مفهوم وأساس مبدأ المواجهة في التحقيق الإداري

اقرأ في هذا المقال


هذا المبدأ يقوم على القضية الأساسية وهي ضرورة إبلاغ الموظف بالتهم الموجهة إليه، حتى يكون على علم وواضح وقادر على إعداد دفاعه ودحض ما تم تكليفه به، ويكتسب هذا الموضوع أهميته من حقيقة أنه أحد العناصر الرئيسية لضمانات الدفاع المحددة في إطار المساءلة التأديبية للموظفين العموميين، والتي تجد جذورها وأساسها في مبادئ القانون الطبيعي والأعراف الدستورية العامة والخاصة.

مفهوم وأساس مبدأ المواجهة في التحقيق الإداري

يكتسب أهميته من العديد من القضايا التي يثيرها في التطبيق العملي والآثار القانونية والإدارية والاجتماعية التي يرتبها، وهناك توضيح الجوانب الموضوعية والإجرائية لمبدأ المواجهة الذي حدده القضاء المقارن أحدهما يتعلق ببيان مضمون المواجهة والثاني يسعى لتوضيح مقتضيات حق الدفاع، من خلال تحليل مقارن.

وتم استخلاص عدة نتائج أبرزها أن مبدأ المواجهة أصبح مبدأً ثابتاً من الناحية القانونية والقضائية وفق القضاء الإداري، إلا أنه يواجه تحديات في المجال الإداري.

وتمثلت بمحاولات التحايل عليها وترسيخ السلطة الرئاسية. واختتمت المناقشة بالتوصية بضرورة تعزيز الضمانات الموضوعية للموظفين العموميين الذين يواجهون المساءلة التأديبية والتي تشمل جميع مراحل التحقيق، في إطار العدالة والشفافية والموضوعية، فضلًا عن ضرورة أن ينص المشرع على حق الموظف في الاستعانة بمحامٍ خلال جميع مراحل التحقيق، والسماح لجميع الموظفين الذين يواجهون مساءلة تأديبية بالاطلاع على ملفاتهم لمساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم ودحض التهم الموجهة إليهم.

المهم أن يكون التحقيق الإداري متكاملاً لا يتوقف على بعض عناصر الاتهام بل يحيط بهم جميعاً، ويبحثون في أدلتهم مع ضمان الفرص الكافية المطلوبة لسماع أقوال المحالين للتحقيق، والتحقيق هو ليس سابقًا لأوانه، أو يخلو من ضمان موضوعيته ولكنه مناسب.

وهناك ضمانات قانونية أساسية بأنه لا يوجد كيان: “أحد المبادئ والأسس التي تم وضعها في نطاق شرعية الإجراءات التأديبية والمستقرة في اختصاص المحكمة الإدارية هو أن التحقيق الإداري يجب أن يتضمن جميع عناصر التحقيق القانوني السليم وضماناته فيما يتعلق بالموظف استدعائه واستجوابه ومواجهته بالإجراءات المتخذة ضده.

وتمكينه من الدفاع عن نفسه وإتاحة الفرصة له لمناقشة شهود النيابة، سماع من يرى استشهادهم من شهود الإنكار ومتطلبات الدفاع الأخرى، فهذه أمور تتطلبها العدالة كمبدأ عام في كل محاكمة جنائية أو تأديبية دون الحاجة إلى نص خاص.

كما أن توفر تحقيق شامل لعناصرها الأساسية وضماناتها القانونية، مما يقضي على إهدار الوقت الضائع في الإجراءات المحكوم عليها بالبطل وعدم الأهمية، كما يوفر الطمأنينة للعامل من التعسف وتعريضه لموقف الاتهام بشكل غير مبرر.

وقد أوضحت المحكمة الإدارية العليا ذلك، حيث قضت بما يلي: “التحقيق الأولي هو ضمانة مهمة لمصالح الأفراد والمصلحة العامة على حد سواء؛ لأنه يضمن عدم رفع القضية إلى المحكمة ما لم تكن مبنية على أساس من الوقائع والقانون، بما في ذلك توفير وقت وجهد القضاء وضمان مخاطر الأفراد أمام القضاء بسبب الإهمال أو الاستعجال وهو موقف صعب على القضاء.

من أهم الضمانات الأساسية التي أظهرها استقراء القضاء الإداري بالمحكمة الإدارية العليا اعتماده وحرصه عليه، الاستجواب والمواجهة والتحقيق الدفاعي وهي عناصر التحقيق التي يلتزم المحقق بتطبيقها وخطورتها. ولمنع اللبس، كان من الضروري شرحها من خلال أحكام المحكمة الإدارية العليا.

أحكام المحكمة الإدارية العليا

أولا المواجهة

لقد نصت قرارات المحكمة الإدارية العليا بشأن تعريف المواجهة مرارًا وتكرارًا على ما يلي: “من الضمانات الأساسية التي حرص المشرع على مراعاتها في التحقيق الإداري مبدأ المواجهة، من خلال إيقاف العامل عن حقيقة التهمة المسندة إليه وإبلاغه بالأدلة المختلفة التي تشير إلى أنه ارتكب المخالفة.

وحتى يتمكن من تقديم دفاعاته ولا بد من مواجهة العامل لمجرد القول بأن المخالفة ثابتة هي إثبات مادي لا يدع مجالاً للشك، حيث أن الحكم على إثبات المخالفة أو غيابها يعود إلى نتيجة التحقيق الذي يعتبر الاتهام واستجواب المخالف والتحقيق في دفاعه من أركانه الأساسية”.

ثانيا الاستجواب

الاستجواب هو حوار دقيق لأقوال المتهم لإثبات أنه ارتكب مخالفة، والاستجواب يختلف عن المواجهة، وهو مواجهة المتهم بالأدلة ضده من الأوراق وأقوال الشهود.

وعند حضور المتهم للاستجواب يجب على المحقق إبلاغه بالواقعة ومناقشتها بالتفصيل في موضوع التهمة في ضوء ما ورد في الأوراق وإذا اعترف المتهم يسأله المحقق أسئلة في من أجل التأكد من صحة اعترافه.

حيث من المرجح أن الاعتراف كان يهدف إلى إخفاء الجاني الحقيقي للواقعة. والاستجواب من الخطوات الأساسية في التحقيق، وفشله يترتب عليه بطلان التحقيق.

حيث قضت المحكمة الإدارية العليا بما يلي: “الاستجواب من الإجراءات الجوهرية، ويؤدي الفشل فيه إلى بطلان التحقيق والإجراءات الناتجة عنه، حيث يفترض التحقيق في اصطلاحه الفني أن يكون هناك استجواب يتضمن أسئلة محددة موجهة إلى العامل تفيد إسناد اتهام محدد إليه بعبارات صريحة وبطريقة تمكنه من التعبير عن دفاعه والرد على الاتهامات الموجهة إليه والتي من شأنها إبلاغه بجميع جوانب الانتهاكات المنسوبة إليه”.

ثالثا تحقيق الدفاع

قضت المحكمة الإدارية العليا في تعريف وبيان مفهوم تحقيق الدفاع بما يلي: “ومن الأمور المستقرة في قضاء هذه المحكمة أيضا، بالإضافة إلى ضرورة تحقيق مبدأ المواجهة في التحقيق مع العامل، ضرورة تحقيق دفاع العامل، بمعنى أنه بعد مواجهته بالتهمة المحددة في عناصرها ومكان وزمان وقوعها ويستجيب العامل للتهمة ويقدم دفاعه.

على المحقق التحقيق في هذا الدفاع والتحقق منه واستبعاد ما كشف له من خلال التحقيق حتى يتمكن المحقق يمكن إعادة استجواب المتهم على أساس ما يظهر له من مصادفات أو أكاذيب من دفاعه، وبالتالي فإن مبدأ المواجهة يكتشف بالضبط ما ينسب إليه ثم ينهار مبدأ المواجهة والتحقيق فيه عيب ويبطل، وما الذي يقوم عليه، سواء كان قرارًا بالعقوبة أو الإحالة إلى المحكمة التأديبية.

لا يجوز الادعاء بأنه من اختصاص العامل معرفة ما ينسب إليه وتقديم دفاعه وتصحيح أوجه النقص أمام المحكمة؛ لأن الأمر يتعلق بتحديد حقيقة ما هو موجود، ويُنسب إليه إذا أجاب العامل على الاتهامات المنسوبة إليه ولم تحقق سلطة التحقيق في جوانب دفاعه ثم اتهامه، يتضاءل حقه في الدفاع عن نفسه؛ لأنه لا يستطيع معرفة حدود الاتهام المنسوب إليه بوضوح.

وفي النهاية لا يمكن للمحكمة أن تزن بين أدلة الاتهام والأسباب التي قدمها العامل لمنع هذا الاتهام، ولا يمكن للمحكمة، من ناحية أخرى، أن تزن بين أدلة الاتهام والأسباب التي قدمها العامل لمنع هذا الاتهام؛ لأن العامل قد قدم دفاعه بالفعل ولم يكن من الممكن أن يعرف صحة دفاعه في ظل الإهمال حد ذاتها وعدم تحقيقها”.


شارك المقالة: