ما هي علاقة القانون الدولي بالقانون الداخلي؟

اقرأ في هذا المقال


العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي:

العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي (المحلي، الوطني) هي مسألة أثارت عدة مشاكل قانونية، تعلقت بتدرج القواعد القانونية؛ وهل القانون الدولي يعلو على القانون الداخلي للدولة؛ أم أنه أقل درجة من القانون الداخلي؟ في المقابل أيضاً هل يتم التعامل مع القانون الداخلي بنفس الطريقة داخل نطاق النظام القانوني الدولي؟ هذه التساؤلات أسهمت بوجود العديد من مواقف الفقهاء وكانت آراءهم عبارة عن نظريات لإيجاد العلاقة بين القانونين، حيث انقسمو إلى رأيين فقهيين حول ماهيّة العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي(المحلي، الوطني).

الرأي الأول يميل إلى نظرية الوحدة القانونية، والرأي الثاني يميل إلى نظرية القانون المزدوج. من أجل العثور على موقع أو مكانة القانون الدولي في النظام القانوني الداخلي، حيث وجدنا أن الدستور الداخلي لكل دولة يحدد العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي. وفيما يلي شرح بيان كل نظرية.

نظرية وحدة القانون:

يرى أصحاب نظرية وحدة القانون؛ أن القانون سواء كان دولياً أو داخلياً فإنه يشكلان نظاماً قانونياً واحداً فلا يمكن فصلهما فهما وحدة واحدة، حيث أن قواعد هذه النظرية تتدرج بشكل دقيق وتسلسلي، وهذا ما قد يسبب أحياناً التنازع بين تلك القواعد، غير أن مسألة التدرج؛ أحدثت تيارين تتباين آراؤهما حول تحديد أي القانونين يعلو على الآخر؛ أحدهما تبنى فكرة سيطرة وعلو القانون الدولي على القانون الداخلي، أما الآخر فأخذ بفكرة اشتقاق القانون الدولي من القانون الداخلي أي علو وسمو القانون الداخلي(المحلي، الوطني) على القانون الدولي. وفيما يلي بيان لكل من هذين التيارين.

التيار الأول: وحدة القانون مع سمو القانون الدولي على القانون الداخلي (المحلي، الوطني)

المنطق القانوني يحتّم خضوع الدولة للقانون الدولي كما في ذلك (القرية تخضع للمدينة والمدينة للمحافظة والمحافظة تخضع الى قوانين الدولة وتخضع مجموعة من الدول الى القانون الدولي العام) وبذلك يكون القانون الدولي أعلى من قانون الدولة الداخلي (المحلي،الوطني)، حيث يرى أصحاب هذا التيار أن القانون الداخلي مشتق من القانون الدولي حيث أن القانون الدولي هو الأصل والقانون الداخلي هو الاستثناء والقاعدة العامة هي أن الأصل يسمو ويعلو على الاستثناء.
استندوا الفقهاء على مجموعة من الحجج وهي على النحو التالي:

  • القانون الدولي هو الذي يُستند عليه عند رسم حدود الإختصاص الإقليمي والشخصي لكل دولة.
  • كما أنه هو الذي يحدد الوحدة التي ينطبق عليها وصف الدولة.
    وقد وُجه لهذه التيار انتقادات وهي:
  • أصحاب هذا الاتجاه ينكرون ما هو قائم بالفعل بين القانون الدولي والقانون الداخلي من اختلافات في عدة مجالات مثل مصدر كل منهما الأشخاص المخاطبين لكل منهما وموضوع كل منهما.
  • اختلاف الحقائق التاريخية الثابتة التي تؤكد أن القانون الداخلي أقدم وأسبق من القانون الدولي فكيف للأقدم أن يشتق من الأحدث؟.

التيار الثاني: وحدة القانون مع سمو القانون الداخلي (المحلي، الوطني) على القانون الدولي

ويستند هذا الاتجاه إلى فرضية أن القانون الدولي مشتق من القانون الداخلي، وعليه سمو القانون الداخلي على القانون الدولي. فالدولة هي صاحبة السلطة ولا تخضع لسلطة أخرى وهي وحدها القادرة على إنشاء قواعد قانونية وكيفية تنفيذ هذه القواعد. كما أن الدستور هو الذي يحدد السلطة المختصة بإبرام المعاهدات، بالتالي تتقرر الالتزامات بناءاً على القانون الداخلي، وعليه تكون الأولوية بالتطبيق في حالة النزاع للقانون الداخلي.

ومن يؤيد هذا الرأي يقوم على مبدأين أساسيين:

  • لا توجد سلطة عُليا فوق سلطة الدولة، ممّا يمنحها الحرية الكاملة في تحديد التزاماتها الدولية، ممّا يعني أن القانون الدولي أو الداخلي قائم دائمًا على إرادة الدولة. حيث تحصل الدولة على القدرة على إبرام الاتفاقيات الدولية والالتزام بها من دستورها الداخلي.
  • تحصل الدولة على الحرية من خلال وثيقة دستورية لها خصائص داخلية تسمح لها بتحديد السلطة المسموحة لها بتوقيع الاتفاقيات الدولية باسم الدولة. لذلك، فإن التزاماتها في المجال الدولي، أي في الاتفاقات الدولية تكتسب قوتها الملزمة من أحكام الدستور، وهذا يدل على أن المبدأ الدستوري، أي القانون الداخلي هو المبدأ الأساسي.
    وقد وُجه لهذا التيار انتقادات وهي:
  • ربط المعاهدات بالدستور أمر يجافي الواقع ويخالفة فلو أن المعاهدة تستند إلى الدستور وحده لكانت غير ملزمة في حال تغيير الدساتير أو تبديلها.
  • سيؤدي الاعتراف بسيادة القانون الداخلي إلى فوضى دولية واسعة النطاق، مما يثبت سبب عدم وفاء بلد ما بالتزاماتها الدولية وفقًا لنظامه القانوني الداخلي. ممّا يؤدي الى أن هذا التيار يقودنا حتماً إلى رفض القانون الدولي.

نظرية ثنائية القانون (ازدواجية القانونين):

تستند نظرية ثنائية أو مبدأ ازدواجية القانون إلى اعتبار القانون الدولي قانونًا منسقًا يعتمد فقط على موافقة الدول. ووفقًا لمؤيدي هذا المبدأ، فإن القانون الدولي والقانون الداخلي(المحلي، الوطني) هما نظامان قانونيان مستقلان ومستقلان تمامًا عن بعضهما. وقد أكّد المذهب الألماني تريبيل والفقيه الإيطالي أنزلوتي، أن هذين القانونين ينظمان العلاقات الاجتماعية المختلفة، بالإضافة الى أن قواعد كل قانون ونفاذها غير مرتبط بمدى مطابقتها مع القانون الآخر.

وقد اعتمد فقهاء هذه النظرية على عدة أسانيد وأسس وهي كالتالي:

  • من حيث مصدر كل منهما: فالقانون الدولي العام مصدره إرادة الدول مجتمعة، في حين القانون الداخلي مصدره إرادة الدولة المنفردة.
  •  من حيث الأشخاص المخاطبين بقواعد كل من القانونين: قواعد القانون الدولي تخاطب أشخاص القانون الدولي، في حين قواعد القانون الداخلي تخاطب الأفراد والجماعات الخاصة.
  • من حيث طبيعة النظام القانوني: قواعد القانون الدولي لا يتكون من سلطات، في حين قواعد القانون الداخلي يتكون من ثلاثة سلطات لكل منها وظيفتها يحدده لها الدستور.
  • من حيث النشأه: القانون الدولي العام نشأ حديثاً، في حين القانون الداخلي أقدم وأسبق في الوجود.

النتائج المترتبة على الأخذ بمذهب الازدواجية:

إن أهم شيء في مبدأ الازدواجية القانونية هو الفصل واستقلالية القانون الدولي عن القانون الداخلي، حيث لا يمكن للمحاكم تطبيق أي من النظامين لقواعد تنتمي إلى الننظام الآخر، لأنهم لا ينتمون إلى نفس الولاية القضائية وهذا يترتب عدة عواقب، وهذه العواقب هي:

1 – استحالة قيام التنازع بين القانونين:

من المعروف عموماً والمسلّم به عدم وجود تعارض بين القواعد القانونية، ما لم تكن هذه القواعد تنتمي إلى نظام قانوني واحد، حيث قواعد القانون الدولي وقواعد القانون الداخلي مختلفة في الغرض وتنظيم العلاقات الاجتماعية. وأنّ هيئات الدولة التي تقودها الهيئات القضائية مجبرة بالالتزام بأحكام القانون الداخلي، بغض النظر عمّا إذا كانت تتعارض مع قواعد وأنظمة القانون الدولي.

وإذا كان القانون الدولي يتطلب من دولة ما تكييف قانونها الداخلي مع التزاماته الدولية، فإن أكبر عواقب ذلك هو تحمّل الدولة المسؤولية الدولية، وتقتصر العقوبة على التعويض عن عدم وجود التزامات دولية.

2- استحالة تطبيق قواعد القانون الدولي مباشرة:

لا يمكن تطبيق قواعد القانون الدولي بشكل مباشر في النظام القانوني الداخلي، ولكن يجب تحويلها إلى قواعد داخلية وفقًا للأحكام الدستورية الوطنية المطبقة على الاتفاقيات الدولية. لذلك يجب أولاً تغيير طبيعتها الدولية إلى قواعد داخلية، حتى يتم تعديلها أو إلغاؤها.

3- نظام الإحالة:

إذا كان من المستحيل تخيل وجود تنازع بين القانون الدولي والقانون الداخلي، فإن مؤيدي هذه العقيدة يعتقدون أنه في المقابل، يمكن الرجوع إلى القانون الآخر لاستكمال حكمه. ويعني أنه يحيل نظام قانوني معين حكم مسألة قانونية من نظام قانوني آخر.

اأنتُقدت نظرية ثنائية القوانين (إزدواجية القانون)بما يأتي:

  • من حيث المصادر: لــيس صــحيحاً اخــتلاف المصــادر بــين القــانونين، وذلـك أن قواعـد كـل منهمـا هـي حصيلة الحيـاة الاجتماعيـة، وإنما الخلاف في طريقـة تعبـير كل منهما؛ حيث أن القــانون الــدولي قــانون اتفــاق رغبة الدول مشتركة، والقــانون الـداخلي قـانون رغبة الدولة منفـردة.
  • من حيث اختلاف أشخاص القانونين: هذا الاختلاف ليس سبب لاستقلالهما، حيث أن الدولة شخص القانون الدولي وأيضاً شخص في الاقانون الداخلي.
  • من حبث اختلاف طبيعة العلاقات الدولية: ان التوسع في قواعدهما ينتج احتياج كل قانون الى الآخر، فمثلاً مسائل الجنسية حيث تمنح أغلب الدول جنسيتها عن طريق دستورها. والاختصاص في إبرام المعاهدات فالدستور هو الذي يحدد الجهة المختصة في إبرام المعاهدات، بمعنى أن القانون الداخلي للدولة هو الذي يعكس القانون الدولي.

العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي في التطبيق العملي:

لا تغلب أي نظرية على الأخرى إنما يأخذ بفكرتي الاتصال والانفصال حيث أن القانونين ليسا وحدة واحدة وليسا نظامين قانونين منفصلين عن بعضهما. حيث كان موقف القضاء الدولي من العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي على احترام كل من التزامات القانونين وضرورة تنفيذها بحسن نية وعدم جواز مخالفة أي قاعدة آمرة إلا بقاعدة آمرة أخرى.

واستقرت الكثير من أحكام المحاكم الدولية الى وجوب تحمل الدولة المسؤولية الدولية في حال إخلالها بقواعد القانون الدولي أو تهربها من تنفيذ التزامها. ولا يجوز للدولة الاحتجاج بتشريعاتها الداخلية للتهرب من تنفيذ التزاماتها الدولية.
في حال التعارض يقرر القاضي عدم جواز الاحجتاج بالقاعدة الداخلية دولياً وعلى الدولة دفع التعويض المناسب في حالة ثبوت الضرر وتبقى القاعدة الداخلية صحية رغم مخالفتها القاعدة الدولية (فالقضاء الدولي قضاء تعويض لا قضاء إلغاء).


شارك المقالة: