إن النظر إلى واقع القواعد القانونية الدولية المعاصرة ومقارنتها بالقواعد الشائعة في القانون الدولي التقليدي، يمكن أن يوضّح لنا أن انقلابًا ثوريًا قد حدث، حيث أن العديد من القواعد والمبادئ قد خضعت لتغييرات أساسية. وينعكس ذلك في العديد من الجوانب، مثل تقييد سيادة دولة على الصعيد الدولي وحصر سيادة الدولة في النطاق الذي حدده القانون لسلطتها.
تاريخ نشأة القانون الدولي المعاصر:
تعتبر الحرب العالمية الأولى نقطة تحول مهمة في تاريخ القانون الدولي وعملية العلاقات الدولية؛ لأن الخسائر الفادحة التي سببتها هذه الحرب دفعت المجتمع الدولي إلى التفكير بجدية في صحة المبادئ والأفكار التي اعتنقها، وكذلك الوجود العالمي وهيمنة القيم الواقعية للعلاقات الدولية. ويدعو إلى مراجعة وتعديل العديد من القواعد التقليدية القديمة، مثل تلك التي تؤكد السيادة المطلقة على المستوى الدولي. ولذلك بدأت قواعد القانون الدولي تتطور وتتغير لتواكب الواقع الجديد للعلاقات الدولية، مما أدى إلى مرحلة جديدة من تطور القانون الدولي؛ مما مكّنه من إدارة جميع العلاقات الدولية التي حدثت بين أطرافه والتواصل مع الشخصيات الاعتبارية الدولية، حيث يتم الحفاظ على تزامن جميع التطورات التي تحدث بينهما.
ولقد شهد القانون الدولي تطورات وتغيرات مهمة تتزامن مع ما يحدث في المجتمع الدولي، وذلك لظهور عوامل جديدة في هذا المجتمع، وهذه العوامل الجديدة تكشف عن تطورات ومشاكل أخرى ينبغي تسويتها وحلها.
مميزات القانون الدولي المعاصر:
يتميز القانون الدولي المعاصر بمراعاة الجوانب الإنسانية والاجتماعية في أحكامه؛ لأن تركيزه امتد ليشمل الإنسان مباشرة، وهو ما يتجلى في حقوق الإنسان المقننة والمنظمة، ويدعم منحها للفرد، بغض النظر عن الجنسية أو الجنس أو الدين أو اللون، حيث تشمل حقوق الإنسان كل ما من شأنه أن يعزز رفاه الإنسان وتقدمه، وتشمل الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذا يتطلب تطوير شروطها، وتغيير العديد من قواعدها، وتطوير قواعد جديدة لمواكبة هذه التطورات المعاصرة. ومع ظهور بلدان جديدة، تغير هيكل نظام القانون الدولي التقليدي، ووصل إلى 192 حتى الآن.
كما شهد المجتمع الدولي المعاصر ظهور المنظمات الدولية، والدور المتزايد للأفراد والشركات متعددة الجنسيات وحركات التحرر الوطني، ممّا أوجد واقعًا دوليًا جديدًا، ويجب أن يستوعب القانون الدولي المعاصر واقعه ويعكسه في أحكامه. وأخيرًا، لا بد من الإشارة إلى أنه في بداية القرن الحادي والعشرين، يمر العالم بأزمة دولية كبرى، وتتجلى في عدم وجود قواعد القانون الدولي والقواعد الجديدة التي صاغتها الدول المهيمنة.