قدّم الإسلام بشكل عام مبادئ إرشادية واسعة يمكن استخدامها للتغلب على أي مُعضلة قد تنشأ في الحياة الأسرية، ويطلب الإسلام من المرء أن ينظر فيما إذا كان المبدأ الذي يُطبّقه يحقق الأهداف الأساسية للأسرة أم لا، وتشمل أهداف الأسرة الحفاظ على الدين الإسلامي، والحفاظ على الحياة والنسل البشري، والحفاظ على النسب، والحفاظ على الصحة والعقل، ويسعى الإسلام إلى التوجيه الصحيح ومنع الضرر الذي يمس بالأولوية الأسرية على تحقيق منفعة أو مصلحة لها.
حق الأسرة في الإنجاب في الإسلام
قال تعالى: “يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا* قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا* قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا”، سورة مريم، 7،8،9.
وللأسرة الحق في إنجاب الأبناء كما حثّ الله تعالى في كتابه العزيز على الإنجاب، وسنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم حثّت على الإنجاب والزواج من المرأة الولود الودود؛ لأن في ذلك إبقاء للنسل البشري، قال صلى الله عليه وسلم: “تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلودَ، فإني مُكَاثِرٌ بكم الأنبياءَ يومَ القيامة”، رواه أحمد.
الإنجاب حق يشترك فيه الزوجين في الإسلام، أي أن إنجاب الأطفال حق للزوج والزوجة دون تمييز، وعليه فلا يجوز لأحدهما أن يُنكر للآخر هذا الحق دون عذر مشروع، وإذا حدث إنجاب الأطفال بطريقة طبيعية يكون بموافقة الزوجين وعدم إجبار الآخر على ذلك، ومع ذلك إذا كان الإنجاب طريق التلقيح الاصطناعي؛ فلا يجوز الإنجاب بهذه الطريقة إلا إذا توافرت الشروط الشرعية التي أقرها مجمع الفقه الإسلامي؛ حتى لا تختلط الانساب.
إذا قرر الزوجين إنجاب الأطفال بطريقة التلقيح الاصطناعي، عليه أن يكون وفق القوانين الإسلامية والتأكد من ذلك، ويجب على الزوج أو الزوجة إقناع الطرف الآخر بقبول ذلك إذا لم يوافق هذا الطرف، ولا يجوز الانفراد بقرار الإنجاب لطرف معين؛ فهو حق مشترك بينهما.
لا يجب على الزوج أو الزوجة اللذين لم يرزقا بالأبناء اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى، بل عليهما أن يستمرا في طلب الأبناء والدعاء من الله تعالى من أجل ذلك، فهو قادر على كل شيء، وكل شيء عليه هين، فالله تعالى يرزق من يشاء إناث ويرزق من يشاء الذكور ويجعل من يشاء عقيما ولا يجب على المسلم الاعتراض على مشيئة الله تعالى، فقد رزق الله تعالى النبي إبراهيم بطفل وهو وزوجته كانا كبيرين في السن.
قال تعالى: “وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ، قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ، قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ، قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ”، سورةُ الحِجْرِ، 51 إلى،56.
إن الله تعالى الذي منح سيدنا إبراهيم أطفالًا في مثل هذا العمر مع ظهور علامات الشيخوخة عليه وعلى زوجته، يمكنه بالتأكيد أن يفعل الشيء نفسه مع أي شخص ولا يجب أن يقنط من رحمة الله تعالى، حتى لو بلغ من العمر المشيب.