يعتبر جان بياجيه من العلماء القلائل الذين ركّزوا على وضع تصور منظم و متكامل للتطور الذهني و المعرفي منذ الوالدة وصولاً إلى سن البلوغ، توصل بياجيه إلى أنّ النمو الذهني والتطور المعرفي يتم في مراحل ثابتة التتغير ومتسلسلة وهرمية الظهور، كما حدد لكل مرحلة عمر زمنيا تقريبي وخصائص محددة تختلف عن غيرها من المراحل، كما وجد من خلال دراساته أنه يوجد عوامل تؤثر في النمو وتحدد انتقال الطفل من مرحلة لأخرى.
مرحلة ما قبل الجراحة من التطور المعرفي:
تعد مرحلة ما قبل الجراحة المرحلة الثانية من نظرية بياجيه التي تعرف باسم التطور المعرفي؛ تكون هذه المرحلة من عُمر سنتين عندما يكون الطفل في بداية كلامه ويدوم حتى سن 7 تقريباً، أثناء هذه المرحلة يشارك الأطفال في اللعب الرمزي ويتعلم كيفية التلاعب بالرموز، مع ذلك أشار بياجيه إلى أنهم لم يفهموا بعد المنطق الملموس.
تحدث مرحلة ما قبل الجراحة يعد تطوير اللغة؛ فهي أحد السمات المميزة لهذه الفترة، لاحظ بياجيه أنّ الأطفال في هذه المرحلة لا يفهمون بعد المنطق الملموس، فلا يمكنهم التلاعب عقلياً بالمعلومات وغير قادرين على تبني وجهة نظر الآخرين؛ هو ما أطلق عليه مركزية الذات، خلال مرحلة ما قبل الجراحة يصبح الأطفال أكثر مهارة في استخدام الرموز، كما يتضح من زيادة اللعب والتخيل؛ على سبيل المثال يكون الطفل قادر على استخدام شيء ما لتمثيل شيء آخر؛ مثل التظاهر بأنّ المكنسة هي حصان.
يصبح لعب الأدوار مهم في هذه المرحلة؛ فغالباً ما يلعب الأطفال أدوار الأم والأب والطبيب والعديد من الشخصيات الأخرى، استخدم بياجيه عدد من الأساليب الإبداعية والذكية لدراسة القدرات العقلية للأطفال؛ تضمنت إحدى التقنيات الشهيرة لإثبات التمركز حول الذات استخدام عرض ثلاثي الأبعاد لمشهد جبلي، في الغالب ما يشار إليها باسم مهمة الجبال الثلاثة، كما يطلب من الأطفال اختيار صورة تظهر المشهد الذي شاهدوه.
يستطيع معظم الأطفال القيام بذلك بصعوبة بسيطة، بعد ذلك يُطلب من الأطفال تحديد صورة توضح ما قد يلاحظه شخص آخر عند النظر إلى الجبل من وجهة نظر مختلفة، دائماً ما يختار الأطفال المشهد الذي يعرض رؤيتهم الخاصة لمشهد الجبل، وفقاً لبياجيه يواجه الأطفال هذه الصعوبة لأنّهم غير قادرين على تبني منظور شخص آخر، أجرى باحثون آخرون كذلك تجارب مماثلة؛ ففي إحدى الدراسات عُرض على الأطفال غرفة في دمية صغيرة، كان الأطفال قادرين على رؤية دمية مخبأة وراء قطعة أثاث في بيت الدمى.
ثم تم نقل الأطفال إلى غرفة بالحجم الكامل كانت نسخة طبق الأصل من بيت الدمى؛ لم يفهم الأطفال الصغار النظر خلف الأريكة للعثور على اللعبة، بينما بحث الأطفال الأكبر سناً على الفور عن اللعبة؛ يشير علماء النفس التنموي إلى القدرة على فهم أنّ الآخرين لديهم وجهات نظر وأفكار ومشاعر وحالات عقلية مختلفة كنظرية للعقل.
فهم الحفظ:
تجربة أخرى معروفة تتضمن إظهار فهم الطفل للحفظ، في إحدى تجارب الحفظ تم سكب كميات متساوية من السائل في وعاءين متطابقين، ثم يُسكب السائل الموجود في وعاء واحد في كوب مختلف الشكل، مثل كوب طويل ورفيع أو كوب قصير وعريض، ثم يُسأل الأطفال عن الكوب الذي يحتوي على أكثر السوائل، بالرغم من رؤية كميات السوائل متساوية يختار الأطفال دائماً الكوب الذي يبدو ممتلئ، أجرى بياجيه عدد من التجارب المماثلة حول الحفاظ على العدد والطول والكتلة والوزن والحجم والكمية؛ فوجد أن القليل من الأطفال أظهروا فهم للحفظ قبل سن الخامسة.
انتقادات نظرية التطور المعرفي:
ركز الكثير من تركيز بياجيه في هذه المرحلة من التطور على ما لا يستطيع الأطفال فعله بعد، يتمحور مفاهيم التمركز حول الذات والحفظ على القدرات التي لم يطورها الأطفال بعد؛ إنّهم يفتقرون إلى فهم أنّ الأشياء تبدو مختلفة عن الأشخاص الآخرين وأن الأشياء يمكن أن تتغير في المظهر مع الحفاظ على نفس الخصائص.
مع ذلك لا يتفق الجميع مع تقييم بياجيه لقدرات الأطفال، قال مارتن هيوز أنّ سبب فشل الأطفال في مهمة الجبال الثلاثة هو أنّهم لم يفهموها أبداً، في تجربة تضمنت استخدام الدمى؛ أظهر هيوز أنّ الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 4 سنوات كانوا قادرين على فهم المواقف من وجهات نظر متعددة، ممّا يشير إلى أن الأطفال يصبحون أقل تمركز حول الذات في سن مبكرة ممّا كان يعتقد بياجيه.