تتجه نظرية الذَّات نحو المجال والمحيط الذي يؤثِّر على الفرد، أكثر من الاتجاه نحو العوامل الوراثية، لا تقوم بإهمال هذه العوامل بصورة مطلقة، إنّ هذه النظرية ترى أنّ العوامل التي تكوّن نمو الفرد هي عوامل موروثة بشكل بيئي أكثر منها حيوية أي بيولوجية، حيث يتم تأثير هذه العوامل خلال العلاقات الشخصية المترابطة بين الفرد والبيئة، التي تقوم على تشكيل عالم الخيرة والواقع للفرد.
حاجات الفرد حسب نظرية الذات
يكون أقوى عامل دافعي للفرد هو سعيه إلى تحقيق الذات، الذي يساعد بدفعه إلى استغلال الطاقات التي لديه بأفضل مستوى يمكن الوصول إليه، بالتالي يقوم الفرد على توجيه سلوكه؛ ليتمكّن من الوصول إلى هدفه.
في البداية تكون الأهداف التي يهدف الفرد إلى تحقيقها محدودة في بعض المجالات العضوية، مثل إشباع الحاجات نحو الطعام واللذات والشراب والنوم وتجنّب الألم، بعد ذلك تتطور هذه الحاجات عندما ينمو ذات الفرد ويتفاعل مع الآخرين؛ فتتركز في حاجتين يقوم على اكتسابهما: الحاجة إلى تقدر الآخرين، أيضاً الحاجة إلى تقدير الذات
الحاجة إلى الاعتبار الإيجابي
يرى روجز أنَّ هذه الحاجات هي حاجات نظرية، يشتركون فيها كل الأفراد، فهي تمثل الحاجة إلى الحب والاحترام والحنان والقبول من الآخرين، خاصَّة من نراهم ذو أهمية في حياتنا، مثل الأب والأُم والمعلمين والأشخاص الجذابين.
يتم إشباع هذه الحاجة من خلال الآخرين، فالحصول عليها ليس بالأمر السهل؛ لأنّ الفرد يتمنى أن يحققها عن طريق الآخرين، لكن ذلك يتوقف على نوعية مطالب الآخرين الخاصَّة بهم، فكما أنّ للفرد مطالب فإنّ للآخرين مطالب، إذا تعلَّم الفرد مواجهة مطالب الآخرين عن طريق اتباع السلوك السوي، الذي يقوم بمساعدته على تحقيق ذلك، فإنَّ هذا يدفع الآخرين إلى التعامل معه بالمثل، بالتالي يصل الفرد إلى حاجته وإلى الاعتبار والتقدير الإيجابي.
الحاجة إلى الاعتبار الذاتي
عندما يصل الفرد إلى الحاجة إلى الاعتبار الإيجابي من الآخرين، يبدأ بتكوين وتطوير الحاجة إلى الاعتبار الذاتي، التي تتكون في أن ينظر الفرد إلى ذاته بنظرة موجبة، يكون أساسها الشعور بالرِّضا والمحبة، مستفيداً بما حصل له من اعتبار وتقدير من الآخرين، أيضاً مقدار ذلك، يقوم على دمج هذه الاعتبارات التي من تساعد بشكل كبير على تكوين مفهوم الذَّات الإيجابي لدى الفرد، الذي يساعد على تحديد السلوك الخاص به.
ظروف الاستحقاق (شروط الأهمية)
يشبه دور ظروف الاستحقاق وظيفة الأنا العُليا في نظرية التحليل النفسي، حيث يتم مكافأة الفرد والقيام بتعزيزه إذا نفّذ الأوامر والنواهي والتعليمات الدينية، القيم الاجتماعية، مطالب الوالدين، أيضاً التزامه بالواجبات الدينية أو الابتعاد عن السلوك الانحرافي، مثل السَّرقة، حيث ينال الفرد ما يستحقه؛ نتيجة تنفيذه للأوامر والنواهي المشروطة.
من الممكن أن يذعن الفرد لرغباته ومطالبه، بحيث يتشكّل الصراع بينها وبين ما يفرضه عليه المجتمع أو الوالدان أو الأشخاص المهمون، حدوث الصِّراع هنا يعني حدوث الاضطراب النفسي للفرد، قيامه بالسلوكيات المنحرفة.
أسباب الاضطراب النفسي حسب نظرية الذات
يتشكّل الاضطراب النفسي أي سوء التوافق، عندما لا تتطابق مفهوم الذات مع الخبرة، هذا الأمر الذي لا يساعد الفرد على تحقيق ذاته، من الممكن أن تكون الخبرة التي شكّلها الفرد متطابقة مع أفكار الآخرين وأحكامهم، لكنَّها لا تتطابق مع أحكام الفرد نفسه. قد يجامل الشخص أو يقوم بمسايرة الآخرين بسبب بعض القيود الاجتماعية أو الشخصية، التي يعتبرها الآخرون واجباً ولا يجوز الخروج عنه، لكنَّه يبدأ بتجاهلها أو يقوم بتشويهها أو تحريفها؛ لأنَّها لا تتناسب معه.
إذا تمَّ فرض هذه الأمور عليه يتشكّل القلق والتوتر والشعور بالاغتراب، بسبب عدم التطابق بين هذه الخبرة ومفهومه لذاته، بالتالي يلجأ الفرد إلى استخدام الحيل الدفاعية؛ حتى يتجنّب حدوث ذلك، إذا لم تفيد الحيل الدفاعية في تخفيف المعاناة التي تحدث له، يستمر إدراك الفرد للتأثير الناتج عن ذلك التنافر إلى درجة يصل الفرد بعدها إلى حالة من عدم التنظيم حيث يتم استبعاد وإنكار بعض الخبرات.
من الممكن أن يقوم الفرد على تكوين دفاعات ضد إدراكه لنفسه، فينتج عنها الانفصام التخشُّبي في الشخصية، أيضاً قد يتخذ أشكال مختلفة لهويته تظهر على شكل بارنويا، كما من المحتمل أن يحدث تغيير أو تحريف في مفهوم الذات للفرد؛ حتى يتقبّل الخبرات التي لم تكن متطابقة، عندها يشعر بأنّ تصرفاته غير مقبولة، فينظر إلى نفسه على أنّه إنسان غير سوي.