ظهر اختلاف واضح في الأساليب التي قام الإنسان باستخدامها في رحلتِهِ خلال الزمن لدراسة وفهم الظواهر النفسيّة، كما أنّ المحاولات التي تهدف إلى اكتشاف مكنونات وأسرار الحياة العقليّة والحقائق النفسيّة قد كثُرت، فاعتمد على استعمال مناهج علميّة للوصول إلى تلك الحقائق، تم تسمية هذه المناهج بمصطلح مناهج البحث في علم النّفس؛ حيث إنّ علمَ النّفس الحديث لم يعتمد على الملاحظات أو التأمل فقط بهدف التعرف على سلوك الإنسان أو الحصول على حقائق عقليّة.
قام الإنسان بالاعتماد عند تعامله مع علم النّفس على عدة أساليب حاصة بالبحث العلمي المُمنهج والدقيق، تم تعريف البحث العلميّ بأنه الكثير من الجهود العلميّة التي تتميّز بانتظامها؛ يقوم الباحث بتطبيقها بهدف الوصول إلى المعارف والحقائق بشكل دقيق والمساهمة في إثبات مدى صحتها وتحليل جميع العلاقات التي تتعلق بتلك الحقائق، من التعريفات الأخرى للبحث العلميّ هو نوع من أنواع الأبحاث التي تستخدم الطُرق العلمية من أجل الوصول إلى أهداف العلم.
مناهج علم النفس:
المنهج التجريبي:
يركّز المنهج التجريبي على العديد من العمليات؛ كالتجريب والتطبيق العمليّ للعلوم النظريّة، فهو يعد من أبرز وأدق مناهج البحث، كما أنّ الفلاسفة اعتبروا هذا المنهج كجون لوك وديفيد هيوم المصدر الأساسي للمعرفة؛ حيث يركّز هذا المنهج على الملاحظة العلميّة الدقيقة وتغيير الأفكار التي تنتج عنها إلى فرضيات علمية تعتمد على التجربة أكثر من مرّة؛ ذلك من أجل الوصول إلى نتائج قابلة للقياس، ثمّ تتحوّل بعد أن تُثبت إلى قوانين علميّة، فقد استفادت العلوم الإنسانيّة بشكل عام وعلم النّفس بشكل خاص من التطبيقات والخطوات العلميّة للمنهج التجريبي.
كانت الظواهر الإنسانيّة السلوكيّة في المنهج التجريبي غير ماديّة وغير ثابتة وتمتاز بالتجريد والوعي؛ لذلك يصعب تقييدها بالإجراءات التجريبيّة في المختبرات، فأصبح المختبر الذي يتم فيه تدريس الظواهر السلوكيّة وخضوعها للتجربة هو البيئة الطبيعيّة العامة التي توجد بها هذه الظواهر، مثل المدرسة والمجتمع والأسرة، فأصبحت العملية التجريبيّة تعتمد على مبدأ الملاحظة المقصودة والموجّهة، فيتضمن المنهج التجريبيّ دراسة مجموعة من التأثيرات والعلاقات بين عدّة متغيرات، وتُفسّر هذه العلاقات باستخدام التحكم والضبط والتجريب.
المنهج التتبعي:
يدرس هذا المنهج عمليات النموّ النفسي أثناء المرور بالمراحل العمريّة؛ من خلال مراقبة مجموعة معينة من الأطفال والقيام بإخضاعهم لجميع الاختبارات النفسيّة باستعمال العديد من الوسائل والأدوات القياسيّة أثناء فترات ثابتة بشكل دوري قد تكون كلّ أسبوع أو كلّ شهر أو كلّ يوم، غالباً ما تأخذ الدراسات التي تختص بهذا المنهج وقت زمنيّ طويل؛ لأنّها عملية تسجل فيها المتغيرات المختلفة التي يتعرض لها الأطفال خلال مراحل النموّ التي يمرّون فيها عن طريق تتبع الظواهر النفسيّة ومواكبة نشأتها وتطوّرها عند الفرد.
من الممكن أن يقوم الباحث باستخدام هذا المنهج في الاختبارات السيكولوجيّة أو عملية الملاحظة المُباشرة، فقد تم اعتبار أنّ نتائج الأبحاث تميزّت بدقتها ويمكن أن تعمم، حيث تُظهر مسار النموّ الخاص بالعديد من الأطفال الأسوياء والسليمين.
من أبرز الدراسات والأبحاث التي تعتمد على المنهج التتبعي دراسة تيرمان الذي قام بمتابعة جميع التغيرات التي تؤثر في ذكاء الطفل خلال عدّة سنوات؛ فاهتمّ بدراسة التغيرات التي يتعرض لها الذكاء العقلي عند الأطفال الموهوبين، إضافة إلى دراسة مظاهر النموّ الخاصة بالأطفال، ابتداءً من مرحلة رياض الأطفال وصولاً إلى مرحلة الدراسات العليا
المنهج الذاتي:
يُعتبر المنهج الذاتي من مناهج علم النّفس الأقدم التي قام الإنسان باستخدامها في محاولاته لدراسة السلوك الإنساني، إلا أنها كانت من المناهج الأقل اعتماداً على العلم.
يتضمن المنهج الذاتيّ الأسلوب الذي يركّز على الملاحظة الداخليّة أو التي تعرف باسم التأمل الباطنيّ، فيهتمّ باختيار وملاحظة الفرد للحالات الشعورية النفسيّة التي يمرّ بها، ويهتمّ الفرد بدراسة الشعور المُؤثّر فيه من خلال مراقبة مصادره المتنوّعة، فإذا اهتمّ بمتابعة الظواهر الخارجيّة، فيُصنّف بأنّه باحث في علم الطبيعة الذي شكّل مصدراً خارجياً لشعوره.
إذا ركّز الباحث على المصدر الداخليّ للشعور، مثل أن يدرس عملية الإدراك والشعور الذي يرفق له تجاه الظواهر الخارجيّة وراقبها باستخدام الوصف والتحليل، عندها يتم تصنيفه بأنه يركّز على السيكولوجيا، إنّ المنهج الذاتي يحتوي على بعض العيوب، مثل أنه يعتمد على قدرة ومهارة الفرد الواحد في أن يطبّق الوصف والتحليل؛ لذلك لا يمكن أن تعمم نتائج الدراسات الفرديّة على جماعة من الأفراد، كما أنّ الموضوعات التي يتم دراستها باستخدام التأمل الباطني محدودة، فتكون النتائج الصادرة عنها محدودة أيضاً.