يستند الشكل الحالي للقانون الدولي الإنساني إلى سلسلة من المبادئ المهمة، والتي تنقسم إلى لوائح مفصلة، والغرض العام من هذه اللوائح هو تحديد الضمانات اللازمة للحد من النزاعات المسلحة، وخاصة تأثير الحرب على الناس التي لا تستطيع المشاركة في الحرب. وتنطبق هذه الضمانات أيضًا على الممتلكات لأغراض غير عسكرية، حيث تتطلب أحكام القانون الدولي الإنساني من الأطراف المتحاربة احترام الضمانات الواردة في ميثاقها. وكما أنه يقيد أو يحظر استخدام بعض وسائل وأساليب الحرب.
أحكام القانون الدولي الإنساني في الإسلام:
تعتبر الشريعة الإسلامية هي الشيء الأساسي في الإسلام وأحد الأنظمة القانونية الرئيسية الثلاثة في العالم اليوم؛ بسبب الخصائص الفريدة للشريعة الإسلامية، فلا تزال بعض أطراف النزاع المسلح تعتبرها المصدر الرئيسي للقواعد التي تحكم سلوكهم أثناء النزاع المسلح. وتظهر أوجه التشابه بين المبادئ التي يقوم عليها القانون الإنساني الدولي وقواعد الحرب الإسلامية أن النظامين القانونيين مصممان لتحقيق نفس الأهداف. ويعتبر تعزيز عالمية هذه المبادئ بما يتجاوز التقاليد القانونية والثقافة والحضارة خطوة ضرورية لضمان الامتثال للقانون الدولي الإنساني.
فالحرب هي نوع من الظواهر الإنسانية التي رافقت المجتمع البشري منذ وجود البشرية، وقد عانت البشرية من كوارثها دون عناء، وكان ذلك نتيجة الحرب العالمية الثانية، وفي الحرب العالمية الثانية تجاوز عدد القتلى ما يقارب 15 مليون. بالإضافة إلى الإصابة الشخصية والإعاقة الذهنية وتدمير الأموال وتدمير الممتلكات. وفي ظل هذه التدمير والمآسي، ويميل العالم إلى الحد من تأثير الحرب والحد من ويلات الحرب، وقد تم سنّ ما يسمى بالقانون الدولي الإنساني، والذي يهدف إلى الحد من تأثير النزاعات المسلحة والحد من المشاركة في الأعمال العدائية.
ويتوافق القانون تمامًا مع الرسالة الإسلامية للتسامح ومع هدفها العام وأهدافها السامية؛ لأن الحرب في نظره ما هي إلا مجموعة من الأعباء والآلام، فهي تثقل البشرية وتعيق حركتها وتستهلك ثرواتها وتدمر حياتها، وكما جاء في القرآن الكريم قال الله تعالى:(حتى تحمل الحرب أوزارها). وعدا عن ذلك تعتبر الحرب أيضًا عبء نفسي على الإنسان؛ لأنه قتل ودمار واشلاء ودماء وخوف ورعب فهو مكروه وبغض.
فإن التزام المسلمين بمبادئ القانون الإنساني ليس استجابة للقانون الدولي، ولا الى المعاهدات الموقعة أو الاتفاقات، ولكنه التزام ذاتي بالأحكام والقيم الدينية، والامتثال للمعايير والمعتقدات الدينية؛ لأن المسلمين لم يخرجوا عن مبادئ الإسلام للحرب وأحكامه في تحديد المعارك، ولم يتعدوا المذاهب الإسلامية؛ بسبب التزامهم بالمعتقدات الدينية، وحتى لو كانت هذه الأفعال مباحة قانونًا، فهي ليست في المجتمع الدولي.
ولقد حدد الإسلام القواعد والأنظمة المسماة بالقانون الدولي الإنساني في العصر الحديث، وله تاريخ يمتد لمئات السنين قبل إرساء قواعد وأنظمة قانون الاتفاقيات الدولية. ومعركة بدر التي قادها المسلمون ضد المشركين في مكة، حيث كان الأسرى يعاملون بشكل مختلف عن أبناء وطنهم في ذلك الوقت، وفي كل الحروب، حيث أن الخليفة أو الزعيم كان يتبع أسلوب الرسول صلوات الله عليه وسلم. إن أولئك الذين يراقبون دور الإسلام في هذا المجال سيجدون أن الإسلام قد سن قانونًا شاملاً ينظم كل ما يتعلق بمختلف مواضيع ومحتوى القانون.
ومن أهم سمات هذا التشريع أنه يأتي من مصدر القرآن والسنة وجميع التشريعات الإسلامية، ممّا يعني أن القادة المسلمين ملزمون بتنفيذ أحكام هذا التشريع وفق أوامر الله تعالى. وكذلك أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو يسجل سابقة الإسلام التاريخية في هذا المجال، ويرى أنه لا يجوز مرورها، أو من قبل الباحثين والمهتمين بالقانون الدولي الإنساني. وهو المصدر الرئيسي لهذا القانون، ومقارنة بالأحكام الإسلامية خاصة والشريعة الإسلامية عامة.
وظهر ما يسمى بالقانون الدولي اليوم بهذا الشكل وتم اكتشافه عندما مثلت الخلافة العثمانية الدولة الإسلامية، أي عندما غزت الخلافة أوروبا وبدأت في فتح بلدها بدولة أخرى، واجتاحت اليونان ورومانيا ودول أخرى، ألبانيا ويوغوسلافيا والمجر والنمسا، حتى وقف أشقاءها من دول أمامنا ومدافعهم، وفي أوروبا، وجدت ممارسة شائعة أن جيش المسلم لم يهزم، ولم يكن الأمر كذلك إلا بعد أن رأى المسيحيون شجاعة المسلمين وصلابتهم، ممّا جعلهم يهربون من وجوههم، هذا الأمر الذي سهل على المسلمين اكتساح البلاد ونشر الإسلام. ولذلك، حاولت الدولة المسيحية تكوين أسرة مسيحية من جميع البلدان لمعارضة الإسلام وخلافته.