هيكل الأسرة في الإسلام

اقرأ في هذا المقال


إن الزواج في الشريعة هو عقد دائم بين الزوجين، وهو أهم عنصر لبناء هيكل الأسرة، وفي حالات النزاع يتم اللجوء إلى التحكيم العائلي قبل الحلّ النهائي الذي يُسمى بالطلاق، وهذا ما نصّ عليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وإذا فشل ذلك يتم اتخاذ الخطوات النهائية لفسخ الزواج، قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: “سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ”، ٣٦، سورة يس.

هيكل الأسرة في الإسلام

هناك ثلاثة أشكال لفسخ عقد الزواج في الإسلام وهي:

1- الطلاق من الزوج، قال الله تعالى في كتابه العزيز: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّه فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّه فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّه فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّه فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”، البقرة، 229.

2- الانفصال الذي تطلبه الزوجة، يكون ذلك بفسخ الزواج بين الزوجين من قِبل الزوجة عن طريق المحكمة، ويسمى خُلع.

3- فسخ الزواج من قِبَل المحكمة بحكم، عن طريق القاضي لسبب وجيه مثل غياب الزوج لسنوات طويلة.

لقد وضع القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قوانين وأنظمة مُفصّلة فيما يتعلق بهيكل الأسرة، وقد تمّ تدوينها في الأدبيات الفقهية؛ وذلك لتنظيم جوانب مختلفة من الزواج والحياة الأسرية.

الزواج الإسلامي هو عقد زواج مُتعاقد عليه بين طرفين الزوجين، وعلى الرغم من أن الزواج هو في الأساس علاقة بين الزوجين، إلا أنه في الواقع يبني العلاقات بين عائلتين مختلفتين، بل وأكثر من ذلك، وهذا هو السبب في أن أفراد الأسرة الآخرين، وخاصة والديّ الزوجين، يلعبون دورًا أكثر إيجابية في ذلك، وإن موافقة الزوج والزوجة على ذلك ضرورية وفي الواقع هو إلزامي ولا غنى عنها.

وعلى الرغم من أن الاختلاط بين الجنسين ممنوع، إلا أنه يجوز للشريكين الراغبين في الزواج رؤية بعضهما البعض قبل الزواج فيما يُسمى بالرؤية الشرعية، لكن ما يَبرز بشكل واضح هو أن الزواج في المجتمع الإسلامي ليس مجرد ترتيب خاص بين الزوجين فقط، بل هو هيكل الأسرة بأكملها، وهذا هو السبب في أن الأسرة جميعهًا تساهم بشكل فعّال في ترتيبها وتجسيدها وتحقيقها.

أطراف الهيكل الأسري

هيكل الأسرة يتكون من طرفين:

1- الأول والأقرب يتكون من الزوج والزوجة وأولادهما وأولياء أمورهم الذين يعيشون معهم، قال الله تعالى: “وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً”، الروم، 21.

2- المجموعة التالية هي الأساس المركزي للأسرة، تتكون من عدد من الأقارب المُقربين، سواء كانوا يعيشون معًا أم لا، والذين لديهم مَطالب خاصة على بعضهم البعض، ويتنقلون بحرية داخل الأسرة، والذين يُمنع الزواج منهم ومن بينهم.

هؤلاء هم الأشخاص الذين لديهم أيضًا مُطالبة مُسبَقة بمال وموارد الشخص سواء كان الزوج أو الزوجة في هذه الحياة، وفي حال الموت هم المعروفين باسم المساهمين في الميراث، وهم الوريث الأول من الورثة، باعتبارهم من المحرمين ممن يحرم الزواج منهم، وهذا يُشكّل الجوهر الحقيقي للعائلة، حيث يتشارك كل منهم في الأفراح والأحزان والآمال والمخاوف، وتنبثق هذه العلاقة من القرابة والنَسب والحضانة.

وتشمل العلاقات القائمة على قرابة الدم الأب والأم والجدّ والجدّة وغيرهم من الأصول المباشرة، والأحفاد المباشرون، أي الأبناء والبنات والأحفاد وغيرها، والأقارب من الدرجة الثانية مثل الأخوة والأخوات وفروعهم مثل أخوات الأب أو الأم وليس ابنتها وأحفادها.

وتشمل تلك القائمة على القرابة أم الزوج ووالده، وجدّة زوجها، ووالدها وأمها، وبنات الزوجة أو أبناء الزوج أو أحفادهم أو أبنائهم على التوالي، وزوجة الابن وزوجة الابن وزوج البنت والأمهات وزوج الأم، مع بعض الاستثناءات.

وهذه هي ما يُطلَق عليه الأسرة الممتدة الحقيقية ونواة العلاقات، وكل أولئك الذين هم خارج هذه العائلة يُشكّلون المحيط الخارجي للأسرة، ولهم أيضًا حقوقهم والتزاماتهم الخاصة، وكما يتضح من حقيقة أن عددًا منهم قد تمّ تضمينهم في الصفين الثاني والثالث من الورثة؛ أي نصيبهم في مال هذه العائلة.

وفي التنظيم الداخلي للأسرة، يكون الرجل في موقع المسؤول والمُشرف العام لها، وفي الواقع هو أكبر فرد في الأسرة الممتدة الذي يَشغل منصب الرأس فيها، وتقع المسؤوليات الرئيسية للرجل خارج الأسرة وداخلها عليه، ويدعم الأسرة اقتصاديًا وماديًا، وعليه أن يعتني بعلاقات الأسرة مع بقية المجتمع، وعليه أن يعتني بمتطلبات الانضباط الداخلي داخل الأسرة.

وتقع المسؤوليات الرئيسية على المرأة داخل الأسرة، هنا أيضًا تعتبر المرأة الأكبر سناً مركز تنظيم الأسرة، ولكن بكل طيبة وعدل، وتتمتع تلك المرأة التي تُشكّل جوهر الأسرة بالمكانة المركزية النسبية فيها، ولقد تمَّ تطوير مجموعة من الحقوق والمسؤوليات المتبادلة بطريقة يتم فيها تطوير العلاقات المتوازنة بين الجميع.

الأسرة ضمن المنظومة الاجتماعية الإسلامية

العائلة جزء من المنظومة الاجتماعية الإسلامية، إن المجتمع الذي يرغب الإسلام بتأسيسه ليس مجتمعًا حساسًا ومليئًا بالأمور غير العقلانية بين الزوجين، ويؤسس الإسلام مجتمعًا ناضجًا، يتمتع بمستوى عالٍ من الوعي الأخلاقي، والالتزام القوي والتوجه الهادف لجميع السلوك البشري، إن نظامها ليس نظامًا مفروضًا، ولكنه نظام ينبع من التزام كل فرد بقيم ومُثُل الإسلام، وتسود في هذا المجتمع درجة عالية من المسؤولية الاجتماعية، ويعمل النظام بأكمله بطريقة تقوي الأسرة في المجتمع.

والأسرة مَحميّة من خلال حظر ممارسة الاختلاط بين الجنسين خارج إطار الزواج، وقد حرمت الشريعة الإسلامية الزنا وجعلته جريمة يُعاقَب عليها القانون، وسدَّت كل الطرق التي تؤدي إلى هذا الفعل، وكل ما يُمهد له يتم فحصه وإزالته، وهذا هو السبب في تحريم الاختلاط بأي شكل من الأشكال.

وإن نظام الحجاب الإسلامي هو نظام واسع النطاق يحمي الأسرة وهيكلها في المجتمع، ويُغلق تلك السُّبل التي تؤدي إلى ممارسة الجنس غير المشروع، أو حتى الاتصال العشوائي بين الجنسين في المجتمع، ويصف ويضع النظام الإسلامي القواعد واللوائح الأساسية المُتعلقة باللباس وأنماط السلوك وقواعد العقد بين الجنسين، وعدد من الأسئلة الأخرى المركزية أو المُلحَقة به.

إن نظام العائلة السليمة والمتزنة هو أساس المجتمع الخالي من الأمراض الأخلاقية فيه، وفي الواقع إنه أصل المجتمع المُتقدّم، ويجعل هذا المجتمع قريب من الله تعالى، ومن هذا يجب أن نبتكر جوًا يهدف إلى مثال الأسرة الجيدة؛ ولا يمكنها تحقيق هدفها الا بهيكل سليم لها، ولا يمكن اعتبار أي مجتمع سليم ما لم يكن له قانون مُحدد جيدًا للحياة الأسرية، ويوضح صراحةً الدور والمسؤولية الدقيقة لكل فرد من أفراد الأسرة، فالأسرة هي هيكل متماسك من البيئة الإنسانية.


شارك المقالة: