اقرأ في هذا المقال
يعتقد البعض أنّ العلم الخاص بالإرشاد النفسي قد ظهر في القرن العشرين فقط متناسين القرون الماضية ومدى نشاط العلماء في مجال الإرشاد والتوجيه، إلا أنّ الإرشاد النفسي لم يكن علماً يحظى بمكانته التي هو عليها اليوم فقد كان مختصراً على بعض التعاليم التي تصدر من قبل الحكماء والعلماء والقائمون على أمور الدين على شكل نصائح وإرشادات أولية، ولكن فيما بعد وخلال القرن العشرين تحديداً أصبح الإرشاد النفسي علماً مستقلاً له أبواب خاصة في العملية الإرشادية.
ظهور الإرشاد النفسي
لعلّ الإرشاد النفسي ظهر في العديد من المجتمعات في مطلع القرن العشرين نتيجة الظروف السياسية والاجتماعية والمهنية التي سادت هناك، ولعلّ الحروب وخاصة العالميتين الأولى والثانية والتفتّت المجتمعي كان لهما الدور الأكبر في الحاجة إلى الإرشاد النفسي، كما وأنّ الثورات الصناعية التي رافقت ذلك كان لها الأثر الأكبر في الحاجة إلى عملية إرشادية تقوم على تهيئة الموظفين بصورة سليمة للإنتاج بصورة أكبر في الإرشاد النفسي.
تعتبر مظاهر الفقر والبطالة والظلم الذي ظهر أبّان القرن العشرين من أبرز المظاهر المجتمعية التي جعلت من علم الإرشاد النفسي علماً رائجاً في المجتمعات الأوروبية على وجه الخصوص، ونتيجة لهذه الظروف الصعبة التي خلّفت وراءها الكثير من المجاعات والتفكك الأسري والأمراض والاضطرابات النفسية كان لا بدّ من ظهور علم الإرشاد النفسي كعلم يعالج جميع هذه الظواهر المجتمعية التي تفشّت في المجتمعات الهزيلة في محاولة الخروج من عنق الزجاجة بحثاُ عن حياة أكثر أمناً واطمئنان.
الإرشاد النفسي في القرن العشرين
ظهر الإرشاد النفسي بصورة أكثر وضوحاً لكونه كان مرتبطاً “بحركة التوجيه المهني” في العام 1908م وكانت أبرز أهداف هذا العلم آنذاك هو كيفية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وكيفية جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات التي تساعد في تخليص الفرد من حالة الاكتئاب والمشاكل الإرشادية النفسية التي تؤثر على سير الحياة، وبعد ذلك صدرت العديد من المجلات الإرشادية وكان ذلك في العام 1910م.
في العام 1913م تم البدء بالعمل الإرشادي بصورة أكثر تنظيماً من خلال العمل المؤسسي المعني بمعالجة المشاكل الإرشادية من خلال الجمعيات المعنية بهذا الأمر، وبعد ذلك أصبح الإرشاد النفسي علم متخصّص يقوم العلماء بتفرّد الكتب التي تتحدّث عنه وعن طرق استخدامه وأبرز الأساليب الإرشادية التي تعالجه.
الإرشاد النفسي وانتشاره في المجتمعات
في منتصف القرن العشرين أصبح الإرشاد النفي علماً يدخل في المجال المهني والأسري والتعليمي المدرسي، وأصبح هذا العلم أساساً ذو منهجية وطرق يقوم من خلالها المرشد النفسي بمعالجة جلّ المشاكل النفسية والإرشادية التي تعاني منها المجتمعات بصورة عامة، ولعلّ مرحلة الأربعينيات والخمسينيات أبّان إنتهاء الحرب العالمية الثانية كانت تلك المرحلة الأكثر حاجة فيها المجتمعات إلى علم الإرشاد النفسي.
حيث أصبح العلم ذو شعبية كبيرة بين أفراد المجتمعات لما كان له من أثر إيجابي على إنتاحية الفرد ومدى اندماجه في المجتمع بطريقة سليمة، وبدأت الظواهر الاجتماعية المتعلّقة ببعض الأمراض النفسية والمشاكل والاضطرابات التي مان يعاني منها العديد من السكان بالتلاشي، وبدأت الصناعة بالظهور وكذلك المؤسسات التعليمية لتبدأ الصورة الصناعية والتعليمية والحاجة إلى خلو المجتمعات من الظواهر السلبية الخاصة بالمشاكل النفسية.
بعد ذلك ازداد عدد المراكز الإرشادية وبدأت الكتب والمؤلفات التي تتحدّث عن الإرشاد النفسي بالظهور بصورة كبيرة، وبدأ المرشدون النفسييون يظهرون في كافة المناسبات وأثبتوا قدراتهم المعرفية والفكرية على معالجة المشاكل الإرشادية بصورة بدائية ولكن مجدية، واصبح للمرشد النفسي الدور الأكبر في استلام المناصب القيادية وأصبح ذو شأن كبير في جميع مجالات الحياة الخاصة والعامة في الإرشاد النفسي.
في مطلع القرن الواحد والعشرين أصبح علم الإرشاد النفسي أكثر حرفية وأكثر دقّة، حيث أصبح يستخدم العديد من الخطط المجرّبة والامهارات الحياتية التي لم تكن متاحة في الأوقات الماضية، وأصبح المرشد النفسي ذو اختصاص لا يقوم بعمله إلا بعد تجاوزه العديد من الدورات التأهيلية والبرامج التثقيفية.
ومع ذلك تظهر في كلّ يوم مشاكل إرشادية جديدة وتظهر معها العديد من الجوانب السلبية التي لا يمكن حصرها، ولكن في كلّ يوم ظهر مؤلف جديد وقوانين أكثر نجاحاً من سابقاتها، ليكون علم الإرشاد النفسي العلم الأكثر شهرة من بين فروع علم النفس الأخرى.