ما هو العمل الجيولوجي للجليديات؟

اقرأ في هذا المقال


العمل الجيولوجي للجليديات:

إن اسم الجليدية يطلق على كتلة من الجليد المتحرك، وفي نفس الوقت يتم تسمية اسم الجليدية على المنطقة التي تكون متغطية بالجليد في طول أيام السنة ومثل هذه المناطق متواجدة، حيث تكون عبارة عن مناطق تراكمت فيها الثلوج فوق الجبال ويكون سمك الثلج فيها يبلغ عشرات من الأمتار، حيث أن هذا التراكم من الثلج يسبب في تبلوره ومن ثم يتحول إلى جليد داخل الطبقات السفلى من الجليدية، حيث يصبح الجليد هنا على شكل طبقة متماسكة، كما أن الجاذبية الأرضية تعمل على انزلاق الجليدية ويكون ذلك من أعالي الجبال باتجاه المنخفضات والوديان ثم تندمج مع غيرها لتكون أنهاراً ثلجية أو ثلاجة جليدية.
إن المشاهد في بادئ الأمر قد يظن أن الثلاجة الجليدية ثابتة ولا تتحرك لكن من خلال التدقيق والملاحظة فإن الناظر يلاحظ على أن الثلاجة في حالة حركة لكنها تعتبر نوع من أنواع الحركة البطيئة جداً، وهناك تجارب بسيطة تؤكد على حركة الجليدية ومن أبسطها هي أن تدفق أوتاد من الخشب في خط مستقيم والذي يكون قاطع للجليدية من جانب إلى آخر بالإضافة إلى وضع وتد في الأرض اليابسة على جانبي الثلاجة وعلى نفس امتداد خط الأوتار، وبعد فترة من الزمن فإن الناظر الجيولوجي يلاحظ على أن الخط المستقيم المتمثل بالأوتاد يكون قد تحول إلى خط منحني ويعود السبب في ذلك إلى أن الأوتار قد غيرت مواضعها وحدث لها تقدم باتجاه الوادي.
كما أن الناظر يلاحظ أن الأوتاد الوسطية تكون قد قدمت أكثر من الأوتار الجانبية ولم يحدث تغير للأوتاد على اليابسة ولا حتى تغير في مواقعها، كما أن حركة الجليدية تتشابه مع حركة مياه الأنهار، حيث أن سرعة التيار المائي تزداد بشكل أكبر من سرعة الماء الذي يكون عند جانبي النهر، وسرعة الجليديات تختلف بالاعتماد على حجمها وانخفاض درجة الحرارة وبشكل عام تتراوح سرعة الجليديات بين 2 سنتيمتر إلى 1.25 متر في اليوم الواحد، وعندما تنخفض درجة الحرارة في طبقات الجو إلى أقل من -40 درجة مئوية عندها يتشكل الثلج، حيث عندها يحدث تجمد لقطرات الماء في الجو وتكون حول أنوية صغيرة متواجدة في هذه الطبقات تشكل بلورات الثلج السداسية والتي يحدث لها سقوط بفعل الجاذبية الأرضية.
لكن الجليد يتشكل من خلال تجمد الماء والذي يكون بسبب تراكم الثلوج فوقه مما يسبب ضغطاً على الطبقات السفلى منه، كما أننا نعرف بتواجد توازناً بين كميات الماء السائل داخل البحار والمحيطات وبين الماء المتجمد في الجليديات فإن زيادة حجم الجليديات يسبب في تقليل كمية الماء السائل داخل المحيطات، بالإضافة إلى انصهار كميات من الثلج داخل الجليديات يؤدي إلى الزيادة في منسوب مياه البحار والمحيطات، إن الجليديات تتشكل بسبب تراكم الثلوج ومن ثم إعادة تبلوره مما يسبب في تكون حقول الجليد والجقول الجليدية هي عبارة عن مساحات واسعة تكون مغطاة بالثلوج وتملئ الهواء كما أنها تستمر هكذا طول أيام السنة.
إن زيادة كميات الثلج واستمرار تراكمها يسبب في توليد ضغط على الطبقات الثلجية السفلية، مما يؤدي إلى تقليل حجومها ويعود السبب في ذلك إلى التقارب بين حبيبات الثلج وبلوراته من بعضها إلى بعض ومن ثم حدوث تصلب لها لتتحول إلى جليد ذو تماسك شديد، حيث تم تسمية هذه الحالة باسم الجليديات أو الثلاجات، وفي بعض الأوقات فإن درجة حرارة الجو ترتفع وبالتالي تسبب انصهار جزء من الجليد داخل الحقل الجليدي وفي حال انخفاض درجة التجمد مرة أخرى فإنها تؤدي إلى تصلب في طبقة الماء لتكون طبقة رقيقة من الجليد والتي يتراكم فوقها كميات من الثلوج وهذه العملية (تصلب الثلوج وتكوين الجليديات) تتكرر بشكلٍ سنوي.
كما يمكننا معرفة عمر الجليدية من خلال معرفة عدد طبقات الجليد والتي تكون كل طبقة فيها تمثل سنة من سنوات عمر الجليدية، قام الجيولوجيين بتصنيف الجليديات إلى صنفين وهما جليديات الجبال والوديان، جليديات القارات، أما بالنسبة لجليديات الجبال والوديان فهي عبارة عن نمو جليديات الجبال داخل وديان نهرية متواجدة في الأصل بين المناطق الجبلية المرتفعة ويتم تزويد هذه الوديان بالجليد من الجبال المتواجدة حولها وأيضاً من خلال نواتج الإنهيارات الجليدية وهذه الوديان تشبه شكل اللسان، كما أن هذه الوديان يحيط بجوانبها كميات من الرسوبيات التي قامت بنقلها الجليديات خلال حركتها.
ويمكننا توضيح بأن حركة الجليديات على سطح الأرض تسبب في نحت السطح ومن ثم اقتلاع الصخور والركامات الصخرية وفي النهاية تعمل على نقلها إلى الأحواض الترسيبية ومن الأمثلة على جليديات الجبال والتي هي معروفة جداً تسمى جليديات جبال الألب المتواجدة في أوروبا، أطلس، المغرب، جبال الآسكا في أمريكا، أما الجليديات القارية يعد هذا النوع من الجليديات عبارة عن جليديات ضخمة جداً وتحتل مساحات واسعة على سطوح القارات كما أن وزن الجليدية القارية قد يبلغ 18 ألف طن ومن الأمثلة على الجليديات القارية هي جليديات القطب الجنوبي وجليديات جرين لاند.
يمكننا تلخيص عمل الثلاجات على أنها تعمل في تعرية سطح القشرة ومن ثم نقل الفتاتات وفي النهاية تعمل على ترسيبها داخل أحواض الترسيب، كما أن التعرية التي تحدث بواسطة الثلاجات تكون قائمة على عمل الثلاجات في نحت الصخور وتفتيتها ونقلها وترسيبها أيضاً سواء كانت فتاتات أو جلاميد صخرية، تقوم الجليديات (الثلاجة) على حمل الصخور الكبيرة الظاهرة والتي من الممكن أن تصادفها خلال سيرها سواء كانت هذه الصخور داخل القاع من مجراها أو إذا كانت على طرفي المجرى، لذلك فإن حمولتها وحركتها الانحدارية والتي تكون من أعلى إلى أسفل تسبب قوة تمكن الثلاجة من نحت الوديان التي تسير فيها.
إذا احتكت الصخور في سطح الوادي فإنها تعمل على صقله، حيث أن العمليات قد تخلق خدوشاً متوازية في الاتجاه داخل باطن الوادي ومجرى الجليد يكون في مهره مشابهاً إلى الحرف (U)، مما يعني أن باطن المجرى يكون بصورة مستديرة والذي يعتبر دليل ظاهر على أنه مجرى للجليدية، وعلى العكس من ذلك فإن مجرى النهر يكون مشابهاً لشكل الحرف (V) والذي يكون قاع المجرى فيها ذات عمق أكثر من مجرى الجليدية، تقوم الجليدية بالاستعانة بقطع وفتات الصخور والحصى والرمال التي تكون متواجدة في أسفلها في تكسير وخدش ثم صقل القاع، كما أن رواسب الثلاجات في الغالب تتكون عند نهاية مجراها أو تتكون في الأماكن التي يحدث لها انسحاب (انحسار) فيها تاركة خلفها رواسب ذات أشكال غير منتظمة.
والرواسب التي تخلفها الأنهار فهي على العكس من رواسب الثلاجات فتكون منتظمة الترسيب فتختلط القطع الصخرية التي تعمل الثلاجة على نقلها مع المواد الطينية التي تكون ذات جزيئات دقيقة، ويتم تسمية هذه الترسبات الثلجية التي تحتوي على القطع الصخرية والطين باسم الركام الطيني، كما يترسب من مياه الثلاجات وأحياناً رواسب تكون منتظمة شبيهة بالرواسب النهرية وهي مرتبة حسب حجومها بحيث يكون الأكبر حجماً متواجد في الأسفل والرسوبيات الدقيقة مثل الطين والرمال تتواجد في الأعلى كما أننا لابد أن نذكر ما يحدث لثلاجات الجبال والوديان في حال أنها هبطت إلى السفوح المنهبطة من الأرض.
كما أنها تبلغ منسوباً حيث لا يسمح بعده لحرارة الجو باستمرارها كثلاجة، فعندها يتم انصهار الثلج لتتحول الثلاجة من نهر إلى ماء وعند ذلك ترسب الثلاجة كل ما كانت تحمله من المواد الصخرية وغيرها، وقد تكون على صورة أكوام غير منتظمة وغير مرتبة من الرسوبيات، وقد تكون الثلاجات بحيرات تنتج من امتلاء الحفر الكبيرة التي تتكون داخل مجاري هذه الثلاجات أو قد يعمل على التسبب في التراكم الثلجي ومن ثم تجيمعه بشكل سد في الوديان يؤدي إلى منع جريان الماء لينتج البحيرات كما يحدث كل من كندا وفنلندا.
من الأمثلة على الثلاجات هي ثلاجات عصر البليستوسين والذي يعرف بالعصر الجليدي والذي يكون ممتد من بداية الحقب الرابع، كما أن الثلوج في هذا العصر عملت على تغطية مساحات واسعة من أنحاء العالم وتكون خاصة في المناطق القطبية الشمالية والجنوبية بالإضافة إلى المناطق المعتدلة، لكن المناطق الإستوئية وهي ذات المناخ الحار فقد سادت فيها الأمطار الغزيرة، وخلال هذا العصر غطى الجليد مساحات كبيرة جداَ تم تقديرها بحوالي عشرين مليون كيلو متر مربع في النصف الشمالي من الكرة الأرضية وذلك في الولايات المتحدة وجبال الهمالايا بالإضافة إلى جبال الألب.
وأيضاَ قام الجليد بتغطية مساحات واسعة من النصف الجنوبي من الكرة الأرضية مثل جرين لاند وجنوب أفريقيا، كما أنه قد تبين للعلماء أن المناطق الجليدية قد تم تغطيتها بالجليد خلال أربع فترات زمنية بالتعاقب وقد كان الجليد يتراجع وذلك بعد كل فترة منها، وقد تعرفوا على هذا من خلال الدراسات على رواسب الثلاجات مثل الحصى وحبوب النباتات الأحفورية (المتحجرة).

المصدر: جيولوجيا النظائر/قليوبي، باهر عبد الحميد /1994الأرض: مقدمة في الجيولوجيا الفيزيائية/إدوارد جي تاربوك, ‏فريدريك كي لوتجينس, ‏دينيس تازا /2014الجيولوجيا البيئية: Environmental Geology (9th Edition)/Edward A. Keller/2014


شارك المقالة: