النخبة السياسية

اقرأ في هذا المقال


إن من أهم موضوعات علم الاجتماع السياسي هي نظرية النخبة السياسيّة، التي يذهب أنصارها إلى أنّها حقيقة موضوعيّة؛ لأن الشواهد التاريخيّة وواقع المجتمعات السابِقة والمعاصرة، تتميّز بوجودِ أقليّة حاكمة محتكرة لأهمّ المناصب السياسيّة والاجتماعيّة، أيضاً تكون بيدها مقاليد الأمور، والأغلبيّة محكومة ومنقادة وليس لها أيّ صلة بصنع القرار السياسيّ بشكلٍ عام.

ما هي النخبة السياسيّة؟

يُعتبر رايت ميلز من أوائل الباحثين الذين أثاروا الانتباه لموضوعِ النخب. وذلك حتَّى يتم فهم سياقات التحكّم في دواليبِ المجتمع، هنا يُبيّن في كتابه النخبة الحاكمة أن هناك فئة معينة، هي التي تمسك بزمامِ الأمور في مقابل شعب تابع ومقصي من دوائرِ الانشغال.
عرّف باريتو النخبة: أنها مجموع الناس الذين يظهرون صفات استثنائية. ويثبتون تمتعهم بكفاءات عالية في بعض المجالات أو بعض النشاطات. ويبقى التعريف التقليدي للنخبة عاماً لا يتميّز بالتدقيق، الذي يذهب أيضاً إلى أن النخبة: هي تلك المجموعة من الأفراد التي تملك قدراً من التأثير والنفوذ أكثر من الآخرين. ويغيب عن هذا التعريف التّحديد والوضوح لمفهومِ السّلطة، بحيث أن السلطة قد تعني في بعض الأحيان هي (قدرة بعض الأشخاص على التأثيرِ في أشخاصٍ آخرين)، أيضاً القدرة على التأثيرِ في صنع القرار. ولقد أثارت هذه الفكرة المفسّرة للتاريخِ بأنه مقبرة النخب، حيث أثارت سخط الماركسيين الشيوعيين الذين اعتبروها نظرية نخبويّة متعالية .
ويأتي هُنا الرائد الثاني (موسكا) الذي يضيف على تعريف باريتو قائلاً: إن من أهم أسباب تميّز الطبقة الحاكِمة عن الطبقة المحكومة، فهو هُنا لا يأخذ بالمدلول الماركسي لمعنى الطَّبقة، بل هو قوّة تنظيم الأولى؛ أيّ قوّة الطبقة الحاكمة. ووجود دافع وهدف معيّن تسعى إليه في مواجهة أغلبيّة غير منظمة، إلا أنه هُنا يؤكد على أهميّة اعتماد طبقة الحاكمين على موافقةِ ورضى الجماهير. وهذا الطّرح يقرّب ما بين نظريّة النخبة السياسيّة والديمقراطيّة عكس ما انتهى إليه باريتو.

أنواع النخب السياسيّة:

يدلّ الواقع المجتمعي الإنساني على تميّز قلّة من الأَفراد في مختلفِ الميادين، فنجد أشخاص لهم مميزات وقُدرات تختلف عن باقي الأفراد، حيث ترفعهم إلى مرتبةٍ خاصة؛ ممّا يمكّنهم من لعب دور فعّال داخل المجتمع له تأثير على تجديدِ أو تكريس قيم المُجتمع، فهذه المجموعة من الأفرادِ أو النخبة قد تكون لها قدرات ذات طبيعة ثقافيّة أو دينيّة أو علميّة متميزة، فتكون بذلك إمّا نخبة ثقافيّة أو نخبة اقتصاديّة أو نخبة دينيّة وغيرها.

خصائص النخبة السياسيّة:

يميز النخّب مجموعة من الخصائص. ومن أبرز هذه المميزات والخصائص:

  • الانسجام: من حيث السّن والتنشِئة والمنحدرات.
  • الوحـدة: حيث أنَّها تشكّل خاصيّة أساسية على اعتبارِ، أن النخبة السياسيّة وبغاية الاستمراريّة في الحكم، تسعى إلى الحفاظِ على مصالحها الاقتصاديّة في ظلّ الوحدة .
  • القلـة: إن في هذا الإطار ما يميز النخّبة، هو عدم الكَثرة.

محددات النخبة السياسيّة:

أجمع الباحثون على أن أبرز إشكال يطرح في موضوعِ النخب السياسيّة، هو ماهيّة محددات الانتماء للنخّبة. وفي هذا الصدد تمّ الاجماع على أنَّها ليست واحدة، حيث يبرز في هذا الإطار عامِل الوراثة والحظ أو الصدفة، بالإضافةِ إلى النسب إلى جانب عامل الكاريزما من خلالِ النزوع نحو القيادة، من دون إغفال عاملٍ أساسي محدد للنخب السياسيّة ويتمثل في التّعليم.

النخبة ما بين السياق السياسيّ والإجتماعي:

ينظر إلى النخب السياسيّة على أنها تختلف في طبيعة تأثيرها، وفقاً لما تتمتع به من قوّة ونفوذ؛ لذلك فإن أقوى هذه النخب وأشدها نفوذاً هي تلك النخبة التي نطلق عليها مُسمَّى النخبة المركزيّة، التي تتكوّن من كبار رجال الدّولة في أجهزتها التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة، حيث تدور في فلك هذه النخبة المركزيّة نخب سياسيّة واجتماعيّة متعددة.
من النخب السياسيّة: النخب الحزبيّة التي تتكون من قادة الأحزاب الرئيسيّة، أيضاً الأحزاب التي في طور التّشكيل. والنخب السياسيّة في المدن والقرى، التي تتكون من الزعماء المحليّين وأعضاءِ المجالس المحليّة والقادة المحلييّن.

النخبة الأوليغارشيّة:

أجمع مفكرو النخبة على أنها أقليّة، هناك عدّة تعريفات تخلق التباس وتداخل بين مفهوم النخبة. ومفهوم الأوليغارشيّة أيّ حكم الأقليّة، فالنخبة السياسيّة أقليّة حاكمة ولكنّ ليس كلّ أقلية حاكمة نخبة سياسيّة، أو تخضع في تحليلِها لنظرية النخّبة، فقد تكون هذه الأقليّة حكماً استبدادياً أو قلة عسكريّة تُسيطر على مقاليدِ الأمور والديمقراطيّة بمفهومها المثالي هو حكم الشعب بالشعب، نظام سياسي يعتمد على آليّة التوافق بين الجانبين وتأخذ شيء من كلّ منها وهو حكم النخبة الأقليّة، التي تحظى برضى وقبولِ المجتمع، فالنظم السياسيّة في الأنظمةِ الديمقراطيّة محكومة من طرف أقليّة. وهذا ما يؤكده الواقع ولكنّها أقلية تستند على رضى الشّعب وموافقته، أيضاً تحترم قواعد المُمارسة الديمقراطية بمفهومها المُعاصر، فعليه يمكن القول أن الديمقراطيّة هي التي تشكّل الضمانة بأن من هم في السلطة نخبة المُجتمع بالفعل وليست أقليّة فحسب. وعليه يمكن أن نقول بأن حكم الأقليّة يعتمد على الشّرعيّةِ، لكن حكم النخبة لا يكون إلّا مع وجودِ المشروعيّة.

المصدر: دور النخبة السياسية الفلسطينية في تكوين رأس المال الاجتماعي، ناديا أبو زاهرالنخبة السياسية و دورها في التنمية السياسية في الجزائر، ناصر الدين الطاهرموسوعة علم السياسة، ناظم عبد الواحد الجاسور


شارك المقالة: