الميكانيك الكمومي

اقرأ في هذا المقال


ما هي ميكانيكا الكم؟

تعرف ميكانيكا الكم بأنها علم يتعامل مع سلوك المادة والضوء على المقياس الذري ودون الذري، حيث إنه يحاول وصف وتفسير خصائص الجزيئات والذرات ومكوناتها من إلكترونات وبروتونات ونيوترونات وغيرها من الجسيمات الباطنية مثل: الكواركات والغلوونات، وتتضمن هذه الخصائص تفاعلات الجسيمات مع بعضها البعض ومع الإشعاع الكهرومغناطيسي (أي الضوء والأشعة السينية وأشعة جاما).

غالباً ما يبدو سلوك المادة والإشعاع على النطاق الذري غريباً، وبالتالي يصعب فهم عواقب نظرية الكم وتصديقها، إذ تتعارض مفاهيمها كثيراً مع مفاهيم الفطرة السليمة المستمدة من ملاحظات العالم اليومي، ومع ذلك لا يوجد سبب يجعل سلوك العالم الذري يتوافق مع سلوك العالم واسع النطاق المألوف.

من المهم أن ندرك أن ميكانيكا الكم هي فرع من فروع الفيزياء، وأن عمل الفيزياء هو وصف وتفسير الطريقة التي يكون بها العالم على كل من المقياس الكبير والصغير، وليس كيف يتخيله المرء أو يرغب فيه، وتعتبر دراسة ميكانيكا الكم مجزية لعدة أسباب أولاً: يوضح المنهجية الأساسية للفيزياء، ثانياً لقد نجح بشكل كبير في إعطاء نتائج صحيحة عملياً في كل موقف تم تطبيقه عليه، ومع ذلك هناك مفارقة مثيرة للاهتمام.

على الرغم من النجاح العملي الساحق لميكانيكا الكم، فإن أسس الموضوع تحتوي على مشاكل لم يتم حلها على وجه الخصوص كالمشاكل المتعلقة بطبيعة القياس، ومن السمات الأساسية لميكانيكا الكم أنه من المستحيل عموماً حتى من حيث المبدأ قياس نظام دون الإخلال به، حيث إن الطبيعة التفصيلية لهذا الاضطراب والنقطة الدقيقة التي تحدث فيها غامضة ومثيرة للجدل وهكذا، جذبت ميكانيكا الكم بعضاً من أمهر العلماء في القرن العشرين، كما أنهم أقاموا ما قد يكون أفضل صرح فكري في تلك الفترة.

الأساس التاريخي لنظرية الكم:

على المستوى الأساسي فإن كل من الإشعاع والمادة لهما نفس خصائص الجسيمات والأمواج، حيث إن الاعتراف التدريجي من قبل العلماء بأن الإشعاع له خصائص شبيهة بالجسيمات، وأن المادة لها خصائص موجية قد وفر الزخم لتطوير ميكانيكا الكم.

وبتأثير من نيوتن اعتقد معظم علماء الفيزياء في القرن الثامن عشر أن الضوء يتكون من جسيمات أطلقوا عليها اسم “الجسيمات”، ومنذ حوالي عام 1800، بدأت الأدلة تتراكم على نظرية موجات الضوء، حيث في هذا الوقت تقريباً، كما أوضح توماس يونغ أنه إذا مر ضوء أحادي اللون عبر زوج من الشقوق فإن الشعاعين الناشئين يتداخلان، بحيث يظهر نمط هامشي من النطاقات الساطعة والمظلمة بالتناوب على الشاشة.

يتم شرح العصابات بسهولة من خلال نظرية الموجة للضوء، ووفقاً للنظرية يتم إنتاج شريط لامع عندما تصل قمم (وقيعان) الأمواج من الشقين معاً إلى الشاشة؛ إذ يتم إنتاج شريط مظلم عندما تصل قمة إحدى الموجات في نفس وقت وصول قاع الموجة الأخرى، كما يتم إلغاء تأثيرات حزمتين من الضوء.

ومنذ بداية عام “1815” للميلاد أظهرت سلسلة من التجارب التي أجراها أوغسطين جان فريسنل من فرنسا وآخرون أنه عندما يمر شعاع متوازي من الضوء عبر شق واحد، فإن الحزمة الناشئة لم تعد متوازية ولكنها تبدأ في التباعد؛ وتُعرف هذه الظاهرة بالحيود، إذ أنه وبالنظر إلى الطول الموجي للضوء وهندسة الجهاز (أي فصل وعرض الشقوق والمسافة من الشقوق إلى الشاشة)، يمكن للمرء استخدام نظرية الموجة لحساب النمط المتوقع في كل حالة؛ وتتفق النظرية بدقة مع البيانات التجريبية.

قانون بلانك للإشعاع:

بحلول نهاية القرن التاسع عشر قبل الفيزيائيون بشكل شبه عالمي نظرية موجات الضوء، ومع ذلك على الرغم من أن أفكار الفيزياء الكلاسيكية تشرح التداخل وظواهر الانعراج المتعلقة بانتشار الضوء، إلا أنها لا تفسر امتصاص الضوء وانبعاثه.

تشع جميع الأجسام طاقة كهرومغناطيسية على شكل حرارة؛ حيث إنه وفي الواقع يصدر الجسم إشعاعاً على جميع الأطوال الموجية، كما أن الطاقة المشعة عند أطوال موجية مختلفة هي الحد الأقصى لطول موجة يعتمد على درجة حرارة الجسم؛ فكلما كان الجسم أكثر سخونة، كان الطول الموجي أقصر لأقصى قدر من الإشعاع.

لم تنجح محاولات حساب توزيع الطاقة للإشعاع من جسم أسود باستخدام الأفكار الكلاسيكية، (الجسم الأسود هو جسم أو سطح مثالي افتراضي يمتص ويعيد إرسال كل الطاقة المشعة التي تسقط عليه)، و​​إحدى الصيغ التي اقترحها فيلهلم وين الألماني لم تتفق مع الملاحظات على أطوال موجية طويلة، وأخرى اقترحها اللورد رايلي (جون William Strutt) من إنجلترا، الذي يختلف مع أولئك الذين لديهم أطوال موجية قصيرة.

في عام 1900 قدم الفيزيائي الألماني ماكس بلانك اقتراحاً جريئاً، بحيث افترض أن الطاقة الإشعاعية تنبعث ليس بشكل مستمر، ولكن في حزم منفصلة تسمى الكميات، وترتبط الطاقة E للكم بالتردد ν بواسطة( E = hν)، إذ أن الكمية h المعروفة الآن باسم ثابت بلانك، هي ثابت عالمي بقيمة تقريبية تبلغ (6.62607 × 10−34) جول/ ثانية، وأظهر بلانك أن طيف الطاقة المحسوب يتفق بعد ذلك مع المراقبة على نطاق الطول الموجي بأكمله.

أينشتاين والتأثير الكهروضوئي:

في عام 1905 مدد أينشتاين فرضية بلانك لشرح التأثير الكهروضوئي، وهو انبعاث الإلكترونات بواسطة سطح معدني عندما يتم تشعيعها بالضوء أو الفوتونات الأكثر نشاطًا، وتعتمد الطاقة الحركية للإلكترونات المنبعثة على التردد ν للإشعاع، وليس على شدته؛ بالنسبة لمعدن معين، كما أن هناك تردد عتبة ν0 تحته لا تنبعث أي إلكترونات.

علاوة على ذلك، يحدث الانبعاث بمجرد أن يضيء الضوء على السطح؛ ولا يوجد تأخير يمكن اكتشافه، حيث أظهر أينشتاين أن هذه النتائج يمكن تفسيرها من خلال افتراضين؛ الأول أن الضوء يتكون من جسيمات أو فوتونات، تعطى طاقتها من خلال علاقة بلانك، والثاني أن ذرة في المعدن يمكنها امتصاص فوتون كامل أو لا شيء، ويحرر جزء من طاقة الفوتون الممتص إلكترونًا، وهو ما يتطلب طاقة ثابتة W تُعرف بوظيفة عمل المعدن، حيث يتم تحويل الباقي إلى الطاقة الحركية meu2 / 2 للإلكترون المنبعث (me كتلة الإلكترون و u سرعته)، وبالتالي فإن علاقة الطاقة (meu2 / 2+W=hν) إذا كانت أقل من 0، حيث hν0 = W، فلا تنبعث أي إلكترونات، إذ لم تكن جميع النتائج التجريبية المذكورة أعلاه معروفة في عام 1905، ولكن تم التحقق من جميع تنبؤات أينشتاين منذ ذلك الحين.

الخصائص الكمية:

تطورت ميكانيكا الكم (QM) على مدى عدة عقود، وبدأت كمجموعة من التفسيرات الرياضية المثيرة للجدل للتجارب التي لم تستطع رياضيات الميكانيكا الكلاسيكية تفسيرها، إذ بدأت في مطلع القرن العشرين، وفي نفس الوقت تقريباً الذي نشر فيه ألبرت أينشتاين نظريته في النسبية، وهي ثورة رياضية منفصلة في الفيزياء تصف حركة الأشياء بسرعات عالية.

كما أن هناك بعض الخصائص مثل: الموضع والسرعة واللون، يمكن أن تحدث أحياناً فقط بكميات محددة، مثل الاتصال الهاتفي الذي “ينقر” من رقم إلى رقم، وهذا تحدى الافتراض الأساسي للميكانيكا الكلاسيكية، والتي قالت أن مثل هذه الخصائص يجب أن توجد في طيف سلس ومستمر، ولوصف فكرة أن بعض الخصائص “نقرت” مثل قرص ذي إعدادات محددة فقد صاغ العلماء كلمة “مكمّ”.

أما في عام “1900” فقد سعى الفيزيائي الألماني ماكس بلانك إلى شرح توزيع الألوان المنبعثة عبر الطيف في وهج الأجسام الساخنة الحمراء والبيضاء الساخنة، مثل: خيوط المصباح الكهربائي، وعند فهم المعادلة التي اشتقها لوصف هذا التوزيع المادي، أدرك بلانك أنها تعني ضمناً أن مجموعات من ألوان معينة فقط (وإن كان عددًا كبيرًا منها) قد انبعثت، وتحديداً تلك التي كانت مضاعفات العدد الصحيح لبعض القيمة الأساسية.

وبطريقة ما تم تحديد الألوان، إذ كان هذا غير متوقع؛ لأنه تم فهم الضوء على أنه موجة، مما يعني أن قيم اللون يجب أن تكون طيفاً مستمراً، والذي يمكن أن يمنع الذرات من إنتاج الألوان بين مضاعفات الأعداد الصحيحة، حيث بدأ هذا غريباً لدرجة أن بلانك اعتبر أن التكميم ليس أكثر من خدعة رياضية، ووفقا لهيلج كراغ في مقالته عام “2000” في مجلة عالم الفيزياء، “ماكس بلانك، الثوري المتردد، واحتوت معادلة بلانك أيضًا على رقم سيصبح فيما بعد مهماً جداً للتطوير المستقبلي لإدارة الجودة.

جزيئات الضوء:

يمكن للضوء أحيانًا أن يتصرف كجسيم، حيث قوبل هذا في البداية بانتقاد لاذع، كما أنه كان يتعارض مع العديد من التجارب التي أظهرت أن الضوء يتصرف كموجة؛ يشبه إلى حد كبير تموجات على سطح بحيرة هادئة، ويتصرف الضوء بشكل مشابه من حيث أنه يرتد عن الجدران وينحني حول الزوايا، وأن قمم الموجة وقيعانها يمكن أن تتراكم أو تلغي.

تنتج قمم الموجة المضافة ضوءاً أكثر سطوعاً، بينما تنتج الموجات التي تلغي ظلاماً، ويمكن اعتبار مصدر الضوء على أنه كرة على عصا يتم غمسها بشكل إيقاعي في وسط بحيرة، ويتوافق اللون المنبعث مع المسافة بين القمم، والتي يتم تحديدها من خلال سرعة إيقاع الكرة.

موجات المادة:

يمكن للمادة أيضاً أن تتصرف كموجة، ويتعارض هذا مع ما يقرب من 30 عاماً من التجارب التي أظهرت أن المادة (مثل الإلكترونات) موجودة كجسيمات.


شارك المقالة: