كيف يكون توازن القشرة الأرضية؟
خلال عام 1889 قام الباحث الجيولوجي الأمريكي داتون C.E.Dutton بوضع واقتراح نظريته التي حاول أن يشرح ويوضح من خلالها الطريقة التي تتوازن بها كتل اليابس التي تتشكل من السايال SIAL فوق طبقة السيما SIMA، كما تم معرفة هذه النظرية باسم نظرية التوازن Theory of Isostacy.
وقد تم العمل على إدخال هذا التعبير خلال دراسة قشرة الأرض، بعد أن قامت دراسات الزلازل والمغناطيسية باثبات أن كتل السايال التي تتشكل منها كتل اليابس والتي يبلغ متوسط كثافتها 2.7 تتغلغل في طبقة السيما التي تملك متوسط كثافة يساوي 3.4 إلى أعماق تكون مناسبة بشكل طردي مع أحجامها.
كما أن هذا التعمق هو الذي يتسبب في بقائها واستمرار حالة التوازن بنفس الطريقة التي تتوازن من خلالها الأجسام المختلفة التي تطفو فوق سطح السوائل، أي أن الجسم إذا كان ثقيلاً كلما كان الجزء الغاطس منه في السائل كثيرًا، وبسبب أن مواد السيما ذات الصلابة كبيرة وقوية جدًّا، فإن تعمق كتل السايال فيها يتم ببطء شديد، كما تحتاج عمليات التوازن في هذه الحالة وقتًا طويلًا جدًّا، بخلاف ما يحدث عند توازن الأجسام التي تطفو فوق السوائل.
اعتماداً على نظرية التوازن نجد أن كتل اليابس تتغلغل في طبقة السيما إلى أعماق تتلائم مع أحجامها ومع أوزانها ولهذا السبب فإن هذا التعمق يكون واسع في مناطق الجبال أكثر بكثير من مناطق السهول أو المنخفضات، وكلما زادت الجبال ضخامة وكبر كان تعمقها أكبر، كما أن الأجزاء المتعمقة في السيما هي بمثابة جذور تحفظ لهذه الجبال أو لكتل اليابس عمومًا توزانها، من الممكن يصل امتداد هذه الجذور إلى تقريباً 40 كيلو مترًا في السيما.
هذا يحصل في مناطق الجبال الإنثائية الكبرى في القارات المختلفة، أما في الأماكن السهلية فإن هذا التعمق يكون معين ومحدد جدًّا؛ نظراً لأن سمك طبقة السيما تكون قليلة، وتكون ذات وزن صغير بالنسبة لهما في أماكن الجبال، واعتماداً على هذه النظرية يمكننا أن نتخيل ما يحدث إذا كانت عوامل التعرية قادرة على أن تمحو منطقة جبلية وتنقل تكويناتها إلى منطقة أخرى.
إن الذي يحصل في هذه الحالة هو أن المنطقة التي تراكمت عليها التكوينات تهبط بشكل تدريجي؛ بسبب الثقل المسلط عليها، فيزداد اعتمادا على ذلك العمق الذي تصل إليه جذورها في طبقة السيما، في حال يتناقص تعمق جذور المنطقة التي أزيلت تكويناتها في طبقة السيما بسبب قلة حجمها ووزنها.
وذلك يعني أن هناك عمليات توازن مستمرة ومتتابعة في قشرة الأرض، وأن هذه العمليات مرتبطة بما يحدث على السطح من تغيرات؛ بسبب عمليات النحت والنقل والإرساب، أو أنها تحدث بسبب أي عوامل أخرى، على الرغم من ذلك فإن عمليات التوازن التي تلي هذه التغيرات تكون غالبًا بطيئة جدًّا، بحيث لا تبرز آثارها إلا مع مرور آلاف السنين؛ وذلك بسبب قوة صلابة السيما.
ومع هذا فإن بروز نتائج عمليات التوازن يختلف عن بروز نتائج النقل والإرساب بوقت طويل، وقد صادفت نظرية التوازن نجاح كبير جداً منذ ظهورها، خاصة أنها استطاعت أن توضح تفسيرات معقولة عن بعض الظاهرات الطبيعية التي كان من الصعب تفسيرها قبل ذلك.
فعلى سبيل المثال فإن الأبحاث الجيولوجية وعمليات مسح الأراضي في الأماكن الجبلية بيّنت أن قوة جذب الجبال للثقل المغناطيسي أقل مما كان محتملاً لها، حتى يجب الأخذ بعين الاعتبار أن السيال التي تتشكل منها الجبال قليلة الكثافة وقليلة الجاذبية بشكل نسبي.
ومن المعروف أن الثقل المغناطيسي يتأثر في الأماكن الجبلية من خلال قوتين؛ إحداهما هي قوة الجاذبية الأرضية التي تجذبه بشكل رأسي، والثانية هي عبارة عن قوة جذب الجبال التي تشده بشكل أفقي، فينتج انحراف عن الاتجاه الرأسي بزاوية كان المفروض أن تكون ملائمة مع حجم الجبال، ولم يكن من السهل (أن نقبل وجود نظرية التوازن) أو معرفة السبب في صغر زاوية الانحراف عما كان مقدرًا.
أما بعد وجود هذه النظرية فقد تم التمكن من تفسير هذه الظاهرة، على أساس أن كتل السايال التي تتشكل منها الجبال لا تعتمد على الجزء الذي يظهر منها على السطح، بل أنها تضمن كذلك الجذور التي تتغلغل في السيما والتي تتسبب نتيجة قلة كثافتها بشكل نسبي في تقليل الجاذبية الأفقية.
كما كان يمكن أن يحدث لو أن السيما كانت ممتدة من غير انقطاع تحت الجبال وصولاً إلى السطح، إن أقدم الطبقات الرسوبية التي تتشكل منها دلتاوات بعض الأنهار مثل نهر المسيسبي ونهر النيل تم العثور عليها في أعماق كبيرة جدًّا، بحيث يصعب التخيل بأنها أرسبت فيها، ولكن من المحتمل توضيح ذلك على أساس نظرية التوازن، بأن التراكم المتتابع للرواسب هو الذي تسبب في مرور الزمن إلى تزايد الثقل الذي يقع على الطبقات القديمة، وتسبب في هبوطها بشكل متدرج إلى مستوى أقل من المستويات التي أرسبت فيها في المراحل الأولى لتشكل الدلتا.