظيرة لدى الناس، فقد دفعت السيدة روكفلر مبلغ 12 مليون دولار من أجل إقامة معاهد لدراسة الطفل وتحقيق الوظائف المذكورة، كان لا بد لتوسيع تلك المعاهد من إثارة اهتمام أكبر عدد من الآباء المحسنين.
يعتبر الاقتصادي الأمريكي لورانس فرانك أحد الشخصيات الحاسمة التي وسعت معاهد دراسة الأطفال، كذلك إقامتها على أسس علمية سليمة وذلك بسبب اهتمامه بشكل كبير بسعادة الأطفال وسخائه في البذل في هذا المجال، فلقد كرس فرانك حياته لجمع التبرعات لدعم المعاهد الهادفة إلى دراسة نمو الطفل ورعايته، إضافة إلى دفعه لعدد من الباحثين متنوعي المشارب للعمل بصورة جماعية.
يمكن أن نقول أنّ فرانك قام بتأسيس المعاهد وعمّرها بعلماء النفس الذي تعاونوا معه لإنجاز المشروع العلمي الكبير، فقد أدّى دعم الأرصدة المجمعة في مؤسّسة روكفلر إلى توسيع معاهد دراسة الطفل؛ فأنشئ معهد دراسة الطفل في كلية المعلمين في جامعة كولومبيا عام 1924، كذلك معهد رعاية الطفل في جامعة منسوتا عام 1925 ومعهد دراسة الطفل في جامعة بال عام 1928 على يد أرنولد جيزل تلميذ هال الذي بدأ دراسة الطفل منذ 1911.
عملت تلك المعاهد على إقامة حركة وطيدة ومنظمة لدراسة نمو الطفل، تمثلت خاصة في برامج الدراسات العليا التي أخرجت أعداد كبيرة من الدارسين انطلقوا للعمل في الكليات والجامعات كلها، فبرز علم نفس الطفل كعلم منهجي في عام 1930.