يبدو أنّ علم النفس التنموي قد توصل إلى إطار نظري موحد قد يجعل من الممكن التغلب على التجزئة التي يشار إليها داخل التخصص، كما يُشار إلى ذلك من خلال الدعم الواسع الذي يتم تقديمه لمنهج النظم والذي يُثري بالجدلية والمسلمات السياقية، في هذه المقالة نستعرض بإيجاز سوابق هذا النهج ونستكشف مفاهيمه الأساسية، مع الإشارة إلى جذورها والطريقة الدقيقة التي يتم بها تطبيقها على التحليلات التنموية اليوم، نقوم كذلك بفحص الآثار المترتبة على نهج الأنظمة للتحقيق التنموي وتحدياته.
نهج النظم في علم النفس التنموي:
أسلاف عرض النظم الحديثة:
ظهر المنظور المنهجي للتنمية مع تقارب الصياغات النظرية من مختلف التخصصات؛ شاركوا نظرة شاملة للأشياء أو الظواهر التي يتم التعامل معها، هذا يعني التأكيد على أن لديهم علاقة من الاعتماد المتبادل مع سياقهم، كذلك تشكيل كل لا يمكن اختزال خصائصه إلى الأجزاء المكونة له، في علم النفس التنموي كان لأفكار كورت لوين تأثير خاص؛ وفقاً لنظريته الميدانية قد لا يُنظر إلى السلوك بشكل مستقل عن المجال أو السياق الذي يحدث فيه.
في عام 1933 نشر برتالانفي النظريات الحديثة للتطور مقدمة في علم الأحياء النظري؛ كان يقدم نظرية النظام الخاصة به كبديل للتفسيرات الآلية والحيوية للتنمية، لذلك كان يجب البحث عن حل لهذا التناقض في علم الأحياء باستخدام نظرية كائن أو نظام للكائن الحي، فقد تكتشف أن جوهر الكائن الحي يكمن في الانسجام والمشاركة التنسيق بين العمليات والذي من ناحية أخرى لا يفسر هذا التنسيق كما تفعله الحيوية ، باستخدام روح صوفية ولكن بدلاً من ذلك من خلال النظر في القوة الوشيكة لنظام الحي نفسه.
يشير مصطلح النظام إلى المجموعات التي تبني نفسها في عملية معاملات مستمرة مع محيطها، بافتراض تماثل النظم التي تمت دراستها من قبل مختلف التخصصات، اقترح برتالانفي سلسلة من المبادئ العامة، يمكن تطبيقها على تطوير الأنظمة بغض النظر عن نوع العناصر التي شكلتها أو القوى المشاركة، تضمنت هذه المبادئ اثنين للمنظور الشامل؛ يشير الجزء الأول من التعقيد إلى الترابط بين أجزاء مختلفة من النظام وبين النظام ككل والأجزاء المكونة له، الآخر معني بتنظيم النظام، يختلف عن تنظيم الأجزاء بشكل منفصل.
يوجد مبدأ ثالث يميز هذه المنظمة العالمية كنمط هرمي، كما أنّ هناك مبدآن آخران يجلبان الاتجاه إلى المعاملات بين أجزاء النظام، وفقاً لمبدأ الاستقرار الذاتي، تشتمل الأنظمة على آليات للحفاظ على حالتها أو مسارها، وفقاً لمبدأ المساواة، قد تؤدي المعاملات المختلفة إلى عدد محدود من أنماط التنظيم.
من بين التطبيقات الأولى لنظرية النظم في مجال علم النفس التنموي، كان لعمل هاينز ويرنر أهمية خاصة وقام بتحليل العمليات النفسية في سياق النظام العضوي العالمي، كان من المفترض أن تتكون من أجزاء مختلفة مثل الحركة والبصر والفكر، سوف يمرون بمراحل من عدم التوازن من شأنها أن تؤدي إلى إعادة التنظيم الهيكلي، ممّا يؤدي بدوره إلى أنواع مختلفة من السلوك كمبدأ إرشادي، اتخذ فيرنر مبدأ التكوُّن الجنيني للتكوين العظمي وترجمة إلى التطور العقلي، تم تعريفه على أنّه مسار من حالة عالمية نسبية وانعدام التمايز، ممّا يؤدي إلى حالة من زيادة التمايز والتعبير والتكامل الهرمي.
كانت المبادئ النظامية موجودة في علم نفس النمو وقد دمجت مقترحات الجدلية والسياقية، على سبيل المثال وصف جان بياجيه التطور بأنه عملية تكيفية تتفاعل فيها الخصائص البيولوجية والنفسية للكائن الحي مع بيئتها، ستسهل هذه العملية تكامل البيئة في الهياكل المعرفية للموضوع وتحويل هذه الهياكل من خلال عمل البيئة، كما سيتم إنشاء توازن ديالكتيك بين كلتا العمليتين الفرعيتين؛ المسماة على التوالي الاستيعاب والتكيف والتي من شأنها أن تؤدي إلى أنواع من التنظيم ذات التعقيد المتزايد.
المفاهيم الأساسية لعرض النظام الحديث:
لا يزال الافتراض الأساسي لمنظور النظام الحديث شامل؛ ينص على أنّ الفرد يتطور ويعمل نفسياً ككائن حي متكامل، تندمج المساهمات النضوجية والتجريبية والثقافية في هذا التكاثر، فلا تتطور الجوانب الفردية وتعمل بمعزل عن بعضها البعض، فلا ينبغي فصلها عن الكلية في التحليل، يبدو أن هذه الفكرة قد ترسخت بقوة في علم النفس التنموي، كما ذكر ليرنر في النظريات التنموية المعاصرة؛ أنّه لا يتم اعتبار الشخص بيولوجيًا أو نفسيًا أو اجتماعيًا، بالأحرى يكون الفرد منظم، يدرس علم النفس التنموي الحديث الأفراد في سياقهم والذي تم تحليله هو نظام بيئة الشخص.
تماشياً مع المبادئ النظامية للتعقيد والتنظيم، يُنظر إلى نظام بيئة الشخص على أنّه يشتمل على مستويات متعددة ومتكاملة، منظمة بطرق مختلفة نوعياً ووفقًا للمبدأ النظامي للنمط الهرمي، يُنظر إلى كل مستوى من النظام في وقت واحد على أنّه إجمالي يُنظر إليه فيما يتعلق بالمستويات الدنيا، ونظام فرعي فيما يتعلق بالمستويات الأعلى، من المفترض كذلك أنّ المستويات الأكثر تعقيد تتبنى قوانين المستويات الأبسط التي تتكون منها وتضيف قوانين جديدة خاصة بها.
تشكل الأنظمة الفرعية المحددة أو التي تم تحليلها بواسطة نظريات وتحقيقات مختلفة، تتناسب مع منظور النظام الحالي جزء من المستويات العضوية والنفسية والبيئية، مع ذلك يتم التعامل معهم بدرجات مختلفة من التفاصيل، ممّا يعني أنّنا قد نؤسس سلسلة متصلة تتراوح من نهج تنموي بيولوجي نفسي إلى نهج سياقي تنموي، باستخدام المصطلحات التي قدمها ليرنرعلى التوالي، يشمل التطرف النفسي البيولوجي مناهج تفرق بين المستويات الفرعية داخل المستوى البيولوجي والنظر في المستويات الأخرى بطريقة أكثر عمومية.
يشمل التطرف السياقي الأساليب التي تحلل البيئة بمزيد من التفصيل، الأول يشمل النهج التي تتبنى استراتيجية مقارنة أو التي تركز على تبادل المواد أو الطاقة بين الأنظمة الفرعية، يميل الأخير إلى التركيز على تبادل المعلومات بين الأفراد والنظر في كل من الظواهر الاجتماعية والمعرفية؛ على سبيل المثال في أقصى الحدود النفسية لسلسلة مناهج النظام قد نضع عمل Greenough، في محاولة لتوضيح الطرق العديدة التي قد تؤثر بها البيئة الخارجية للكائن على التعبير الجيني، حدد المؤلف المستويات الفرعية البيولوجية مثل؛ الحمض النووي ونواة الخلية والسيتوبلازم والخلية والعضو.
إنّ المستويات البيولوجية للنشاط العصبي والنشاط الجيني؛ تعتبر مستوى ثالث للسلوك والمستوى الأخير يتكون من الجوانب المادية والاجتماعية والثقافية للبيئة، يهدف المؤلف إلى إثبات تكامل العوامل البيولوجية والاجتماعية في تحديد التطور الحسي، كما أجرى سلسلة بارعة من التجارب التي تتلاعب بالتجارب الحسية للطيور النامية وقدرتها على الاستجابة العصبية أو السلوكية للمعلومات متعددة الوسائط، كما استكشف التفاعل بين نمط وراثي معين وظروف التربية كعامل محدد لبعض عيوب الجهاز العصبي المركزي أو السلوكيات النفسية المرضية.
يمثل عمل ماجنوسون فيما يتعلق بتنمية الشخصية في مرحلة المراهقة عام 1998 نقطة منتصف الطريق في هذه السلسلة المتصلة بالسياق النفسيـ كما يشمل الترابط بين الوظيفة الهرمونية والمعرفية والعاطفية والبيئة الاجتماعية للموضوع، على وجه الخصوص كشفت عن أهمية الدور الذي يلعبه مفهوم الذات لدى المراهق فيما يتعلق بربط النضج البيولوجي المبكر أو المتأخر؛ ذلك خلال فترة البلوغ مع مؤشرات عملية التنشئة الاجتماعية.
إنّ عمل ليرنر وبرونفينبرينر أقرب إلى الحد الأقصى السياقي لسلسلة مناهج النظام؛ إنّهم يفرقون بين المستويات الفرعية داخل المستوى البيئي مع مراعاة المستويات العضوية والنفسية بدرجة أقل من التفاصيل، وصف ليرنر عام 1992 المكونات البيولوجية والنفسية والشخصية والاجتماعية والثقافية والمادية والبيئية والتاريخية للمكانة التنموية المتغيرة للموضوع باعتبارها ضرورية في تحديد التطور الفردي، تعمل نظرية برونفنبرينر البيئية وأحدث إعادة صياغتها النموذج البيئي الحيوي، كذلك على تقسيم البيئة إلى مستويات مختلفة؛ هي النظام الدقيق والنظام الوسيط والنظام الخارجي والنظام الكلي.
بصرف النظر عن المستويات الموصوفة فإن الميزة الأكثر بروز للنُهج النظامية المختلفة، هي الترابط بين عمليات التغيير داخل وبين المستويات، من المفترض أن التغييرات في عنصر ما على مستوى ما قد تستجيب للآخرين التي تحدث في عناصر أخرى من نفس المستوى أو مستويات أخرى، التي بدورها قد تؤثر على هذه العناصر أو العناصر الأخرى، فقد يمتد تأثير بعض العناصر على البعض الآخر إمّا إلى مستويات أعلى أو أدنى أو يظل على نفس المستوى، تعتبر العلاقات الموجودة بين العناصر ثنائية الاتجاه أو متبادلة، حيث قد يتأثر عنصر واحد يؤثر على عنصر آخر بدوره.
تمت الإشارة إلى هذا النوع من العلاقات على أنه معاملة البناء المشترك والانصهار أو التفاعل، في الغالب ما يظهر هذا المصطلح النهائي كتفاعل ديناميكي، مشيراً إلى الخصائص العلائقية التكميلية. يميز ليرنر بين نسخة تقليدية لمفهوم التفاعل الذي يشير إليه على أنه ضعيف أو ثابت، أخرى قوية أو ديناميكية ويوضح الاختلاف بالإشارة إلى العلاقات الثلاثية القائمة بين الكائن الحي، المفهوم التقليدي موجود في التفسيرات التي تفرض أحادية الاتجاه لمتجه علائقي معين.
على سبيل المثال يذكر ليرنر عمل علماء السلوك التقليديين بيجو وباير عام 1961 فيما يتعلق بالتنمية، يعد استخدام مؤلفي مصطلح (تفاعل) ضعيف، حيث يتم إنشاء العلاقة بين الخبرة السابقة (الموجودة داخل الكائن الحي) والخبرة الفعلية (التي توفرها البيئة)، التي تكون متطابقة نوعياً، كما يرفضون تأثير الكائن الحي على البيئة وتأثير التطور الناتج عن التفاعل على الكائن الحي والبيئة، تم تضمين مثال آخر على مفهوم التفاعل الضعيف في نظرية بياجيه التي تقبل تأثير البيئة والسلوك الفردي في تسهيل أو تثبيط التنمية، لكن لا تقبل تأثيرها على اتجاه أو تسلسل أو جودة التنمية.