لقد شهد البشر منذ زمن طويل مذابح ومآسي لا حصر لها وقتل الأبرياء، ليس بسبب الجرائم التي ارتكبوها ولكن بسبب معتقداتهم السياسية، أو بسبب دعمهم لطائفة أو دين معين أو حزب أو بسبب القومية أو اللغة أو العرق، فهذه الإجراءات ترتب اضطهاد المجموعة بأكملها، وهذه ليست شؤون داخلية للحكومة ضد الأقليات، بل تعتبر قضية دولية يهتم بها المجتمع الدولي بأكمله.
جريمة الاضطهاد لأحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:
إن تطور المجتمع البشري والعلاقة بين الدول متداخلة لإنتاج نوع جديد من الجرائم الدولية، ويرى المجتمع الدولي أن من الضروري الوقوف بطريقة لا تسمح لمرتكبيها بالإفلات من العقاب، فإن أخطر وأبشع جريمة دولية هي جريمة الاضطهاد وهي أهم وأخطر جريمة ضد الإنسانية.
لذلك فقد استحوذت قضية الاضطهاد على الاهتمام الدولي، ولخطورتها فإن رؤية الأمم المتحدة هي وقف هذه الجريمة غير الإنسانية. وفي مجال حقوق الانسان والحريات الأساسية يمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وقد تسببت أعمال حقوق الإنسان في تمييز خطير في التاريخ الطويل خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث شهد العالم اضطهادًا واسع النطاق للمدنيين.
للاضطهاد وما ينتج عنه من قهر وإساءة وسرقة لإرادة الشعوب والجماعات وهويتها الثقافية وتكريس مشاريع الهيمنة الاستبدادية، بالإضافة إلى الأنشطة الاستعمارية وما نتج عنها من تغيرات عرقية وقبلية وثقافية ودينية، ومنها: عمليات تقسيم الحدود، دون مراعاة تجانس السكان وعمليات الاستيطان على حساب السكان الأصليين، وعمليات التبشير بين سكان العديد من البلدان ومحاباة المستعمرين لبعض مجموعات السكان الأصليين على حساب مجموعات أخرى، ممّا أدى إلى الهيمنة الاقتصادية للطبقة المؤيدة للاستعمار.
وهناك أسباب تاريخية ودينية موروثة إنسانية قديمة أدت إلى جرائم شنيعة أخرى، يمكن وصفها بأنها جرائم اضطهاد عنصري، وفي مقدمتها جريمة إبادة أكثر من خمسين مليون من السكان الأصليين (الهنود الحمر) في الولايات المتحدة. وأمريكا في بداية الاستيطان الأوروبي هناك وجرائم الأمريكيين البيض بحق السكان الأفارقة الذين تم اختطافهم من بلدانهم الأصلية واستعبادهم وإبادة اليهود في أوروبا وقتل أكثر من سبعة ملايين يهودي في ألمانيا النازية.
وانتهكت حرمة البشرية وأهدرت حياة الإنسان بشكل غير مسبوق في مختلف البلدان التي خطتها القوات النازية، التي استخدمت وسائل مختلفة لتنفيذ هذه الجريمة الوحشية، مثل الترحيل والتهجير الجماعي للسكان من بلادهم وإجبار السكان المدنيين على ترك منازلهم للعمل في المجهود الحربي الألماني، والاعتداء على حرية وأموال الأفراد واضطهادهم كسبب لانتمائهم إلى طائفة معينة.
وتوزعت القبائل الأفريقية مثل قبائل الطوارق بين عدة دول، ممّا تسبب في العديد من المشاكل في النيجر وليبيا والمغرب والجزائر والمجازر التي حدثت بحق الأكراد في العراق، وأنجح وسيلة لضمان ثمار العدوان، حيث أنه يضر بالسكان المدنيين، فهو هيمنة بربرية حتى لو كانت عملاً هامشيًا في تفاعله ودرجته.