يركّز علم النّفس على سلوكات الكائنات وسلوك الإنسان خصوصاً، من الممكن تعريف علم النفس بأنّه أحد العلوم الذي يركّز على السّلوك وعمليات العقل عند الإنسان، يهدف علم النّفس بصورة عامّة لفهم السّلوك ومحاولة تفسيره وتحديد دوافعه والعوامل التي أدت لظهوره، كما أنه يسعى للتنبؤ به ومعرفة مدلولاته عن طريق فهمه لطبيعة هذا السّلوك، فيصبح من الممكن توقّع زمن حدوثه وشدّته، إضافة إلى دوره المهمّ في ضبط المثيرات المتغيّرة، بهذا يُمكن ضبط السّلوك والتحكّم به وبمقدار شدّته.
أهداف علم النفس:
- الوصف Descripition: الذي يتضمن وصف الظواهر النفسية كما هي قائمة في الوقت الحالي؛ ذلك بهدف تشخيصها والكشف هن جوانبها وحصر العلاقة بين العناصر الخاصة بها أو بينها وبين الظواهر نفسية.
- التفسير Explanation: يتضمن الكشف عن العلاقات التي تسبب الظواهر النفسية.
- التنبؤ Prediction: هو النجاح في اكتشاف القوانين التي تساهم في حكم السلوك وبتعرف على الظروف التي تحيط بالفرد وتؤثر فيه.
- الضبط Control: مثلاً كيف يمكن تعديل السلوك العدواني، كالسعي إلى تعديل الظروف التي تحيط بالفرد وتقديم الخبرات التعليمية والإيجابية والبناءة بهدف تعزيز السلوكات غير العدوانية.
نشأة علم النفس وتطوره:
يمكن اعتبار علم النفس بأنه أحد العلوم القديمة والحديثة في نفس الوقت، حيث تم إيجاده من خلال وجود البشرية، كان يندرج في العصور القديمة تحت علوم الفلسفة، فظهر أثناء المحاولات الكثيرة للتفسيرات الفلسفية لمفاهيم الروح والنفس البشرية، التي كانت تسعى لفهم الأسباب التي تؤدي لظهور السلوكات المختلفة للكائنات الحية، ترجع بدايات تأصيل علم النفس إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو؛ الذي وجد العديد من الآراء والاعتقادات والنظريات المختلفة تجاه النفس والروح وعلاقتهما بالجسد المادي.
تمّ مرور علم النفس بالعديد من الحقب الزمنية والتاريخية؛ مثل العصر الإسلامي وعصر النهضة في أوروبا إلى أن وصل للعصر الحديث، ثمّ استقل عن الفلسفة التي ساهمت في صقل العلوم النفسية والفلسفية لتظهر بمظهرها العلمي الحديث.
علم النفس في العصور القديمة:
كان يرتبط علم النفس في بداية ظهوره بالفلسفة، فقام الفلاسفة بالتركيز على النفس الإنسانية بطرق استبطانية بشكل غيبي، حيث كان يوجد خلط كبير بين مصطلحات الفكر والوعي والروح والعقل، ذلك عند القيام بوضعها بشكل متقابل مع الجسم والبدن المادي، كما ظهر اهتمام فلسفات الشعوب القديمة بعمليات الإدراك والعواطف والمشاعر، فظهر السعي لمحاولة تفسير ومعرفة الأسباب وراءها ووراء الانفعالات السلوكية الظاهرة التي يقوم بها الإنسان، فظهرت الكثير من الآراء للفلاسفة القدماء والتي كانت ترتبط بعلم النفس والنفس البشرية؛ من أهمها ما يأتي:
- سقراط: كان يحاول سقراط فهم حقيقة الذات الإنسانية بدون أن يتحدّث عن العالم الخارجي، كما أنّه على الفرد أن يتأمل ذاته ليستطيع إدراك حقيقتها، فقد آمن بمبدأ الاستقراء العقلي والقياس الاستدلالي في دراسته للنفس الإنسانية وتصوراتها، بشكل عام كانت الذات والنفس هي المصدر الأساسي والواقعي للمعرفة عند سقراط.
- أفلاطون: آمن أفلاطون بالروح التي اعتبر أنها من أصول سماوية، أما الجسم فقد كان يعتبره أصل مادي، فالروح هي التي تتحكم بالجسم وتسيّره، كما رأى أنّه لا يمكن تحصيل المعرفة بشكل مطلق إلا من خلال تحرير النفس من أسرها الجسدي وسموها إلى عالم المثاليّات، حيث إنّ الحقائق والوقائع تظهر جليةً بالنظر إلى الروح لوحدها بشكل منفصل.
- أرسطو: رأى أرسطو أنّ النفس والعقل أو ما سُمّي بالروح هي جزءٌ لا يمكن فصله عن الجسم المادي، أي أنّه قام بنفي إمكانية الفصل بينهما، فاعتقد أنّ الروح هي أحد الحقائق والمعاني التي ترجع في أصلها إلى الجسم المادي أو المحسوس الذي توجد داخله، بالتالي يستحيل الفصل بينهما كما يستحيل الفصل بين المادة وشكلها، كما أضاف أنّ هذه النفس هي المصدر الأساسي للفضائل الإنسانية.
علم النفس في عصر الفلسفة الإسلامية:
قام التراث الإسلامي العلمي بتقديم العديد من الآراء والنظريات العلمية في جميع أنواع العلوم الإنسانية المتعددة، من أهم هذه العلوم هي الفلسفة والعلوم النفسية، حيث أنّ الآراء والأبحاث الخاصة بالفلاسفة المسلمين لها أثر هائل في الدراسات التي قام العلماء الغربيون بتقديمها في عصر النهضة الأوروبية باطّلاعهم على إثراءات العلماء المسلمين والفكر الإسلامي، من أهم هؤلاء العلماء والفلاسفة ما يأتي:
- ابن سينا: قام ابن سينا بتقسيم وتصنيف النفس الإنسانية لثلاثة أنواع؛ هي النفس النباتية والحيوانية والإنسانية، كما أنّه أثبت وجود مبدأ الفروقات الفردية والاستعدادات والقدرات، أيضاً ربط بين النظريّات الفلسفية وميادين وطرق تطبيقها، حيث أثبت وجود العلاقة بين الفكر، واللغة وبين الإدراك الحسي الظاهر والباطن، إضافة إلى أنه تطرّق لمفاهيم التوجه المهني واكتساب الأخلاق.
- الغزالي: يرى الغزالي يرى أنّ الحقائق التي تكون مطلقة من الممكن أن تُدرك عن طريق القلب والإلهام عند الأولياء والأصفياء، حيث يتم تحصيلها من خلال الوحي عند الأنبياء، كذلك من خلال الاستدلال والاستبصار عند العلماء، أيضاً قد وقف الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة على الكثير من المسائل الفلسفية بالاعتماد على الدين والمنطق.
مرحلة الفلسفة الحديثة:
تم ظهور علم النفس في الفلسفة الحديثة أثناء عصور النهضة في أوروبا، الذي امتاز بالتطور والتغيّر الذي وصل للنظرة الفلسفية تجاه الروح والعقل والسلوكات الإنسانية بشكل عام، من أهم الفلاسفة الذين برزت نظرياتهم في هذه الفترة الزمنية ما يأتي:
- جون لوك: كان جون لوك يرى أنّ الإنسان يأتي إلى الدنيا وهو عبارة عن صفحة بيضاء، حيث تلوّن من كافة أنواع الخبرات الحسية باكتساب المعارف الذهنية من خلال أن يخوض في الواقع التجريبي والبيئي الخارجي.
- ديكارت: عمل ديكارت وركّز على دراسة الشعور؛ ذلك لأنّه من أهم وأبرز الخصائص الخاصة بالعقل البشري، فقام بذلك بحل الخلاف الذي حصل بين العلاقة بين الجسم المادي والعقل غير الملموس.
استقلال علم النفس عن الفلسفة:
أكّد العلماء النفسيين ومؤرّخوا علم النفس على أنّ علم النفس استقلّ عن باقي العلوم الفلسفية ونشأته الأساسية، كانت في ثاني نصف القرن التاسع عشر عن طريق العالم الألماني فونت، حيث أنّه اعتُبر المؤسس الأساسي لعلم النفس، الذي نهض بعلم النفس التجريبي وعمل بشكل أساسي على عمل أول مختبر نفسي ات خاص بالدراسالسيكولوجية النفسية، الذي سبقه اختراع أول جهاز سيكولوجي تجريبي بهدف خدمة البحوث النفسية، استمر تأثير فونت على الفكر السيكولوجي للدراسات النفسية لعقود طويلة من الزمن.
تم عمل العديد من المؤتمرات وظهور فرع خاص يستقل عن غيره في جميع الجامعات لعلم النفس؛ لأنّه أصبح يعتبر علم مستقل من العلوم الإنسانية، كما أنّ العديد من العلماء الآخرين ساهموا في نشر البحوث وعكل المختبرات والقاعات الدراسية الخاصة بهذا العلم.