اقرأ في هذا المقال
الطابع القانوني للنظام العام في قانون العمل:
اختلف الفقه القانوني في تحديد ما إذا كانت فكرة النظام العام فكرة قانونية أم فكرة سياسية، كما ذهب أصحاب الاتجاه الأول إلى الادعاء بأن النظام العام هو فكرة قانونية، يتم ترتيب نتائجها القانونية داخل المجتمع، على أساس أن الرقابة هي فكرة قانونية، ومن باب أولى ذلك النظام العام الذي يمثل هدف الرقابة، وهي أيضًا فكرة قانونية محايدة لا يمكن أن تكون مرتبطة بفلسفة النظام السياسي القائم في الدولة.
ويشدد الفقه على الطبيعة القانونية لفكرة النظام العام، بالنظر إلى أن هناك اختلافات جوهرية بين السلطات السياسية والإدارية داخل الدولة؛ بحيث تنعزل إحداها عن الأخرى، والقول بخلاف ذلك يؤدي إلى الغياب من فكرة النظام العام ومن يتبنى هذا الرأي يبرر إضفاء الشرعية على فكرة النظام العام؛ حيث يمثل ذلك ضمانة أساسية للحريات العامة، وتقييدًا لسلطات الرقابة في نفس الوقت؛ بحيث يمكن إخضاع قرارات الرقابة، وفقاً للحدود المقررة قانوناً، لرقابة القضاء.
وعلى عكس الحال عند تسييسه، ممّا قد يؤدي إلى توسيع غير مبرر لصلاحيات الرقابة، بما يسمح لها بالتدخل لغرض فرض القيود الحقوق والحريات العامة للأفراد من خلال الادعاء بحماية النظام العام، على الرغم من أن الهدف الحقيقي للتدخل هو حماية النظام السياسي القائم في الدولة، وهذا يشكل عقبة أمام إخضاع قرارات الرقابة لرقابة القضاء، فهو عمل سيادي يمنع المحاكم عادةً من النظر في القضايا المتعلقة بها.
ويشار إلى أن الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة تبنّى التوجه السابق، حيث قضت بصدور الحكم في ضوء القرار المتخذ بإعادة أحد المحكوم عليهم إلى السجن رغم إدراجه في قرار العفو مثل أفعال السيادة، غير صحيحة وتتعارض مع القانون، بالنظر إلى أن أعمال السيادة هي الإجراءات التي تصدرها الحكومة كسلطة حاكمة، وليست سلطة إدارية؛ لأنها تمارس في ظل هذه السلطة العليا تنظيم علاقاتها مع السلطات العامة الأخرى سواء كانت داخلية أو خارجية، أو اعتبارها ضرورة للحفاظ على كيان الدولة في الداخل أو الدفاع عن سيادتها في الخارج.
ومنذ وصف العمل سواء كان سياديًا أم لا، فقد كان لا ينظمها أو يحددها التشريع، وبسبب اختلاف وجهات النظر الفقهية المعروضة في هذا المجال، فإن مسألة تقييمها تعود إلى القضاء.
الاتجاه العقائدي للطابع القانوني للنظام العام:
أما الاتجاه العقائدي الثاني، فقد ذهب رفاقه لإضفاء طابع سياسي على فكرة النظام العام، معتبرين أن هذه الفكرة تمثل انعكاسًا للخطة السياسية التي ينتهجها النظام القائم عند تنظيم الروابط الاجتماعية بين الأفراد داخل المجتمع؛ حيث لا يشترط أن تكون الخطة السياسية القائمة إيجابية على أساس التدخل والتوجيه في العلاقات الاجتماعية، بل يمكن أن تظهر بشكل سلبي في الامتناع عن التدخل المذكور.
ويعتبر هذا الامتناع جزءًا من الخطة السياسية نفسها ويخلص أصحاب هذا الرأي، لكن لا يمكن تجريد فكرة النظام العام من طابعها السياسي، بغض النظر عن النظام السياسي القائم في الدولة، وأن اختلاف هذه الفكرة من نظام إلى آخر هو اختلاف في نوع السياسة المتبعة بالنظام القائم.
والأساس أن الرقابة هي فكرة قانونية، ومن باب أولى ذلك النظام العام الذي يمثل هدف الرقابة وهي أيضًا فكرة قانونية محايدة لا يمكن أن تكون مرتبطة بفلسفة النظام السياسي القائم في الدولة.
وإذا قُدم آراء الفقهاء القانونيون في طبيعة فكرة النظام العام في قانون العمل، وما إذا كانت قانونية محايدة، أو ملوثة بالشخصية السياسية، فإنه يعتقد أن كلا الاتجاهين السابقين قد يكون مبالغًا فيه، حيث لا يمكن المبالغة في الادعاء بأن فكرة النظام العام هي فكرة قانونية بحتة وبعيدة عن التأثيرات السياسية، داخل الدولة، وفي نفس الوقت لا يمكن إنكار الطابع القانوني لها، وإخضاعها للصفة السياسية فقط.
حيث أن فكرة النظام العام ليست سوى فكرة قانونية وسياسية في نفس الوقت؛ حيث أن الفكرة القانونية عادةً ما تقوم على فكرة سياسية والأخيرة مشتقة عادةً من أحد المذاهب السياسية، إذا كانت فكرة النظام العام هي انعكاس للظروف الرتيبة داخل المجتمع، وتمت صياغتها ضمن النظام القانوني داخل الدولة، يخضع لتأثيرات سياسية، ووفقًا للنظام السياسي القائم، بحيث يكون هذا التأثير أكثر وضوحًا في النظام الديكتاتوري الذي يستخدمه عادة لتحقيق أهدافه السياسية، مقارنة بما هو عليه الحال في النظام الديمقراطي.