أكّد العلماءعلى العلاقة القوية والمتشابكة بين العقل والجسم، نحن نشعر بذلك في التأثيرات التي تحدث للجهاز الهضمي عندما نمر بأيّة خبرة تؤثر على صحتنا العقلية، كما يمكننا أن نلحظ تلك الحقيقة في عدد من الأعراض الجسمية الأخرى؛ منها ما ينتج عن تأثير الصدمات النفسية والضغط النفسي على معدل ضربات القلب أو الارتجاف أو الشعور بالألم في مناطق متفرقة من أجسادنا، يحدث ذلك في أغلب الصدمات النفسية؛ خصوصاً الصدمات التي لم تتم معالجتها من قِبَل العقل أو الصدمات التي ينسى الإنسان أنّه مر بها.
هل يمكن اختزان تأثير الصدمات النفسية في الجسم؟
أكّدت الدراسات الحديثة أنّ الصدمات النفسية لا تزرع نفسها في اللاوعي والذاكرة فقط، بل تقوم بتخزين نفسها في الجسم؛ لذلك ليس غريباً أن نجد أكثر طرق العلاج التقليدية؛ كالعلاج السلوكي الذهني قد اهتمت بأمر كهذا، حيث تقوم هذه الطريقة من خلال المحفزات الفيزيائية بالجسم كاللمس على سبيل المثال؛ فمن الممكن أن تتسبّب في إظهار أعراض الصدمة النفسية.
قد ينخرط بعض الناس في نوبات من البكاء بمجرد تعرضهم إلى اللمس في جلسات التدليك أو الوخز بالإبر، قبل أن نسعى للاستفاضة في الحديث، علينا أن ندرك أنه لا يوجد شخص واحد بيننا إلّا وتعرَّض إلى نوع ما من أنواع الصدمات النفسية، جميعنا مررنا بتلك الصدمات وليس من الصحيح أنّ الصدمات النفسية ترتبط فقط بالتعرض إلى أمور شديدة الخطورة، فهنالك أمور قد يتعرض إليها الإنسان وتكون أقل وضوح؛ لكنها تظل مؤثرة في نفس الإنسان وقد ينتج عنها إفساد حياته.
يقول مؤسّس مركز الطب النفسي أنّه لا يمكن الهروب من تعرّض أي فرد للصدمات النفسية، إذا لم يحدث ذلك في الماضي فسيحدث في قريباً أو حتى في المستقبل البعيد، فلا يمكن أن ننكر أن هناك بعض الأنواع من الصدمات النفسية التي تكون أكثر وضوح من الأخرى؛ مثل التعرض إلى تجربة الحرب أو الاغتصاب، لكن ذلك لا ينفي أنّ المرور بخبرات أخرى أقل خطورة قد يتسبب في إحداث صدمات نفسية.
قد يكون تعرّض أحد أفراد الأسرة إلى مرض خطير سبب في ظهور الصدمة النفسية، كذلك قد تتسبب في الإصابة باضطرابات أخرى وأمور أقل شأناً؛ كفقدان عزيز أو انتهاء علاقة عاطفية مهمة أو حتى فقدان وظيفة أو الاضطرار إلى مغادرة المجتمع الذي يربطه بصلات وطيدة.
ليس من الضروري أن تكون الصدمة النفسية ناجمة عن التعرّض لموقف بحد عينه، فهو ما أكّده علماء النفس الذين يعملون في مجال الطب النفسي العام والحاصلين على درجة الماجستير، يوجد اهتمام متزايد بنوع الصدمات النفسية صغيرة الشأن؛ أي تلك الأحداث متوسطة الحدة أو تكاد تكون جزء من الحياة اليومية، لكنّها مع التراكم يوماً بعد يوم تتحول إلى ما يشبه في تأثيره الصدمات الكبير.
ماذا يحدث للجسم خلال وبعد التعرض إلى الصدمات؟
غالباً ما تكون المشكلة في أنّ التأثيرات النفسية والجسدية السلبية للصدمات لا يمكن أن تزول من تلقاء نفسها؛ لكنّها تبقى مختبئة في العمق، حتى أنها تبدو في بعض الأحيان منقطعة الصلة عن الأحداث التي تسببت فيها، فمثلاً مثال اضطراب ما بعد الصدمة؛ أي المرض النفسي الذي ينتج عن التعرّض إلى خبرة مؤذية من بين الخبرات المهددة للحياة، يحدث الأمر نفسه في حال تعرضنا إلى مشاهدة نفس الأحداث من دون أن نتورط فيها.
من الممكن أن يدوم أثر الصدمات النفسية على امتداد حياة الأشخاص، ذلك إذا تم تجاهل العلاج، فحتى نفهم السبب الذي ساعد على إدامة تأثير الصدمات على امتداد حياة الأشخاص، كذلك الطّرق التي يتم بها اختزان تأثير الصدمات بشكل فيزيائي في الجسم، علينا أن نقوم بإلقاء نظرة على ما يحدث لنا خلال وبعد أن نتعرّض إلى الصدمات.
قام جوردون مؤسّس مركز الطب النفس بشرح كل ما يحصل خلال مرور الشخص بموقف مؤلم على النحو الذي ساهم في إنتاج الصدمة؛ حيث ترتكز استجابة الجسم الطبيعي باتخاذ واحد من القرارين، فإمّا أن يواجه الموقف وإمّا أن يهرب من مواجهته، حيث يتزايد معدل ضربات القلب وتتضخم العضلات ويتزايد الإمداد الدموي ويقلل الجهاز الهضمي من وتيرة عمله ويرتفع ضغط الدم بشكل تدريجي، كل ذلك لجعل الشخص إمّا أن يكون جاهز للمواجهة والقتال وإمّا الفرار بنفسه من مصدر الخطر الذي يواجهه.