منهج تحليل النظم

يعتمد نموذج تحليل النظم على أنَّ النظام هو وحدة التحليل، فالنظام هو مجموعة من العناصر أَو الاجزاء التى ترتبط فيما بينها وظيفياً بشكل منظم بما يتضمّنه ذلك من تفاعل واعتماد متبادل ( التغيير في عنصر أو جزء ما يؤثر على بقية العناصر أَو الأجزاء الاخرى)، بهذا المعنى يمكن دراسة الحياة السياسية كنظام على اعتبار أَن التفاعلات السياسية في مجتمع ما تشكل نظاماً للسلوك.

ديفيد إيستون:

هو صاحب النموذج التحليلي لتحليل النظم السياسية ، ولد في الولايات المتحدة عام 1917، هو أستاذ العلوم السياسية بجامعتي كاليفورنيا وشيكاغو، وَكان الرئيس السابق لِلجمعية الأمريكية للعلوم السياسية، ويعدُّ من أبرز المفكرين السياسيين الذين لهم إسهامات في مَجال التَّحليلات وَالبحوث السياسية التي تنظر إلى الظواهرالسياسية نظرة وظيفية وَيعدُّ من أهم الكتاب والأكاديميين المُتخصصين في مَجال تحليل النظم السياسية، وتعمد ديفيد إيستون في كِتابه المسمى ( The Political System ) إلى الربط بين تفسير الوظيفة التي يُؤديها النِظام السياسي داخل المجتمع وَالظاهرة السياسبة التي حصرها وأطلق عليه إيستون بعملية التخصيص السُّلطوي لِلقيم، وعرّف السياسة أنها التوزيع السلطوي للقيم المختلفة في المجتمع.

النظام السياسي عند إيستون:

قدم إيستون إِطاراً لتحليل عملية النظام السياسي يرى فيه دائرة متكاملة ذات طابع ديناميكي تبدأ بالمدخلات وَتنتهى بالمخرجات مع قِيام عملية التغذية الاسترجاعية عن طريق الربط بين المُدخلات وَالمخرجات.

المدخلات:

هى التأثيرات وَالضغوط التى يتعرَّض لها النظام السياسي وَتدفعه إلى النشاط والحركة، وهذه المدخلات تنبع من البيئة ومن داخل النِظام نفسه، فََكل نظام سياسي يكون مفتوحاً لِتلقى تأثيرات البيئة التى يوجد فيها فحدوث أزمة اقتصادية أو تحول في البناء الطبقي أو تغيير في القيم الثقافية يُؤثر على النظام السياسي، وَهناك مؤثّرات البيئة الخارجية (مقاطعات اقتصادية غزو عسكري، مساعدات تقدم للدولة) التى تؤثر في عَمل النِظام السياسي .
وقسم إيستون المُدخلات إلى قسمين:
ا- المَطالب: الرغبات الإاجتماعية، وَخاصة تِلك المتعلقة بكيفية توزيع القيم وَتحقيق أهداف المجتمع وقد تكون عامة أو خاصة، ويتم التعبير عنها وَبلورتها في برامج مبسطة عن طريق جماعات المصالح والأحزاب وقادة الرأي ووسائل الإعلام بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ومن ثُم يستطيع النظام السياسي أن يستجيب لها بصورة أكثر فعالية، وكذلك يتأثّر بنوعية وحجم المطالب باعتبارات معينة كالتفاوت بين قدرات المواطنين في الوصول إلى جهاز صنع القرار، وأن الأمر الذى يرتبط باعتبارات النفوذ والثروة والمكانة فالنظام لا يستطيع الاستجابة لكلِّ المطالب نظراً لندرة وقلة الموارد المتاحة مما يجعلهُ يلبي مطالب أصحاب النفوذ الأغنياء الذين يشكّلون المصدر الهام لعملية للتأييد.
ب- المساندة: الاتجاهات وَالمواقف سواء المؤيد منها أو المعارض للنظام ويَعتمد استمرار النظام على ضمان حدٍّ أدنى مِن الولاء وَالمساندة لأنه إذا نَقص التأييد أصبح النظام فى خطر وتهديد من البيئة المحيطة به.

 وظائف المدخلات:

يعد آلموند رائد البنائية الوظيفية في علم السياسة وقد نَشر أول عمل لهُ عام 1956 في مقال عنوانه (النظم السياسية المقارنة) متأثراً بكتاب ديفيد إيستون، رَكَّز الباحثان في كتابهما على وظائف النظام السياسي عند المدخلات:

• وظيفة التنشئة السياسية والتجنيد السياسي: من خلالها يتم نقل ثقافة المجتمع عبرالأَجيال من جيل إلى جيل آخر، بواسطة العديد مِن المُؤسسات المجتمعية كالأُسرة، المدرسة، دور العبادة، وَوسائل الإِعلام.
  
• وظيفة التعبير عن المصالح : تقوم الجماعات المختلفة بالعتبيرعن مَصالحها من خلال القنوات الشرعية للتعبير عن مطالبهم، إلا أنه هناك الكثير ما يتم التعبيرعن هذه المصالح من خلال القنوات غيرالشرعية باستخدام العُنف الذي يؤثر على استقلال النظام .
  
• وظيفة الاتصال السياسي: وظيفة تقوم بِها أَجهزة الإِعلام وَجماعات المصالح والضغط حيث تلعب دوراً في توفير الاتصال الذي يتيح فرصة للنظام السياسي القيام بوظائفه المختلفة بصورة أسهل وأسرع.
  
• وظيفة تجميع المصالح: الموالفة بين المطالب لتقديمها على شكل مقترحات على صانعين القرارن وأنَّ وجود أبنية تقوم على تجميع المصالح كَالأحزاب تُخفّف الكثير مِن الأعباء على صانعي القرار، وَبالتالي تزيد من القدرة الاستجابية لِلنظام.
  

يتحدث إيستون عن نوعين من التأييد:

التَأييد العام: فَالنظام يسعى لِفرض مستوى عالٍ مِن التأييد العام لدى أعضائه، حيث يستمرون على ولائهم دون اعتبار لِلمزايا المادية والمعنوية التى تعود عليهم، وهذا الولاء هو نتيجة عملية التنشِئة السياسية التى تؤكد على معاني الوَطنية والولاء لِلقيادة وَالدستور وَالدولة، فالتأييد العام هُو بِمثابة أصول يعتمد عليها النِّظام في مباشرة عملية التخصيص السلطوي للقيم.
التَأييد الخاص: هوالمساندة وَالتأييد الذى يحصل عليهِ النِظام مقابل ما يُقدمهُ مِن منافع خاصة لِأعضائه، ويكون بِمثابة الرضا الذى يشعر به الفرد حينما يتصوّر أن مطالبه قَد تحقَّقت.

التحويل أو العمليات:

وهى تشير إلى استيعاب المَطالب وَالاحتياجات في أبنية النظام التشريعية والتنفيذية، فَالمطالب تمر بعملية تحول طويلة داخل أبنية النظام قبل أن تظهر على شكل مخرجات، إن التحويل هو بمثابة عملية غربلة وَتصفية.

المخرجات:

هي بمثابة القرارات والأفعال واستجابة النظام للمطالب والإحتياجات الفعلية أو المتوقعة، بِعبارة أخرى السياسات والقرارات التى تتعلق بالتوزيع السلطوي لِلموارد والقيم .
هذه المخرجات قد تكون:
1- إيجابية : حينما تحاول السلطة تَعديل البيئة أو النظام السياسي من خلال الوفاء بالمطالب وَتلبيتها.
2- رمزية: مثل الوعود والعروض العسكرية وإثارة مشاعر الخوف والرهبة من وجود تهديد خارجي أو انقسام داخلي.
3- سلبية: وذلك حينما تلجأ السلطة إلى الإرهاب والقسر كي تضمن الحفاظ على النظام السياسي واستقراره.

وظائف المخرجات:

الموند وباول أثناء دِراستهما لِلبلدان النامية قد ميّزا بين أربعة وظائف رئيسية للنظام السياسي على مستوى المخرجات:

1. وظيفة صنع القواعد: وضع السياسات واتخاذ القرارت، ويتم ذلك من خلال السلطة التشريعية.
   
2. وظيفة تنفيذ القواعد: عن طريق تَطبيق القَواعد والقرارت، ويتم ذلك بِواسطة السلطة التنفيذية وَالجِهاز الإِداري.
   
3. وظيفة التقاضي حول القواعد: إصدار الأحكام القضائية الملزمة بحق من لا يلتزم في حالة التنازع حول القواعد.
   

التغذية الاسترجاعية:

وَتشير إلى تدفق المعلومات من البيئة المحيطة إلى النظام السياسى الناتجة عن أفعاله (أي عن الأثار التى أحدثتها قرارات وسياساته ، بهذا المعنى تُربط المدخلات بِالمخرجات في عملية مستمرة، فَالمخرجات فيها تكون بِمثابة ردود فعل لِلمدخلات، وهذه بدورها تتَأثر بِالمخرجات.
وتكمن أهمية التغذية الراجعة في أنها عملية ضرورية لِبقاء النظام واستمرارهِ فعلى أساس بما حدث ويحدث بِالنسبة للمدخلات تصبح السلطة أكثر قدرة على الاستجابة، إمَّا بِالمضي في سلوكها السابق أو تعديله أو بالتخلي عنه، فالتغذية العكسيّة الفعالة التي تتميَّز بأقصى ما يمكن من دقّه وأقل ما يمكن من تأخير تضمن الاستجابة الفعالة، وفى حالة غيابها يتعرَّض وجود النظام للخطر والتهديد.
ما يميزنموذج إيستون هو إدخاله لمفاهيم جديدة للتحليل وإبراز الطابع الحركي للنظام السياسي من خلال التأكيد على التفاعل وَالأنسجام بين النظام والبيئة المحيطة وبين مختلف أجزاء النظام، وَدوره في مساعدة الباحث في جمع وتصنيف المعلومات وعرض نتائجها، وَأيضاً لفت الانتباه إلى مشكلات هامة للبحث مثل: ما هى أغراض النظام؟ وما هى الوحدات المكونة لِلنظام؟ ما هي المحدّدات البيئية لِلنظام؟ وكيف يتفاعل النظام مع البيئة المحيطة؟ وكيف تتفاعل وحدات النظام مع بعضها البعض؟ كيف يحافظ النظام على نفسه؟