يعتبر علم نفس النمو أحد المجالات الواسعة والمتنوعة من علم النفس، يقوم بعض علماء نفس النمو بالقيام بأبحاث حول الحمل وأنفاس الحياة المبكرة ونضج الرضع، كما يركز العديد الآخر على الأطفال ونموهم وتراكم المهارات المعرفية والاجتماعية وإيقاظ الاستقلال، إنّ تنمية المراهقين لها نفس الأهمية من ناحية جاذبية التبعية والبحث عن الإنجاز وتأثيرات الأقران والمدارس، يتعلّق علم نفس النمو بالانطلاق إلى مرحلة البلوغ وبدء العلاقات الناضجة ورعايتها، أيضاً نشر العائلات ومتابعة التخصصات والمهن.
إنّ علم النفس التنموي أو علم نفس النمو يدور حول مجموع كل ما سبق وأكثر من ذلك، في الواقع يتعلق الأمر بالتغييرات المعيارية التي تحدث خلال هذه المراحل من الحياة، لكنه يتعلق كذلك بالاختلافات والتغيرات في حياة الأفراد من النواحي البيولوجية والثقافية التي تسبب تطورات فريدة، مع ذلك نظراً لاتساع المجال فإنّ الأعمال المنشورة في علم النفس التنموي أكثر انتقائية بشأن القضايا والنظريات والأساليب التي يحضرون إليها، لهذا السبب تمّ تقديم تعريف بسيطً وملائم على نطاق واسع لعلم النفس التنموي، بعد التعريف يتم تقديم تحليل موجز لبعض المفاهيم الأساسية في علم النفس التنموي.
تعريف علم نفس النمو:
إنّ تعريف علم نفس النمو المعتمد هو دراسة ظواهر الفرد النفسية التي تتغير في أي مرحلة من مراحل الحياة، مع ذلك فإن هذا التسليم الذي يبدو غير مثير للجدل يحتوي على العديد من مصطلحات تتطلب التفصيل، تجدر الإشارة إلى أنّ جميع المصطلحات الأساسية للتعريف مثل التطور والدراسة والظواهر النفسية والتغيير، يمكن تفسيرها بشكل مختلف وحتى مناقشتها من قبل علماء علم نفس النمو البارزين.
حسب ذلك يمكن وصف مجال علم النفس التنموي بأنه يحتوي على مجموعات شرعية متعددة من علم النفس التنموي، بالرغم من أن هذه المجموعات تشترك في بعض الافتراضات والاهتمامات والموضوعات المشتركة، إلّا أنّها تختلف بشكل كبير في بعض الأحيان عن بعضها البعض في هذه الجوانب وغيرها.
المفاهيم الأساسية لعلم النفس التنموي:
التنمية:
تتجسد حقيقة أنّ هناك قواسم مشتركة في علم النفس التنموي في مصطلحات التنمية والتغيير، أيّد معظم المنظرين والمقاربات المعاصرة منظور تنموي أساسي أو الفكرة القائلة فهم اللحظة النفسية الحالية؛ أي السلوك والإيمان والمعرفة والأداء والظاهرة، يتطلب الانتباه إلى الظروف والعمليات التي أدت إلى ذلك، إن الموافقة على أنّ علم النفس التنموي يوجه صعوبات في التركيز على مصادر ومسارات الظواهر النفسية، مع أنّ هناك اتفاقً على ما إذا كانت جميع التغييرات تشكل تغير تطوري.
يدل مفهوم التنمية على المعايير (إن وجدت) من أجل التمييز بين التغيير والتطوير، يختلف هذا المفهوم باختلاف مناهج علم نفس النمو، مثلاً يوجد خلاف حول ما إذا كانت التغييرات التنموية يمكن أو ينبغي أن تكون عالمية؛ أي تحدث لجميع الأفراد ولا رجعة فيها (أي ليست قابلة للعكس بشكل طبيعي أو حتى محصنة ضد التدخل)، كذلك نوعية (أي تشبه المرحلة بدلاً من الخطوة الشبيهة وتدريجياً) أو هدف موجه مرتبط أو غير مرتبط بحالة نهائية محتملة.
البحوث التنموية:
تشير دراسة التطور النفسي إلى ممارسات وتقاليد البحث العلمي، هناك مجموعة واسعة من المواقف حول كيفية دراسة التطور النفسي أو ينبغي دراستها بوضوح، تشمل الأساليب المستخدمة في التحقيقات التنموية كل تلك المتاحة في العلوم البيولوجية والنفسية والاجتماعية؛ السبب في ذلك هو أن الظواهر التي تم التحقيق فيها في الدراسات التنموية تشمل النطاق الكامل للعمليات أو العروض التي يستهدفها علماء النفس الآخرون، لكن التأثيرات التفاعلية تشمل العوامل البيولوجية والتاريخية الاجتماعية.
يمكن تكييف طرق التحقيق في التغيير التنموي من مجموعة متنوعة من الأساليب لتحقيق اللقطات وملامح الأداء البشري، من الجدير بالذكر أنّ علماء علم نفس النمو الذين يتابعون البحث تحت رعاية النماذج أو النظريات المتناقضة، قد يتبنون مناهج متباينة لجمع وتحليل وتفسير البيانات التنمويةـ، تشمل الأساليب المتاحة للبحث التنموي الفئات الكبيرة من الإجراءات التجريبية وشبه التجريبية، كذلك دراسات الفروق الفردية والملف الشخصي والتقنيات النوعية.
قد تحتوي كل فئة من هذه الفئات على معلومات يتم الحصول عليها من الاختبارات الموحدة والمهام التجريبية والمقايسات والاستبيانات والاستطلاعات والمقابلات والتفسيرات النصية، إضافة إلى ذلك تتوفر الإجراءات لاستيعاب مجموعة متنوعة من النوايا، بما في ذلك التركيز على الوصف (ما الذي يتغير أو لمن؟) والتفسير (لماذا يتغير أو ما الذي يسبب التغيير؟)، مع ذلك وبغض النظر عن سؤال أو إجراء البحث، فإنّ جميع طرق التطوير لها اهتمام بالغ الأهمية، على وجه التحديد في البحث التنموي يتم تقدير العمر الزمني أو وقت النمو.
عادةً ما يتم تنفيذ بعض الاختلافات في التصميمات المقطعية التي تعني مقارنة الفئات العمرية المختلفة في وقت واحد، أو التصميمات الطولية التي تعني فحص التغييرات في مجموعة واحدة أو أكثر عبر الزمن، مهما كانت افتراضات المرء حول مفهوم التنمية، فإن توليد استنتاجات حول التغيير التنموي يتطلب الانتباه إلى أكثر من شريحة واحدة من عمر الإنسان، بالتالي فإنّ أساس التنوع المنهجي هو الهدف الإنمائي المشترك للتقييم، قد تكون مجموعة الأساليب ضرورية لفهم الظواهر المعقدة للأفراد الذين يتطورون نفسياً في سياقات العمليات البيولوجية والتأثيرات الاجتماعية والبيئية.
الظواهر النفسية والتغيير:
تسمح النظرة الأكثر شمولاً لتركيز علم النفس التنموي للظواهر بأن تشمل السلوكيات والأحداث التي يتم قياسها بأي طريقة أو تقنية مناسبة، من وجهة النظر هذه فإنّ القيد الرئيسي هو أن الظاهرة قيد التحقيق ستكون عرضة للتغيير على الأقل في مرحلة ما من العمر الافتراضي، وفقاً لعلماء نفس النمو تصل معظم الظواهر النفسية إلى معيار وهو؛ما هي جوانب الشخصية والتأثير والمعتقدات المتعلقة بالذات والإدراك والمعرفة والمهارات الحركية، أو الأحداث العصبية التي لا تخضع للتغيير.
بالنسبة للعديد من علماء التنمية، فإنّ الإجابة هي أنّ جميع جوانب الظواهر البشرية (النفسية) تخضع لنوع من التغيير في مرحلة ما من العمر الافتراضي، الرأي الأوسع قد يؤكد أنّ معظم الظواهر النفسية تشكل بؤرة شرعية لعلم النفس التنموي، إنّ وجهات النظر الأكثر تحديد والتي تكون فيها التغييرات المختارة فقط هي بؤر علم النفس التنموي، مدعومة بالمواقف المفاهيمية، بطبيعة الحال تركز نظريات أو نماذج محددة لعلم النفس التنموي على مجموعات مختلفة من الظواهر، في بعض الحالات تكون هذه النماذج متعارضة.
مثلاً في الجزء الأوسط من القرن العشرين كان هناك الكثير من الجدل حول ما إذا كان علم النفس التنموي السلوكي أو العضوي قد نفّذ طرق حددت ظواهر التغيير النفسي وحتى المقبولة، في الوقت الحاضر يكون التركيز المناسب في تقييم ما إذا كانت الظواهر مناسبة للبحث التنموي على ما إذا كان يمكن تبرير المقاييس والملاحظات من وجهات نظر واضحة ومتماسكة حول نظرية وطريقة التنمية.
فترة التغيير:
أبسط تفسير لهذا المصطلح هو أن تغييرات نفسية مهمة ومثيرة للاهتمام تحدث طوال الحياة، لكن تم اشتقاق العديد من الآثار الصعبة، يركز علماء النفس لعلم نفس النمو جهودهم النظرية والمنهجية والتدخلية خلال مرحلة أو أكثر من مراحل العمر الشائعة، مثل الطفولة أو المراهقة أو منتصف العمر أو الحياة المتأخرة، من الناحية التاريخية أكد العديد من علماء النفس التنموي على ما يقرب من 15% من العمر الافتراضي المعروف باسم الرضاعة والطفولة، لكنّه تزايد عند العلماء على التغييرات التي تحدث خلال ما يقرب من 10% من العمر الافتراضي المعروف باسم المراهقة.
تشكل نسبة 75% المتبقية من العمر الافتراضي سنوات البلوغ التي تتراوح من الشباب إلى الأعمار المتوسطة إلى الأقدم، ممّا لا يثير الدهشة أن سرد القصة الكاملة للتطور عبر مدى الحياة في أي ظاهرة بغض النظر عن كل الظواهر النفسية، فهدف علماء التطور الوصول لمنظور الكثير من الظواهر المثيرة للاهتمام من الناحية التنموية التي تحدث في جميع مراحل العمر الافتراضي، ساهم جميع علماء التنمية في صورة كانت في النهاية أكثر شمول وتماسك.
يدرك المراقبون المخضرمون في مجال علم النفس التنموي لمجموعة هائلة من النظريات والأساليب والأفكار النشطة، تشهد المنشورات الحديثة على حيوية المجال، سواء كان التركيز على القضايا النظرية أو النظامية أو المنح الدراسية التاريخية أو التجريبية الموضوعية في عمليات معينة.
المنظمات:
في السنوات الأخيرة من القرن العشرين ظهرت مجموعة متنوعة من آليات الدعم المؤسسي، شملت المنظمات والجمعيات والمجلات والمنشورات المنتظمة والمواقع التدريبية والتعليمية والفرص المهنية والوظيفية ومصادر تمويل الأبحاث، فيما يتعلق بالمجتمعات تتوفر المنظمات التي تعكس الاهتمامات العامة في نمو الرضع والأطفال مثل جمعية البحث في تنمية الطفل والمراهقة، كذلك تطور الكبار والشيخوخة مثل جمعية الشيخوخة، حتى جميع مراحل العمر الافتراضي مثل الجمعية الدولية لدراسة التنمية السلوكية).
ترعى جمعية علم النفس العديد من الأقسام النشطة والكبيرة ذات الأجندات التنموية؛ خصوصاً علم نفس النموي، إضافة إلى هذه المجتمعات التي ظهرت وازدهرت فيها العديد من الجمعيات المركزة، من بينها جمعية جان بياجيه طويلة الأمد وسلسلة من مؤتمرات الشيخوخة المعرفية وجمعية التنمية المعرفية الجديدة الموجهة للأطفال.