العمل التجاري والعمل المدني
قد ظهرت عبر السنين عادات وتقاليد التزمت بها مجموعة من التجار في معاملاتهم التجارية وعلاقاتهم بالتجار والزبائن، تختلف عن تلك القواعد التي تنظّم المعاملات المدنية وقد انعكست طبيعة البيئة التجارية التي تتطلب السرعة والثقة في بنفس الوقت، فهي تختلف كل الاختلاف عن تلك التي في البيئة المدنية؛ وذلك بسبب أن الصفقات والمنتجات التي يحصل عليها التاجر لا تكون بقصد الاحتفاظ بها أو الاستعمال الشخصي، وإنما لإعادة بيعها لتحقيق ربح. كما وأن كل الأعمال والنشاطات التي تتصف بصفة التجارة تخضع للقانون التجاري، إلا أنه توجد بعض الأعمال التي لا تخضع للقانون التجاري وإنما تخضع للقانون المدني، مثل المهن الحرة والتصرفات المتعلقة بالعقار.
معايير التفرقة بين القانون التجاري والقانون المدني
قد تعددت الآراء والاتجاهات التي عملت على التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني وكان لا بد من إيجاد معايير للتفرقة، فبعضها أخذ بعيار ذي طابع اقتصادي، وبعضها الآخر أخذ طابع شكلي، ويعضها الآخر أخذ بطابع شخصي وبيان ذلك ما يأتي:
1- المعيار المشروع
يرى أصحاب العمل أن العمل يعتبر تجارياً إذا كان يجري في شكل مشروع ويقوم على قدر من التنظيم ومن جانب آخر هذا المعيار لم يفرق بين المشروع التجاري والمشروع المدني، حيث أن جميع الأنشطة التي تتخذ شكل مشروع تعتبر تجارية سواء كانت أنشطة مدنية أو تجارية.
2- معيار الحرفة
يرى هذا المعيار أنه للتمييز بين العمل التجاري والمدني ينبغي أن يقوم بعمل الحرفة التجارية، فالعمل التجاري وفقاً لهذا المبدأ هو العمل الذي يعمل به الشخص باحتراف النشاط التجاري، حيث عندما يقوم التاجر على أساس احتراف لحرفته التجارية يعتبر عملاً تجارياً، فلو ارتبط العمل بالحرفة المدنية لاعتبر عملاً مدنياً، بمعنى أن العمل يستخلص صفته التجارية من اتصاله بالحرفة التجارية.
3- معيار المضاربة
هو كل عمل يهدف إلى تحقيق الربح عن طريق المضاربة وغير ذلك يكون عملا مدنياً، حيث إن العمل التجاري لا يعتبر عملاً تجارياً إلا إذا احتوى على عنصر المضاربة بقصد تحقيق الربح. وهذا المعيار متناقد وذلك لأن معظم المعاملات سواء كانت تجارية أو مدنية فهي تهدف إلى تحقيق الربح، فمثلاً أصحاب الأعمال الحرة مثل المحامي والطبيب والمهندس و الخياط، حيث أن جميعهم أعمالهم تهدف إلى تحقيق الربح رغم الاعتراف بطبيعتها المدنية.
انتقد هذا المعيار أيضاً بأن هناك أعمالاً تجارية لا تهدف إلى تحقيق الربح، مثل سحب الأوراق التجارية لأغراض التبرع أو سداد الدين، كما أن الدولة قد تمارس العمل التجاري بإنشاء مشروعات عامة لتحقيق نفع عام للأفراد وليس لغايات الربح إذن يمكن القول أن معيار المضاربة وإن كان يحتمل جانباً من الصحة، إلا أنه لم يسلم من الانتقادات التي لا يمكن الرد عليها.
ونتوصل إلى أن جميع المعايير السابقة تحتمل قدراً من الصحة وقدراً من عدم الصحة ولا يكفي كل معيار لوحده للتمييز بين العمل التجاري والعمل المدني ولذلك الأفضل هو الأخذ بكل المعايير السابقة معاً لإيجاد معيار ضابط وجامع ومانع للتمييز بين العمل التجاري والمدني، وعلى ذلك فإن العمل التجاري هو كل عمل يستهدف تحقيق الربح عن طريق المضاربة ويأخذ صورة المشروع أو الحرفة التجارية أو عن طريق التداول.