نشأت العدالة الإدارية في فرنسا ويمكن إرجاع أصول تأسيسها إلى العديد من الأسباب التاريخية؛ لأن الثوار كانوا يعتقدون أن المحاكم العادية (البرلمانات) ومراقبتها وتدخلها في العمل الإداري كانت أكبر كارثة للفشل الإداري وأنها أعاقت تنفيذ وسير أعمال القانون والإصلاحات التي كانت تأملها؛ لأن هذه المحاكم لديها موقف سلبي من الثورة.
نشأة القضاء الإداري
أصدر المشرعون الثوريون القانون رقم 16 بشأن التنظيم القضائي في 24 أغسطس لعام 1790، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 13 على أن “الوظائف القضائية مستقلة ومنفصلة عن الوظائف الإدارية في العمل الإداري ويعني الأجهزة الإدارية أو الموظفين الإداريين الملاحقين لأسباب متعلقة بوظائفه”. لذلك حرص الثوار على إزالة سيطرة هذه المحاكم من السلطة التنفيذية ونزاعاتها.
ويخصص للإدارة نفسها (إدارة القضاة) للبت في الخلافات بينها وبين الأفراد، أي أن الإدارة تجمع بين حقيقتين متناقضتين وهما، (إدارة عاملة وإدارة قاضية). وفي هذه الحالة تصبح واحدة في نفس وقت الخصوم والأخرى عند المحكم المخالف للعدالة والمنطق، حيث أدى إلى العديد من المشاكل والشكاوى على ذلك.
التطورات التي لحقت القضاء الإداري
أدرك الفقهاء وجود نقص في إدارة القضاء واختصاصها الذي كان يجمع بين الإدارة العاملة والإدارة القاضية، فأنشأوا مجلس الدولة هيئة استشارية لطرح الخلافات الإدارية، لكن قراراتهم في هذه الخلافات لم تكن نهائية قبل عرضها على رئيس الدولة للموافقة عليها، وتسمى هذه الفترة (معلقه) أو (تقيد العدالة). وبالإضافة إلى ذلك، تم تشكيل لجنة إقليمية للتحقيق في الخلافات تحت إشراف الحاكم ويمكن الطعن في قرارها لدى وزارة الخارجية وبالتالي يتطلب موافقة رئيس الدولة.
بقي الأمر على هذه الحال حتى صدور قانون في 24 مايو عام 1872، أنشأ مرحلة جديدة وهي تفويض السلطة القضائية، يعني يمكن لمجلس شورى الدولي أن يصدر فيها أحكام دون أخذ موافقة، وإصدار حكم واضح وكالة إدارية.
وفي الوقت نفسه، أنشأ محكمة تنازع الاختصاص لحل الخلافات حول الحصول على الاختصاص بين الهيئات القضائية العادية والهيئات القضائية الإدارية، أو في حالة البنود المتضاربة في القانون الصادر في 20 أبريل لعام 1932، بحيث يتوزع تكوين المحكمة بالتساوي بين دائرة القضاء العام ودائرة القضاء الإداري لضمان حيادها.