جمود الاتجاهات القضائية في نظرية العقود:
تجدر الإشارة إلى أن لوائح العدالة الإدارية في منازعات العقود الإدارية تتسم بالاستقرار وعدم التطور، على الرغم من أن الوضع الاقتصادي يتغيَّر باستمرار، إلا أن المبادئ التي وضعها مجلس الدولة في منازعات العقود لا تزال ثابتة في مرحلتها الأولية، ومعظمها يقع بين المقاول والجهة الإدارية.
وفي معظم الحالات يشار إلى أن حكم المحكمة صدر في منتصف القرن العشرين، وكان مصدر معظم المبادئ التي تحكم العقود أدى ازدياد دور العقود في المجال الاقتصادي إلى تقليص الأهمية النظرية للعقود في الممارسة العملية، حيث أن هنالك مكانةً خاصةً تشغلها الأجهزة التي تقوم مباشرة بالأنشطة الصناعية والتجارية والزراعية والمالية باسم الاشتراكية. فالسؤال هو ما إذا كان من الضروري تطبيق في نظرية العقد ومبادئه وأنظمته على الروابط الناتجة، في الدول التي تمثلها الوزارات والمؤسسات العامة والمؤسسات التابعة لها.
ثم لخلص الرأي إلى أن “تطبيق نظرية العقد في مجال التعاون المؤسسي للقطاع العام لم يعدّ له أهميته السابقة في ظل النظام الاشتراكي، بل على العكس، يمكن القول أنه لم تعد هناك حاجة للتطبيق نظرية العقد. أصبح هذا الركود تهديدًا رئيسيًا لنظرية العقد على وجه الخصوص ومبادئ القانون العام.
ويرجع هذا بالطبع إلى تقسيم القانون إلى قانون قضائي، وهذا يعني أن اللوائح والقضاء هي رافد مهم لتطوير وصياغة القانون، حيث إنها آلية بحتة لكنه يتمتع بدرجة معينة من الحرية في تفسير النص التشريعي، وتحديد تطبيقه على الوضع المعروض عليه، وتحليل عناصر هذه القضية في الواقع والتحليل القانوني، بالإضافة إلى ذلك، عادةً ما تكون القواعد القانونية عامة ومجردة، ممّا يسمح للقضاة بممارسة وظائفهم بدرجة عالية من السلطة التقديرية. وعلى الرغم من أن القضاء ليس مصدرًا رسميًا للقانون، فإن النظام القانوني لا يأخذ فكرة قضية قانونية.
فالقضاء هو المصدر الرئيسي للقاعدة القانونية في حال عدم وجود نص تشريعي يحل النزاع الموجود أمام القاضي في هذه الحالة، يكون ملزمًا بوضع قاعدة قانونية لتسوية النزاع.
وإذا كان العقد الإداري وسيلة مهمة للإدارة لتنفيذ أنشطتها، ممّا لا شك فيه أن هذه الأهمية ستزداد بشكل كبير مع تحول الدولة إلى سياسات الخصخصة وانحدار التفكير الاشتراكي، وحصر أنشطة القطاع العام في مناطق ضيقة ومحدودة. والانتقال من الاقتصاد المخطط لاقتصاد السوق سيزيد من أهمية العقود الموقعة من قبل الدوائر الإدارية، سواء كانت عقدًا إداريًا أو عقدًا مدنيًا أو عقدًا تجاريًا؛ لأن أساس اقتصاد السوق هو التخلي عن الأوامر و الأساليب القسرية.
وقد أدى هذا التحول إلى الاقتصاد الحر إلى زيادة الانجذاب إلى نظرية العقود، ممّا أدى إلى تطوير أشكال جديدة من هذه العقود، بما في ذلك العقود الآلية فضلًا عن تطوير آليات جديدة لحل النزاعات الناشئة عن هذه العقود، مثل التحكيم أو الوساطة، فقد أدى ذلك إلى تراجع اختصاص المؤسسات القضائية الإدارية للنظر في النزاعات التي تدخل في نطاق اختصاصها، بما في ذلك إن لم يكن معظمها منازعات العقود الهامة، وكان للإدارة تأثير في ظهور هذه الآليات القانونية، أو زيادة الطلب عليها.
تطور نظرية العقود:
يُلاحظ أن النظام القانوني يندفع نحو هذه الوسائل بشكل ينذر بخطر كبير، ولعلّ أهم مظاهر هذا الاندفاع هو إبرام مثل هذه العقود مع التردد، وهو على وشك أن يكون مدروسًا لإصدار تشريعات تنظيم هذه العقود، والحد من مخاطرها وتعظيم فوائدها.
وإذا ظهرت نظرية العقد وتطوره في النظام القانوني في سياق الازدواج القضائي، وإنشاء مؤسسة قضائية إدارية تختص بمعالجة المنازعات، بما في ذلك العقود وهذه المؤسسة القضائية مكرسة لتطبيق قواعد خاصة مختلفة عن تلك التي تطبقها المحاكم العادية، والتي قدمت مساهمة كبيرة في صياغة القانون، الذي يُنظر إليه أساسًا على أنه قانون قضائي.
وهذا بدوره مكرس لنظرية العقود؛ لذلك، قبل إنشاء مجلس الدولة عام 1946، لم يكن القضاء على دراية بالقواعد الإدارية التي يطبقها القضاء على العقود وتنطبق القواعد الخاصة التي تنظمها على عقود، بافتراض وجودها في حالة عدم وجود مثل هذه القواعد، تنطبق عليها قواعد القانون المدني.
وعلى عكس القضاة، فإن القضاة المدنيين راضون دائمًا عن دورهم في تطبيق القانون، ويساهمون في ابتكاره وتحديثه دون نص تشريعي. ولا شك في أن هذه الآليات القانونية خاصة التحكيم والعقود الإرشادية مهمة وضرورية، لكن مدى جودة استخدامها يعتمد على مدى جودة استخدامها محليًا.