اقرأ في هذا المقال
مفهوم العدالة والإنصاف:
لغويًا كلمة العدالة مشتقة من فعل العدل، أي البر، أي تصويب الشيء، وفي اللغة العربية مرادفة لكلمة العدالة التي تأتي مع معاني متعددة، فهي لا تميل إلى الانفعال بقوة في الحكم، ولكن العدل بالحكم بالحق.
كانت مسألة تعريف العدالة، شاغلة الباحثين والمفكرين، وهي مرادفة لكلمة الحقيقة، لكنها في أحيان أخرى تُعرض وكأنها مميزة، ولكن كأنها أسمى من الحقيقة وأعلى، ويظهر في أحد المظاهر على أنه التوافق مع القانون التجاري والقانون العام.
ولكن من ناحية أخرى، يجب أن يكون القانون متسقًا مع العدالة وبالتالي، من ناحية أخرى، فإن ما يبدو كمعيار للتمييز بين العدالة والظلم يمكن أن يخضع لمعيار مثالي أعلى، مع الأخذ في الاعتبار مصطلح (équité)، والذي يوصف أيضًا بالإنصاف في القانون التجاري، ويسعى إلى أعلى مستويات العدالة، حيث يكون الحق يقوم على المساواة القانونية التجارية.
ويقوم على احترام حقوق الأفراد، وكثيراً ما يقال إن القاضي استند في حكمه إلى روح العدالة (juger en équité)، مما يعني أن القاضي لم يلتزم بالقانون الوضعي، ولم يحكم بأصول والأصول الشرعية المكتوبة، ولعله كان يخالفها فيما حكم، وهذا لا يجوز أصلاً.
وقد استعمل علماء الرأي والمفكرون المسلمون منذ القدم هذه الكلمة بالمعنى الذي يفهمه اليوم من كلمة العدل، أي بما تدل عليه من الذوق في مسألة العدل والظلم، وقد فسرها ابن القيم على أنها: بصر القلب بعد التفكير والتأمل والسعي لمعرفة الطريق الصحيح.
وبشكل عام، يمكن القول أن العدالة على الرغم من أنها تبدو المبدأ الأساسي لجميع المجتمعات والمعيار الذي يتم بموجبه الحكم على جميع الشؤون الإنسانية والحكم النهائي الذي يشار إليه في جميع النزاعات، فقد تطورت في الوقت المناسب مع تطور التطبيقات وتطور التجارة وقانون التجارة وتطورات الاقتصادية.
إذا تضمنت القوانين التجارية مجموعة من القواعد التي من المفترض أن يتم التعبير عن العدالة التجارية فيها، فقد تم استبعاد هذه القواعد في بعض الحالات التاريخية من التطبيق، بناءً على مبادئ تعتبر أعلى من القانون التجاري، وهي مبادئ العدالة.
وفي النظام القانوني التجاري القديم، أُهملت القاعدة القانونية في كثير من الأحيان المقدمات المعاصرة أو حالة الناس التي تنطبق عليهم، ومن هنا ظهر تطور الفكر البشري ما يسمى بالقانون الطبيعي، والذي يتفوق على النصوص الوضعية، مثل مبدأ المساواة، وهو مفهوم يتضمن معنى المساواة بين الناس وبالأخص في المعاملات التجارية، يعتبره الضمير العام أقرب إلى العدالة الحقيقية من القانون نفسه، وهذا الإنصاف يدل على عدم الكمال من القانون في ظروف معينة، وبالتالي فهو تم استخدامه لإتمام القانون التجاري وإضفاء الطابع الإنساني عليه.
ومن العودة إلى التاريخ وحالة تطبيق العدالة أو الإنصاف في العديد من المجتمعات، يُلاحظ أن القاضي الذي كان لديه سلطة التشريع المدني والقضائي وتجارية في المسائل التجارية أنشأ تدريجياً سلسلة من القواعد التجارية بشأن أساس العدل الذي أكمل في القوانين. ومبادئ القانون العام القائمة على العدالة التي تطورت اليوم إلى ما يسمى بالعدالة الطبيعية، وهي تشير إلى أنها تقوم على الإنصاف.
وفي وظيفتها المعاصرة، لا يبدو أن للعدالة مثل الإنصاف مكانة في القوانين الحديثة، طالما أن الأمر متروك للمشرع لفرض القواعد التي تحقق العدالة التجارية، إلا أن المشرع يلجأ إلى ترسيخ مبدأ العدالة. وهذا ما أشار إليه القانون التجاري في العديد من النصوص، كما ورد في الفقرة (2) إذا كان هناك لا يوجد نص تشريعي ينص على أن حكم القاضي يمكن تطبيقه وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، وإذا لم يكن موجودًا فوفقًا للعرف، وإذا لم يكن موجودًا، فإنها تطبق حسب مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
وبذلك تعتبر مبادئ العدالة من مصادر القاعدة القانونية التجارية وهي توافق هذه القاعدة التجارية، ويمكن القول إن التطور الفكري في العصر الحديث لمبادئ العدالة في نطاقها، كأداة عادلة مهما كانت من مختلف مفاهيمها الأخرى في التوزيع والمساواة الاقتصادية وتكافؤ الفرص، وقد وسعت إلى حد كبير من صلاحية القضاء الذي يعتمد على مبادئ العدالة في العديد من المجالات المهمة في حياة المجتمعات والأفراد ، حيث تكون ظروف كل منهم على اعتبار أن الشخص يعيش بشكل منفصل.
ولا يقتصر الإلهام لمبادئ العدالة على النظام القانوني التجاري، كما يحترم المجتمع الدولي مبادئ العدل والإنصاف، حيث تنص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية على أن للمحكمة الحق في اللجوء إلى هذه المبادئ، بدلاً من القواعد القانونية التجارية، بشرط موافقة أطراف النزاع على ذلك.
كيف تعتبر العدالة والإنصاف من المصادر الإرشادية في القانون التجاري؟
هناك حالات يمكن للقاضي أن يشير فيها إلى متطلبات العدالة التجارية في غياب الأحكام في المصادر الإرشادية الأخرى، وقد أدرجت مقتضيات العدالة التجارية، أو مبادئ القانون التجاري، أو قواعد العدل التجاري، كما تسميها بعض التشريعات، ضمن المصادر الإرشادية المحددة وبالتالي، في حال إذا لم يعثر القاضي حلا يحكم به في أي من المصادر الاسترشادية، فبإمكانه الرجوع إلى قواعد الإنصاف ومتابعتها في حل النزاعات التجاري المعنية في حالة عدم وجود نص قانوني التجارية.
فإن فكرة الإنصاف أو العدالة التجارية غير مفهومة وغير معينة على وجه التحديد، فالمشكلة تكمن في نص هذا المصدر، ويرجع ذلك إلى حرص المشرع التجاري إلى عرقلة الطريق أمام القضاة لعدم الحكم في القضية؛ وذلك بحجة أنه لا يوجد نص قانوني ينظمها ولا يوجد تعريف للقانون، حيث لا يجوز للقاضي الامتناع عن النظر في الدعوى المعروضة عليه بحجة عدم وجود نص قانوني في النزاعات التجارية، لذلك كان لا بد من وجود قواعد الإنصاف أو العدالة في ظل مقتضيات العدالة. ويجب إحالة اجتهاد القضاة وفق مقتضيات العدالة والإنصاف، مع مراعاة الظروف المحيطة بكل قضية على حدة.
وانطلاقاً من مبدأ العدالة، فإن مبدأ العدالة يتطلب تطبيقًا بشريًا للقواعد القانونية التجارية، وفي هذا الصدد أشار أرسطو إلى ضرورة تسوية العدالة بالحب والرحمة للضعيف والأرملة والفقراء، ومن هذا المنطلق موقف عمر بن الخطاب في قضاءه منع قطع يد السارق خلافا لصراحة النص التي وضع حدا واضحا للسرقة، ومنها ما ورد في تاريخ القضاء الفرنسي في 1898، عندما رفضت إدانة امرأة عندما سرقت بعض الخبز لإطعام طفلها.
وأيضًا منذ إصداره في القانون المدني الفرنسي في عام 1804، أعطى القاضي في المادة 1244 منه سلطة تعديل المهلة الزمنية المحددة للمدين للوفاء بديونه، إذا ثبت أنه معسر، وكذلك القانون المدني في المادة 158 يسمح بمنح المدين مهلة إذا اقتضت الظروف ذلك.