تمّ تطبيق الاهتمامات النفسية التقليدية المتعلقة بالتوحيد في الماضي على التقييمات النفسية للأطفال الصغار، كما تمّ إجراء الاختبارات النفسية الفردية أو الجماعية في ظل ظروف خاضعة للرقابة في بيئات عالية التنظيم، كانت متشابهة مع بعضها البعض قدر الإمكان، لكن عدم الرضا بين العديد من المتخصصين في مرحلة الطفولة المبكرة فيما يتعلق بالنموذج التقليدي للتقييم المعياري، قد أدى في السنوات الأخيرة إلى تحول في التركيز نحو إجراء التقييمات في بيئات مريحة ومألوفة وغير مهددة ومثيرة للاهتمام للطفل.
قضايا في التقييم المعياري للأطفال الصغار:
العديد من الأسباب التي يمكن تقديمها لدعم هذا النهج لبيئات التقييم، من بينها الدافع لتصميم التقييمات التي تتمتع بصلاحية بيئية أكبر، يمكن أن تتعلق أيضاً بتقييم الأطفال الأكبر سناً والبالغين، لكن هناك أيضاً خصائص تنموية وثقافية للأطفال الصغار يمكن الاهتمام بها بشكل أكثر فعالية في ظروف أكثر مرونة مما هو ممكن في معظم بيئات الاختبار المعيارية، على سبيل المثال أكثر صعوبة مع الأطفال الصغار جداً لمجرد خبرتهم المحدودة للغاية، العرق والجنس والثقافة حتى الحجم، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على قدرة الطفل على التركيز والحضور.
من المرجح أن يكون الدافع وحالة الاستثارة والتصرف لدى الطفل الصغير أكثر تنوع مما هو الحال بالنسبة للمتقدمين الأكبر سنّاً للاختبار، الذين لديهم قدرات تنظيم ذاتي أكثر تطور، الأطفال الصغار بحكم تعريفهم أقل دراية بالمفهوم الكامل والمواد المستخدمة للتقييم، لذلك فإنّ خلق بيئة أكثر مرونة واستجابة تعزز الراحة الجسدية والعاطفية للطفل، من المرجح أن ينتج صورة أكثر دقة عن معرفة الطفل أو المهارات أو الإنجازات أو الشخصية.
الاعتبارات التنموية:
الأطفال الصغار لديهم بدرجات متفاوتة، قيود نمو على عدّة أبعاد مهمة وغالباً ما تكون غير معترف بها ويمكن أن تؤثر على التقييم، لقد تمّت الإشارة إلى الحالة الوليدة للقدرة على التركيز والاهتمام لدى الأطفال في الأعمار المعنية، بالمثل فإنّ القدرة على أن تكون هادفة ومتعمدة، على الرغم من أنّها تمر بتطور سريع، هي بالتأكيد أقل من التكوين الكامل، لذلك في مواقف التقييم غالباً ما يواجه الأطفال الصغار صعوبة في حضور التعليمات الشفهية أو القرائن الظرفية أو الإرشادات والمحفزات الأخرى.
قد يجدون صعوبة في فهم خصائص الطلب لحالة القياس، قد لا يتمكنون من التحكم في سلوكهم بشكل كافي لتلبية هذه المطالب، من الواضح أنّ هناك أيضاً آثار لتقييم الحالة الناشئة للقدرات اللفظية للأطفال الصغار، اعتماداً على قدرة الطفل الوظيفية على استخدام الأفكار ونقل الأفكار والمشاعر، على سبيل المثال قد يحتاج الفاحصون إلى تقديم استنتاجات بناءً على السلوكيات الحركية العلنية للطفل أو تقرير الوالدين بدلاً من الاستجابة المباشرة.
أساليب الرصد والتقييم والمقابلات تتناسب مع هذا الوضع، على الرّغم من أنّ الاختبارات النفسية أو التقييمات التي تتطلب من الفاحصين استخلاص ردود يمكن أن تكون مفيدة، على سبيل المثال لتقييم فهم الطفل للمفاهيم الأساسية حول اللغة المكتوبة، يتم تقديم وجهة نظر مختلفة عندما يضع التقييم الطفل مبادئ، قد تكون اللغة المكتسبة على وجه الخصوص مختلفة نوعياً عن اللغة المستخدمة وظيفياً في سياقات الحياة اليومية.
الاعتبارات الثقافية:
بمعنى مهم يمكن النظر إلى التعليم باعتباره الرحلة من ثقافة الولادة إلى ثقافة المدرسة إلى ثقافة المجتمع الأكبر، ينطوي التعليم حتماً على التنشئة الاجتماعية الإدراكية، أي تعلّم ذخيرة المهارات المعرفية المطلوبة للعمل الناجح في الثقافة السائدة، إنّ المجتمع الصناعي الحديث المتقدم تقنياً، سوف يمتلك ذخيرة من المهارات المعرفية المناسبة للثقافة التكنولوجية المتقدمة، الذكاء التكنولوجي مناسب وشرط أساسي للعمل بكفاءة في تلك الثقافة.
في مجتمع غير متجانس إلى حد كبير مثل مجتمعنا، تكون مراكز رعاية الأطفال ودور الحضانة في وضع يمكنها من لعب دور مهم للغاية، لكن هذا يتطلب من الفاحصين أن يكونوا حساسين لتأثيرات الثقافة في كل من اختيار الاستراتيجيات التربوية واستخدام التقييمات وتفسيرها، هناك عدد من المزالق الواضحة التي يدركها الفاحصون جيداً، على سبيل المثال استخدام تقييمات اللغة التي تعتمد على التفاعلات اللفظية مع الأطفال الذين يكبرون محاطين بلغة منزلية مختلفة.
لكنّ التقييم الصحيح يتطلب أن تكون مدرك لعوامل أكثر دقة أيضاً، على سبيل المثال هناك اختلافات ثقافية كبيرة في طرق تواصل البالغين والأطفال، أظهرت الأبحاث الإثنوغرافية اختلافات مذهلة في كيفية تفاعل البالغين والأطفال شفهياً، العديد من الثقافات الفرعية لا تزرع دور مانح المعلومات الذي يميز أطفال الطبقة الوسطى، من المتوقع أن يتعلم الصغار من خلال مراقبة البالغين بهدوء، في بعض المجتمعات نادراً ما يكون الأطفال شركاء محادثة مباشرة مع البالغين، يتنصت الأطفال على البالغين، بينما يتولى الأطفال الأكبر سناً مهمة تعليم المهارات الاجتماعية والفكرية بشكل مباشر.
أحد أكبر المخاطر في تقييم الأطفال الصغار، هو ربط الحالة التنموية بمعايير ثقافة الطبقة الوسطى المهيمنة، سيؤدي ذلك إلى سوء فهم قدرات الأطفال الوظيفية وإساءة تقدير الاستراتيجيات التربوية، للاعتماد مرّة أخرى على دراسات هيث الإثنوغرافية، تبدأ الأمهات البيض من الطبقة المتوسطة في طرح الأسئلة منذ الطفولة المبكرة، من المرجح أن يشعر الأطفال الذين يتعرضون لطقوس الإجابات المعروفة هذه بالراحة أكثر من غيرهم في حوارات الأسئلة والأجوبة التي تتم مواجهتها عادةً في رياض الأطفال والمدرسة.
تقييم الكفاءات في الأطفال الصغار:
تظهر الأبحاث حول الإدراك أنّ معرفة الأطفال الصغار أكثر تعقيد مما كان متوقع، نحن بعيدون عن أن نكون قادرين على دمج المعرفة لتطوير الكفاءة ومنهجية التقييم والممارسة، في الوقت الحالي تحاول لجنة المجلس القومي للبحوث المعنية بأسس التقييم، برئاسة روبرت جلاسر وجيمس بيليجرينو وإعادة التفكير في أساليب التقييم وإثرائها في ضوء التطورات في علم الإدراك البشري والتنمية والتعلم، إنّ الأهداف التي يتبنونها لعلم جديد للتقييم هي زيادة كفاءة الطلاب إلى الحد الأقصى.
كذلك جعل عمليات التفكير لدى الطلاب أكثر شفافية، مع إنشاء نظام يتم فيه دمج المناهج والتعليمات والتقييم بطريقة تدعم بعضها البعض، نظراً لأنّ علماء التعلم وخبراء القياس والممارسين ينشئون تدريجياً علم جديد وممارسة جديدة للتقييم، هناك العديد من طرق التقييم المفيدة التي يمكن استخدامها للمساعدة في الحفر تحت سطح السلوك العلني، للوصول إلى عمليات التفكير.
المقابلة السريرية:
طوّر جان بياجيه أسلوب المقابلة السريرية وهو أسلوب أكثر إفادة وصعوبة لتقييم تفكير الأطفال، بينما يتم استخدام هذه التقنية بشكل شائع من قبل المعالجين المدربين، لتقييم الأطفال الذين يعانون من مشاكل في التعلم وإعاقات أخرى، فإنّ المقابلة السريرية تفسح المجال أيضاً لاستخدام المعلم عندما لا تكون المعرفة التي تريد اكتسابها عن الطفل واضحة في أدائه، الهدف من المقابلة السريرية هو تحديد عمليات التفكير الأساسية للطفل.
يكمن جوهرها في طبيعتها المرنة والمتجاوبة والمفتوحة، في المقابلة السريرية يطلب القائم بإجراء المقابلة من الطفل التفكير في عمليات التفكير والتعبير عنها، على الرغم من أنّ القائم بإجراء المقابلة كان متاح في البداية العديد من المهام التي من المحتمل أن تكون مناسبة للموضوع المطروح، إلّا أنّ الأسئلة الأولية عامة تماماً عن قصد، ممّا يسمح باستجابة الطفل للتأثير على اتجاه ومحتوى المقابلة، المقابلة هي نشاط مرتبط بالنظرية إلى حد كبير ويستخدم أسئلة غير محددة، لتشجيع اللفظ الغني وتجنب تحيز الاستجابة.
مع تطور المقابلة يتم تحديد المهام والأسئلة جزئياً من خلال ردود الطفل، تتنوع المهام وتعديلها وتصبح أكثر تحديد من أجل التركيز على جوانب معينة من التفكير وأصعب من أجل اختبار حدود الفهم، في المقابلة السريرية يعتمد سلوك الفاحص إلى حد ما على الطفل في الاختبار الموحد، يعتمد سلوك الطفل دائماً على أسئلة الفاحص، تسمح المقابلة السريرية للمحاور بصياغة اختبار ومراجعة الفرضيات حول تفكير الطفل، تجمع المقابلة بين عدّة طرق وهي الملاحظة والاختبار والتجريب والتفكير بصوت عالٍ.
تستغرق المقابلة وقت طويل وتتطلب وقت طويل، حيث تتطلب 20 دقيقة إلى ساعة من الجهد المركز، يجب أن يتحكم القائم بإجراء المقابلة الجيد بالمحتوى ذي الصلة الذي يتم تقييمه، كما يجب أن يكون على دراية بالتفكير النموذجي، أي السلوك المعياري على مستوى الطفل، نظراً لأنّها تقنية تفاعلية للغاية، يجب أن يكون القائم بإجراء المقابلة قادراً على تكوين فرضيات مفيدة تتعلق بتفكير الطفل على الفور، كما يجب أن يكون لديه القدرة على ابتكار طرق لاختبار هذه الفرضيات أثناء تقدم المقابلة.
بالنسبة لفئة واحدة من الأطفال أي الأطفال ذوي الإعاقة، تعتبر المقابلة السريرية نهج مهم للغاية للتقييم، سيحتاج عادةً إلى إشراك معالج مُدرب يعمل مع المعلمين، يعاني معظم الأطفال ذوي الإعاقة من مشاكل في أكثر من منطقة واحدة، ممّا يجعل من السهل جداً وضع افتراضات غير صحيحة حول قدرات الطفل، يعاني العديد من الأطفال المصابين بقصور في الإدراك، على سبيل المثال من مشاكل في المعالجة الحسية والتخطيط الحركي، من الضروري فهم السمات الفريدة للطفل ذي الاحتياجات الخاصة ومراقبة كيفية تفاعل هذا الطفل مع الأسرة والفاحصين ومقدمي الرعاية.