يمكن تعريف علم النفس التنموي بأنّه أحد الدراسات التي تختص بتطور البشر ونموهم أثناء مراحل نمو الحياة؛ ذلك من الولادة وصولاً مرحلة الشيخوخة، يسمّى كذلك بعلم نفس النمو الذي يركّز على دراسة مراحل النمو قبل الميلاد وبعده والتي يمر بها الفرد في الحياة وسمات كل مرحلة جسمياً وانفعالياً.
علم النفس التنموي المعياري:
حتى الأربعينيات من القرن الماضي كان علم النفس التنموي وصفي ومعياري، حيث قامت أرنولد جيزيل بالاهتمام في تعزيز هذا النهج بالرّغم من أنّ معلمه هو ستانلي هول، الذي حاول تطوير بيانات معيارية عن الأطفال؛ كان عمل جيزيل هو الذي أثبت قيمته الدائمة، جمع جيزيل بيانات ضخمة عن الرضع والأطفال ولا سيما عن نموهم البدني والحركي، قام بتنظيم المعلومات لجعلها مفيدة ومتاحة للآباء، كان تأثير عمله هو تشجيع الآباء على الاسترخاء والثقة بشكل أكبر في الطبيعة.
في تقليد روسو كان الانكشاف الطبيعي للطفل أكثر أهمية من أي تدخل من جانب الوالدين أو المعلمين، هكذا أصبح المتحدث باسم النضج؛ فلا يزال العديد من معايير جيزيل التنموية قيد الاستخدام حتى اليوم، كانت هناك العديد من المحاولات المبكرة لتطوير مقاييس الذكاء من قبل فرانسيس جالتون بين عامي 1822 و1911، لكنّها أثبتت عدم جدواها؛ مع ذلك حاول ألفريد بينيه في باريس اتباع نهج جديد وكانت الاختبارات ناجحة على الفور تقريباً، ثم نشر المقاييس في عام 1905 و1908، فكل مقياس أكثر تطور من الماضي.
قام هنري كودارد عام 1866 وحتى عام 1957) وهو طالب أمريكي سابق لستانلي هول، بإحضار نسخة من مقياس بينيه إلى الولايات المتحدة بعد تجربته على عدد من الأطفال، فقد كانوا عاديين ومعاقين؛ أعلن أنّ الإجراء ناجح وبدأ فوراً بإرسال نسخ من نسخته المترجمة في جميع أنحاء البلاد، طور طالب سابق آخر لستانلي هول، وهي لويس إم؛ التي قامت بمقارنة جميع مقاييس الذكاء، بدأ تيرمان كذلك أول دراسة طولية للتطور بدءاً من عام 1921؛ فلا تزال عينته التي تم اختيارها لتكون موهوبة في الذكاء، تُتبع حتى اليوم؛ فقد تضمنت الدراسات الطولية اللاحقة دراسة هارفارد للنمو ودراسة بيركلي للنمو ودراسة معهد فيلس للتنمية البشرية.
بالرّغم من وفاة فيجوتسكي لأكثر من ستة عقود، يُشار إليه في بعض الأحيان على أنّه أهم مُناصر تنموي معاصر، كما أنّ أفكاره مناسبة بشكل خاص للإطار النظري السياقي الذي أصبح شائع في السنوات الأخيرة، وُلد فيجوتسكي ونشأ في روسيا وكان يؤمن بأهمية السياق الاجتماعي والتاريخي للتنمية، في الوقت نفسه كان لديه تقدير للسمات الداخلية للتنمية، هذه القدرة على تعزيز هذين الموقفين المتنوعين قادت البعض إلى رؤية عمله على أنّه يشكل الأساس لنظرية تكاملية للتنمية.
بالرّغم من أنّه في الغالب ما يقارن فيجوتسكي بجان بياجيه، فقد اختلف فيجوتسكي عنه في نواحي جوهرية؛ على سبيل المثال ركز ليف على دور الوالد والمعلم في التطور المعرفي، كما أكد على وظيفة الكلام وخصوصاً كعامل مساعد في نمو الطفل، تم العثور على بنية تصف قدرة الأطفال على أداء يتجاوز مستواهم الحالي، مفيدة بشكل خاص للمعلمين.
علم النفس التنموي مدى الحياة:
في البداية ركز علم النفس التنموي على الطفل والمراهق، مع ذلك كانت هناك بعض المحاولات المبكرة للتحقق في مدى الحياة بالكامل، في عام 1777 نشر العالم الفيلسوف الألماني يوهان تيتنز كتاب تناول العديد من القضايا المتعلقة بمدى الحياة والتي لا تزال موضع قلق حتى اليو، كان لدى فريدريش كاروسوجهة نظر عن التنمية مشابهة لتلك الخاصة بتيتنز، حيث كتب أنّ الشيخوخة لا تتعلق فقط بالخسارة والانحدار، لكنها كانت مناسبة للنمو والكمال، ربما كان أول من جمع البيانات حول المتغيرات الجسدية والنفسية عبر مدى الحياة.
أنشأ فرانسيس غالتون مختبر لقياس الأنثروبومترية في لندن عام 1884، حيث جمع قياسات أكثر من 9000 شخص، تم تجاهل عمل هؤلاء الرواد في التنمية مدى الحياة إلى حد كبير، لم يكن حتى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي مع نشر العديد من الكتب المدرسية عن التنمية، إن مناهج مدى الحياة أصبحت بارزة مرة أخرى، حيث كان هناك اهتمام إضافي بفترات النمو اللاحقة عندما بدأت العديد من الدراسات الطولية في الظهور.
علم نفس النمو ونظرية التعلم:
أطلق جون واتسون بين عامي 1878 و1958 أبو السلوكية حركة اختلفت في نواحي مهمة عن علم النفس التنموي الكلاسيكي، أصبح التعلم القضية المركزية للدراسة وأصبح النموذج المعتمد، في تجربته الشهيرة ألبرت الصغير عام 1920، حاول واتسون إظهار كيف يمكن فهم التطور العاطفي للطفل من حيث التعلم، في وقت لاحق ماري كوفر جونز بتوجيه من واتسون، فأجرى دراسة لطفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات لإثبات كيف يمكن القضاء على المخاوف غير المرغوب فيها، بذلك بدأ مجال تعديل السلوك.
بعد أن خرج واتسون من علم النفس الأكاديمي واصل الكتابة عن نمو الطفل، فأصبح عمله شائع بين الآباء وكان له دور فعال في تعزيز الأساس العلمي لرعاية الأطفال، في النهاية تم استبداله كقائد لحركة رعاية الطفل من قبل متخصصين أقل صرامة وأكثر توجهاً نحو الأطفال؛ مثل بنجامين سبوك، كانت التأثيرات لا تزال محسوسة من خارج نظرية التعلم، كما كان كورت لوين على سبيل المثال مهتم بالتحفيز والصراع أكثر من اهتمامه بالتعلم، حيث أجرى بعض الدراسات الميدانية جيدة التصميم والتي كان لها تأثير عملي على تغيير علم النفس التنموي.
كان تركيز البحث النفسي في هذا الوقت على التعلم بالرّغم من أنّ بعضاً منه انحرف عن تفكير واتسون، تضمن أحد الاختلافات البحث الذي أجرته مجموعة في جامعة ييل تحت القيادة الفكرية لكلارك هال، بدأت هذه المجموعة برنامج بحثي حاول الجمع بين نظرية التعلم ونظرية التحليل النفسي، فقام أحد أعضاء المجموعة بتطبيق مبادئ التعلم لفهم التنشئة الاجتماعية للأطفال، نتج عن عمله مع آخرين كتاب أنماط تربية الأطفال، فهو تقييم يُستشهد به كثيراً لممارسات تربية الأطفال ونتائجها.
في حين أنّ المجموعة لم تنجح في النهاية في توحيد نظرية التعلم والتحليل النفسي، فقد نجحوا في نقل علم النفس التنموي بعيدًا عن علم وصفي إلى علم قابل للاختبار تجريبياً، بحلول الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في أمريكا سيطرت مناهج نظرية التعلم على علم النفس التنموي، كان من أبرز منظري التعلم “سكنر”؛ فهو عالم سلوكي صارم وشدد على دور التعلم الفعال، أجرى هو وأتباعه العديد من التجارب التي توضح دور التعزيز في التنمية اليومية، أدى عمل سكينر إلى استخدام واسع النطاق لتقنيات تعديل السلوك، خصوصاً بين الأطفال المصابين بالتوحد والمعاقين في النمو.
ركز ألبرت باندورا عام 1925 وهو السلوكي المعاصر المؤثر للغاية على التعلم الاجتماعي أكثر من سكينر، فقد شدد على أهمية النمذجة وأجرى العديد من التجارب التي توضح كيفية حدوث التنشئة الاجتماعية، بما في ذلك تطوير العدوان والإيثار وأدوار الجنس، في الآونة الأخيرة ركز على قضايا علم نفس الصحة.