علم نفس النمو وتطور مرحلة الطفولة

اقرأ في هذا المقال


يُولد الطّفل بعد مرور 9 أشهر من النموّ؛ بحيث يبقى في تلك الأشهر برحم الأم وفي وسط مائيّ يساعده على التمتّع ببيئة مناسبة، بحيث لا يواجه أي صعوبات في النمو إلا في حالات تنتج عن ضعف أو اضطرابات في تغذية الأم أو تعرضها للسموم، مع انتهاء فترة الحمل تبدأ مرحلة الولادة فيخرج الطفل إلى العالم لينمو ويكتشف الكثير من الأشياء، في البداية يكون الطفل أقرب للسكون ثم يبدأ بالحبو و المشي وتتطور عملياته العقلية كلما زاد في العمر، ركز علماء النفس في البداية على الجانب الفسيولوجي لنمو الإنسان.

علم نفس النمو وتطور مرحلة الطفولة:

تكوين ونمو الدماغ:

يبدأ نمو الدماغ في وقت مبكر بشكل ملحوظ خلال فترة ما قبل الولادة ويتضمن عمليات ومراحل متعددة، خلال النصف الثاني من الشهر الأول من الحمل يبدأ الدماغ في التكون من لوحة عصبية من خلال عملية تسمى الحث العصبي، ثم تتحول الصفيحة العصبية لشكل أنبوب من خلال عملية تسمى العصيبة، يتطور أحد طرفي الأنبوب العصبي إلى الدماغ والآخر يصبح النخاع الشوكي، تؤدي المشاكل في تطور الأنبوب العصبي إلى تشوهات تشريحية في الدماغ أو النخاع الشوكي.
بمجرد إنشاء هذا الهيكل الأساسي للدماغ فإنّ المرحلة التالية من التطور هي إنتاج الخلايا العصبية؛ أي الخلايا التي تنقل المعلومات، يضم الدماغ مليارات الخلايا العصبية وتبدأ عملية التكاثر في الأنبوب العصبي بعد مرور خمسة أسابيع من الحمل، يصل إلى ذروته في ثلاثة إلى أربعة أشهر من الحمل، يكتمل إلى حد كبير بنهاية الثلث الثاني من الحمل، في الذروة تشير التقديرات إلى أنّه يتم إنشاء عدة مئات الآلاف من الخلايا الجديدة كل دقيقة.
حيث تتحول الخلايا الجديدة من خلايا غير ملتزمة إلى خلايا عصبية متمايزة عندما تنتقل إلى الموقع الأخير في مناطق معينة من الدماغ، ثمّ تبدأ عملية الهجرة هذه في ستة أسابيع من الحمل وتستمر خلال أربعة إلى خمسة أشهر بعد الولادة، بمجرد انتقال الخلية العصبية إلى موقعها النهائي تتمايز الخلية وتتطور، تتكون كل خلية عصبية من جسم الخلية ونهايتين المحاور والتشعبات، تتمثل الوظيفة الأساسية للخلايا العصبية في معالجة المعلومات وتوصيلها، كما ترسل المحاور المعلومات، بينما تلتقط التشعبات المعلومات من الخلايا الأخرى.
إن تكاثر الخلايا العصبية وهجرتها يحدث في المقام الأول خلال فترة ما قبل الولادة؛ فإنّ إنتاج ونمو المحاور والتشعبات يبدأ في الأسبوع الخامس عشر من الحمل ويستمر بعد الولادة، تستمر التشعبات في بعض مناطق الدماغ في التطور طوال العامين الأولين بعد الولادة، بالرغم من النمو الهائل والتمايز السريع؛ يتم القضاء على الخلايا العصبية كذلك من خلال عملية الاستماتة الطبيعية (أي موت الخلايا المبرمج).
آخر عملية لتطور الدماغ هي عملية تكوّن النخاع، إنّ المايلين مادة دهنية تحيط بالمحاور وتعزلها لزيادة السرعة والكفاءة في إرسال الإشارات، يظهر لأول مرة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من فترة ما قبل الولادة في بعض مناطق الدماغ، تستمر هذه العملية حتى سن الرشد أو منتصف العمر.

ليونة الدماغ:

في غضون سبعة أشهر تتحول مجموعة صغيرة من الخلايا إلى شكل كامل من الدماغ البالغ مع ست طبقات من القشرة، كان الاعتقاد القديم هو أن نمو الدماغ يعتمد على عملية وراثية محددة مسبقاً تتكشف وفقاً لتسلسل وتوقيت ثابت، تشير البيانات الجديدة إلى أنه حتى المراحل الأولى من تكوين الدماغ لا تتحدد بالعوامل الوراثية وحدها؛ حيث تلعب العوامل البيئية دور مهم في العملية، بعد فترة من تشكيل الهياكل التشريحية وإجراء الاتصالات، يبدأ الدماغ في التفاعل مع نفسه ومع البيئة؛ يشار إلى قدرة الدماغ باللدونة.
بشكل عام خلال فترة ما قبل الولادة يتغير الاتصال العصبي من خلال النشاط التلقائي الداخلي؛ بعد الولادة هناك تحول في تأثير المدخلات البيئية الخارجية، يمكن أن ينتج عن المرض والاضطرابات الأيضية وسوء التغذية والصدمات تغيرات غير قادرة على التكيف في الدماغ، بينما يمكن أن تؤدي الممارسة والتعلم إلى تغييرات وظيفية تكيفية في الدماغ، علاوة على ذلك يمكن أن تؤثر التغييرات في نظام عصبي واحد على تنظيم نظام آخر في الدماغ، على سبيل المثال يمكن تنشيط مناطق القشرة البصرية عند الأشخاص الذين يولدون مكفوفين عن طريق قراءة برايل.
بالرّغم من أن العديد من الشبكات العصبية لديها نمط اتصال مفضل، فإن هذا الاتصال غير ثابت لأنّ التجربة يمكن أن تغير النمط الفطري؛ استجابةً للتعرض لتجارب معينة، قد تعمل التغييرات الناتجة في الدماغ على الحفاظ على النمط الأولي للاتصال أو إعادة تنظيمه أو حتى فقده، كما يمكن للدماغ المعاد تنظيمه حديثاً ويعمل كأساس لتسهيل تأثير التجربة اللاحقة، التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التغييرات العصبية. يشار إلى هذه التأثيرات على أنّها تأثيرات متتالية.

تطوير الدماغ الوظيفي:

اعتقد الباحثون أنّ ظهور التغييرات في الوظائف الحسية والحركية والإدراكية واللغة هي نتيجة لنضج مناطق أو مسارات معينة في الدماغ، تشير الأبحاث الحديثة إلى أنّ نمو الدماغ بعد الولادة وخاصة داخل القشرة الدماغية، من المحتمل أن يكون نتيجة للتفاعلات بين المناطق والمسارات القشرية المختلفة عند تجنيده لمهام محددة، من خلال التفاعلات المتكررة تصبح وظائف المناطق المختلفة متخصّصة بشكل متزايد.

الخبرة المرئية والسمعية:

من خلال الاعتماد على المقاييس غير اللفظية تم اكتشاف الكثير عن التجربة الإدراكية للمواليد الجدد والرضع، تراوحت المنهجيات الحكيمة من البسيط إلى المعقد، بالاستفادة من التفضيل الطبيعي للرضع للحداثة بعد التعود على منبه سابق، فإنّ الاستراتيجية المستخدمة على نطاق واسع للإعاقة تنقل أنّ الرضع يميزون المنبهات، من القيود المحتملة للإعاقة التعارض بين الحداثة والجاذبية النسبية لحافز المتابعة؛ على سبيل المثال وجه سعيد متبوع بوجه حزين، على النقيض من ذلك فإن النهج القائمة على الاستجابة أو التفضيلات التفاضلية تدرس كيفية تصرف الأطفال تجاه المنبهات المتنافسة.
تشير النتائج إلى أنّ الرضع لا يميزون فحسب، بل يفضلون كذلك بعض التجارب على أخرى ومع ذلك إذا لم تظهر اختلافات صريحة، فقد يُفترض خطأً عدم التمييز من خلال فحص التغييرات الطفيفة في علم وظائف الأعضاء؛ مثل الأنماط المتناقضة لنشاط الدماغ الكهربائي تتجنب بعض الأبحاث هذا القلق.

الرؤية:

الإدراك البصري ليس مثل البالغين عند الولادة؛ فهو يخضع لتغييرات ملحوظة خلال الأشهر الأولى من الحياة، رؤية حديثي الولادة لها قيود بسبب عدم نضج بنيوي في الدماغ ونتيجة لذلك، فإنّ حدة البصر الأولية ضعيفة بشكل لافت للنظر ولكنّها تقترب من مستويات البالغين من ستة إلى ثمانية أشهر، يعاني الأطفال حديثي الولادة كذلك من صعوبة في تمييز بعض الألوان؛ مع ذلك لديهم رؤية ملونة وبمرور شهرين إلى ثلاثة أشهر، يميز الأطفال مجموعة واسعة من الألوان.
يمكن للأطفال حديثي الولادة تتبع الأجسام المتحركة ببطء، لكنهم لا يقدرون الفضاء ثلاثي الأبعاد كما يفعل الكبار، مع ذلك ظهر بعض إدراك العمق في الأسابيع الأولى ويبدو أنّه مستخلص من الإشارات الحركية، تظهر الحساسية لمؤشرات عمق المجهر لمدّة ثلاثة إلى خمسة أشهر متبوعة باستخدام الإشارات التصويرية وأحادية العين لمدّة سبعة أشهر، بسبب القيود المتعلقة بالحدة واللون؛ يصعب على الأطفال حديثي الولادة اكتشاف العديد من الأنماط والأشكال ما لم تكن المنبهات قريبة جداً وتوفر تباين عالي، التي لا تضيع بسبب التفاصيل الدقيقة.
قد تساهم الحساسية تجاه التباين والتعقيد المعتدل في تفضيل الأطفال حديثي الولادة للوجوه؛ مع ذلك تشير الأبحاث الحديثة إلى أنّه مرتبط بالتحيز للتكوينات ذات العناصر الثقيلة في النصف العلوي، في البداية يكون الفحص المقيد لحديثي الولادة في المقام الأول على الخطوط الخارجية، لكن بحلول شهرين يركزون على التفاصيل الداخلية، بالتالي سرعان ما يفضلون الوجوه العادية على الوجوه المشوشة، يؤدي التغيير في المسح الضوئي إلى حدوث تحول في الإشارات البؤرية، ممّا يعزز التمييز وتفضيل وجه الأمهات مع تحسن الحدة والمسح الضوئي.

السمع:

إنّ التطور السمعي متطور إلى حد ما بالولادة بالرغم من أنّ الأطفال حديثي الولادة يبدون أقل حساسية للأصوات الناعمة من البالغين، فإن القدرات الأخرى مثيرة للإعجاب، حيث يمكنهم تحديد موقع الصوت والتمييز بسهولة بين الخصائص، مثل التردد ودرجة الصوت والجهارة، يستجيب الأطفال بشكل خاص للموسيقى وهم حساسون للسمات المتنافرة واللحن والإيقاع والإيقاع وما إلى ذلك، كما أنّهم يهتمون بشدة بصوت الإنسان وتفضيلات العرض عند الولادة ، بناءً على التعرض وصوت أمهاتهم ولغتهم الأم وحتى لمقاطع الكتب المألوفة.
يُظهر الأطفال الصغار كذلك قدرات تمييزية ملحوظة لمجموعة من الصفات في الكلام البشري، فقدرتهم على تمييز الأصوات في أي لغة أفضل في البداية من قدرة البالغين، يبدو أنّ مهارات إدراك الكلام هذه تجعل الأطفال حديثي الولادة يتعلمون أي لغة يحتاجونها، مع ذلك في حوالي 8 أشهر يبدأ الأطفال في التخصص في اكتشاف أصوات لغة ثقافتهم، أمّا بحلول 12 شهر يتمتعون بقدرات مشابهة لتلك التي لدى البالغين من حولهم.


شارك المقالة: