الارتباط الجيني البيئي

اقرأ في هذا المقال


مفهوم الجينات:

الجينات هي التعليمات التي تملي كيفية تكوين جسم الشخص، وبنفس الطريقة التي تعد بها المخططات تعليمات لبناء منزل، تسمح المعلومات المستمدة من الجينات للجسم بمعرفة الخصائص التي سيكون لدى الشخص، مثل ما إذا كان لديه آذان مشعرة أو خالية من الشعر أو ذقن صغير أو كبير، كما تأتي هذه التعليمات من الوالدين بحيث عندما تختلط جيناتهم معًا وتتشكل مجموعة من الجينات، وهذا هو السبب في أن الأفراد غالبًا ما يبدو وكأنهم خليط من آبائهم، فاذا كان لدى الفرد عيون أم زرقاء اصبح لون عيونه زرقاء، إن كل شخص تقريبًا لديه معلومات مختلفة في جيناته وهو أمر منطقي نظرًا لمدى التنوع في كيفية ظهور الناس وتصرفهم.

لا توجد الجينات في الفراغ، إذ على الرغم من أن جميع الكائنات الحية تعيش أيضًا في بيئة مهمة للغاية في تحديد ليس فقط متى وكيف تعبر الجينات عن نفسها؟ ولكن أيضًا في أي مجموعة، حيث يمثل كل واحد تفاعلًا فريدًا بين تركيبته الجينية والبيئة، ونطاق رد الفعل هو إحدى طرق وصف هذا التفاعل.

يؤكد نطاق التفاعل أن الجينات تضع الحدود التي يمكن العمل ضمنها وتتفاعل البيئة مع الجينات لتحديد المكان الذي ستقع فيه في هذا النطاق، وعلى سبيل المثال إذا كان التركيب الجيني للفرد يهيئها لمستويات عالية من الإمكانات الفكرية وترعرعت في بيئة غنية ومحفزة، فمن المرجح أن تحقق إمكاناتها الكاملة أكثر مما لو كانت قد نشأت في ظل ظروف شديدة الحرمان، حيث وفقًا لمفهوم نطاق التفاعل تضع الجينات حدودًا محددة للإمكانات، وتحدد البيئة مقدار هذه الإمكانات التي يتم تحقيقها.

يمكن أن تحمل الجينات تعليمات يمكن أن تزيد من احتمالية إصابة الفرد بأمراض أو حالات معينة، على سبيل المثال لدى كل من زوجين جينات مرتبطة بالسمنة يمكن لجيناتهم أن تخبر أجسادهم بما يلي:

  • زيادة حجم خلاياهم الدهنية أو إملاء كيفية استخدامهم للدهون في أجسامهم.
  • تطلق مواد كيميائية مثل الهرمونات التي تتحكم في الجوع والشهية.
  • تأثير على السلوك حيث يتفاعل كل من الفردين مع بيئتهما.

 تأثير تجارب الحياة على الجينات:

لنفترض أن انثى نشأت من قبل الآباء الأثرياء الذين يمكنهم الوصول إلى أفضل الأطعمة وأكثرها صحة، حيث يطبخ والداها وجبات مغذية مثل أكلة الخضار وحساء العدس ويحدان من كمية السكر والملح والدهون التي تستهلكها ابنتهما، كما تتعلم حب الفاكهة والخضروات ولا تتوق إلى الأطعمة المالحة أو الحلوة بشكل مفرط، ويمتلك والداها وقتًا طويلاً للعب معها وتعليمها أن تعيش أسلوب حياة نشط، ومن خلال تناول الأطعمة المغذية والحفاظ على النشاط البدني لا يتم التعبير عن الجينات التي تزيد من فرصتها في الإصابة بالسمنة ولا تصاب بالسمنة أبدًا.

بينما ذكر أخر تربى على يد آباء ذوي دخل منخفض يعيشون في منطقة يكون فيها الطعام الصحي الطازج نادرًا ومكلفًا، ونظرًا لأن والديه لا يستطيعان شراء الفواكه والخضروات يأكل الذكر الكثير من الوجبات المجمدة والمعلبة والوجبات السريعة التي تحتوي على نسبة عالية من السكر والدهون والملح، ويعمل والداه في وظائف متعددة ويقضي وقته بمفرده أمام التلفزيون، تعزز عادات الذكر في الأكل والنشاط البدني من التعبير الجيني عن السمنة.

الخصائص (السمات والسلوكيات الجسدية) التي ولد بها  الفرد وما واجهته طوال حياته مهمان، حيث يمكن أن تؤثر الخصائص على تجاربه ويمكن أن تؤثر تجاربه على خصائصه، ويمكن أن تتغير العلاقة بين الجينات والسلوك بمرور الوقت إذا كان لدى الفرد تجارب جديدة، وفي بعض المواقف تلعب الجينات دورًا أكبر في تحديد السلوك، أما في مواقف أخرى تلعب البيئة دورًا أكبر في التأثير على السلوك.

يمكن للعلماء النظر في تأثير الجينات على السلوك باستخدام صيغة رياضية تسمى تقدير التوريث، حيث تعطي تقديرات التوريث معلومات حول مدى تأثير الجينات على السلوك في بيئة معينة، في فصيلة الدم كمثال في مجموعة من الأصدقاء، ربما يوجد بعض الاختلاف في فصيلة الدم، وإذا كانت الاختلافات في فصيلة الدم تتأثر في الغالب بالجينات فإن تقدير التوريث سيعكس ذلك.

يمكن أن تتراوح تقديرات التوريث من 0 إلى 1 بحيث عندما يكون التقدير أعلى (أقرب إلى 1)، فهذا يعني أن الجينات لها تأثير أكبر على السلوك، وهي محل الاهتمام كما هو الحال مع فصيلة الدم، وعندما يكون التقدير أقل (أقرب إلى 0) فإنه يعكس تأثيرًا أكبر للبيئة على السلوك، ولدراسة التوريث يستخدم العلماء معلومات من توائم متطابقة انفصلا عند الولادة، ويفعلون ذلك؛ لأن المادة الجينية لتوائم متطابقة هي نفسها تقريبًا، مما يجعل من السهل تحديد التأثير النسبي للبيئة.

ما هي تقديرات التوريث:

لفهم تقديرات التوريث بشكل أفضل، مثلا في بلدة حيث يندر الطعام الصحي، وكثير من الجيران لا يحصلون على ما يكفي من الطعام ويعانون من سوء التغذية، وتتناقص القدرة الرياضية، فسيصبح توريث الألعاب الرياضية أقرب إلى الصفر؛ لأن تجاربهم في بيئة فقيرة ماليًا قد أعاقت الجينات المرتبطة بالرياضة، ومن ناحية أخرى عند تناول الكثير من الأطعمة الصحية ذات التغذية الجيدة، وعند النظر إلى القدرة الرياضية، فإن تقدير التوريث يكون أقرب إلى 1؛ لأن الخبرات في بيئة ميسورة التكلفة مكنت الجينات الرياضية من التعبير عنها.

لا يخبرنا تقدير التوريث عن فرص الشخص في وراثة سمة وراثية معينة، بحيث ليس لدى الفرد فرصة أكبر في أن يكون رياضيا لأنه يعيش في حي ميسور الحال، إذ تزودنا تقديرات التوريث بمزيد من المعلومات حول مجموعات من الناس، ويمكن تفسير المستويات المتفاوتة من الرياضة بين الناس في الحي الذي تعيش فيه بالاختلافات في التركيب الجيني والاختلافات في تجارب حياتهم، وعندما نحسب تقدير التوريث فإنه يقيس مقدار الاختلافات التي يمكن تفسيرها بواسطة كل عامل:

  • إن تقديرات التوريث لا يمكن تعميمها أو تطبيقها على مجموعات سكانية مختلفة، حيث أن ما يقيسه تقدير التوريث أو التأثير النسبي للجينات والبيئة، وإذا كان هناك تغيير في البيئة فإن تقدير التوريث سيتغير أيضًا.
  • كل تقدير خاص جدًا بمجموعة واحدة من الأفراد وبيئتهم، مما يعني أنه لا يمكن تعميمه ومع ذلك، يمكننا النظر إلى مجموعات كبيرة من الأشخاص وتطوير مجموعة من التقديرات لإخبارنا المزيد عن سمة معينة من سمات الاهتمام، إذ يسمح النطاق بالاختلافات الشخصية والمجموعات الصغيرة التي تتأثر ببيئات معينة، ولكنها لا تزال تعطينا معلومات مهمة حول الاختلافات في سمات الأشخاص.
  • تعتبر التفاعلات بين الجينات وبالبيئة مهمة بشكل خاص خلال التطور المبكر، على سبيل المثال يمكن أن يؤدي التعرض للسموم أثناء الحمل وبعده مباشرة إلى إحداث تأثيرات دائمة على صحة الطفل، فالأطفال الذين يتعرضون لمبيدات الآفات في سن مبكرة يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشاكل الصحة العقلية في وقت لاحق من الحياة.

إن الطريقة التي يجري بها الفرد المحادثة والرد على الفشل وتكوين علاقات مع الآخرين والتصرف بشكل عام مرتبطة جزئيًا بعلم الوراثة الخاص به، ولكن خبراته في العالم والحياة تشكل أيضًا مواقفه وسلوكياته، وهذا المزيج من الجينات والتجارب الخاصة به يشكل في النهاية هويته ويؤثر على سلوكه.


شارك المقالة: