المصادر الاسترشادية في القانون التجاري - السوابق القضائية

اقرأ في هذا المقال


ما هي السوابق القضائية؟

السوابق القضائية: هي القواعد الصادرة عن المحاكم والتابعة لقانون الدولة التي صدرت منها هذه الأحكام بمختلف درجاتها؛ وذلك لحل في المنازعات التي تعرض عليها، وذلك في حالة عدم وجود نص قانوني يمكن تطبيقه على النزاع المعروض على المحاكم، ورجوع القاضي للسوابق القضائية ليس على سبيل الإلزام، بل يستعين القاضي بالسوابق القضائية كمصدر استرشادي أو تفسيري لتوضيح النص القانوني أو الرجوع لأحكام القضاء في حالة انعدام النص القانوني في النقطة محل النزاع. كما أن دور القضاء يتجاوز حدود تفسير القواعد القانونية إلى إكمال النقص الوارد في تلك القواعد وفقاً لمقتضيات العدالة.

ولكن القضاء لا يستطيع حل المنازعات دون الرجوع إلى الفقه الذي يقوم ببناء النظريات العامة حسب قانون الدولة المتبع فيها وبالرجوع لنص المادة السادسة من قانون التجارة التي قامت بتعداد الأعمال التجارية البرية بحكم ماهيتها الذاتية ولكن هذا التعداد ورد على سبيل المثال لا الحصر. فإذا ما عُرض على القاضي نشاط تجاري جديد كتحصيل الديون التجارية وهو غير مذكور ضمن الأعمال التجارية الواردة في المادة السادسة يجد القاضي نفسه ملزماً بالرجوع للفقه القانوني فيما يتعلق بتعداد الأعمال التجارية والضوابط التي وضعها الفقه لتحديد تلك الأعمال التجارية، وذلك للوقوف على مدى تجارية هذا النشاط الجديد من الناحية القانونية لأغراض خضوعه لأحكام قانون التجارة (32).

وفي الأردن يتبع النظام اللاتيني، الذي يقتصر دور إن يطبق القاضي هذه القوانين وليس أن يضعها ولذلك فإن القاضي غير ملزم بأن يحكم استناداً إلى أحكام قضائية سابقة حتى ولو كانت صادرة عن ذات المحكمة أو عن محكمة أعلى. وذلك بخلاف النظام الأنجلوسكسوني الذي تشكّل السوابق القضائية فيه مصدراً رسمياً للقانون كما يلزم القاضي في هذا النظام بالرجوع للأحكام القضائية السابقة لاستخلاص القاعدة القانونية الواجبة التطبيق على النزاع المعروض عليه.
كما أن القاضي ملزم باتباع السوابق القضائية الصادرة عنه وعن المحاكم الأعلى درجة، فمثلاً تكون قرارات مجلس اللوردات (House of Lords) في بريطانيا ملزمة لجميع المحاكم التي تنظر في قضايا متشابهة، وتكون قرارات محكمة الاستئناف (Court of Appeals) ملزمة للمحاكم الأقل درجة، أما إذا لم يكن هناك قرار سابق في تلك المسألة بالذات، فإن القاضي يوجد سابقة وبالتالي ستتبع في القضايا المستقبلية (33)، وبمعنى آخر فإن القاضي يخلق القانون (Judges-made law) وذلك بالاستناد إلى قواعد العدل والإنصاف (34).

مميزات وعيوب السوابق القضائية؟

مميزات نظام السوابق القضائية:

الثبات في طريقة تطبيق المحاكم للقانون، كما أنه يضمن الاستمرارية في تطبيق القانون من قضية إلى أخرى، وتأكيدها من خلال نظام السوابق القضائية الملزمة. ونظام السوابق القضائية من شأنه أن يوفر الوقت والجهد والنفقات، وذلك عند استقرار هذه السوابق. كما أن المحامين يستطيعون نصيحة عملائهم عن النتيجة المتوقعة لأي قضية يفكرون في إقامتها، وبهذا يمكن تجنب إجراءات التقاضي مسبقاً.

عيوب نظام السوابق القضائية:

أنه ليس مرن، وذلك بسبب إذا ما قامت المحكمة الأقل درجة بالالتزام بقرار لمجلس اللوردات لم تتم مراجعته لفترة طويلة، وما زاد الأمر سوءاً أن مجلس اللوردات ومحكمة الاستئناف اعتبرت نفسها ملزمة بقراراتها السابقة، وبقي هذا الأمر حتى عام 1966 عندما قرر مجلس اللوردات البريطاني أخيراً بأنه غير ملزم بقراراته السابقة، ويستطيع إعادة تفسير القانون إذا رغب. كما أن نظام السوابق القضائية يحتاج إلى جهد كبير من قبل المحامين والقضاة، وذلك من خلال الرجوع لعدد كبير من السوابق القضائية (35).

إلّا أن نوعاً من التداخل ما بين النظامين اللاتيني والأنجلوسكسوني قد حدث وعمل على بعض التطورات. فالنظام الأنجلوسكسوني بدأ بالاعتماد على التشريعات المكتوبة فضلا ًعلى السوابق القضائية، وخير مثال على ذلك قانون الشركات البريطاني لعام 1985 وتعديلاته لعام 1989 وقانون الإفلاس لعام 1986 وغيرها من القوانين المكتوبة كذلك فإن النظام اللاتيني أصبح يعتد إلى حد ما بالسوابق القضائية، فالمادة (205) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني رقم 24 لسنة 1988 تنص على أنه “إذا رأت إحدى هيئات محكمة التمييز أن تخالف مبدأً مقرراً في حكم سابق، تحيل الدعوى إلى الهيئة العامة.

ويقترح بعضهم التوسع في هذا الاستثناء، وذلك بإلزام محاكم الاستئناف ومحاكم الدرجة الأولى بقرارات محكمة التمييز عن طريق القياس (36). هذا علاوةً على أن جميع المحاكم تحرص على الأخذ بالمبادئ القانونية التي استقرت عليها محكمة التمييز في أحكامها، وذلك حتى لا تعرض أحكامها للنقض. ومن المبادئ القانونية التي أرستها محكمة التمييز الأردنية قاعدة تقاضي فوائد على متجمد الفوائد في الحالات المشابهة للحساب الجاري والتي أقرها العرف المصرفي، إذ قررت أنه يجوز احتساب الفائدة بالطريقة المركبة حتى ولو لم يتفق عليها باعتبار أن العرف المصرفي هو أحد مصادر القانون التجاري (37).


شارك المقالة: