علينا أن نهتم بدراسة هذا المسجد، لأنه يقدم لنا شكلاً معمارياً مهماً لم نشاهده في المسجد الليبي قبل تشييده، تشير اللوحتان المثبتتان على المدخل الرئيسي للجامع وعلى مدخل الضريح الملاصق للمسجد، حيث إن محمود خازندار شيد هذا الجامع في سنة 1091 هجري.
والمسجد هو أكبر المساجد ذات الوحدات الفراغية المسقوفة بأربع قباب، فهو يتكون من قاعة الصلاة وضريح مسقوف بقبة وصحن يحيطه رواقان ومراحيض وميضأة ومخزنين وكتاب ومئذنة اسطوانية الشكل، يقع المدخل الرئيسي على شارع جامع محمود، يقودنا إلى الردهة ذات السقف المسطح والردهة بدورها تقودنا إلى فسحة ثانية مسقوفة بها سلالم تؤدي إلى الكتاب، الذي يقع على مستوى الدور الأول، ومن خلال الكتاب يصل الإنسان إلى الشرفة الخشبية التي توجد في بيت الصلاة على مستوى الدور الأول، تحت القبتين الأخيرتين في بيت الصلاة، ومن الردهة التي تلي المدخل يصل الإنسان إلى صحن الجامع ومنه إلى بيت الصلاة.
وصف جامع محمود خازندار في تطوير معمار المسجد الليبي:
يمثل هذا الجامع مرحلة مهمة في تطوير المسجد الليبي، وهو أقدم مثال مؤرخ شيد على مستوى ضخم نسبياً، ومن الناحية التصميمية فإن جامع محمود يشبه إلى حد كبير جامع محمد شائب العين وجامع أحمد القرمانلي وجامع مصطفى قرجي.
القباب الأربعة في جامع محمود مرتفعة جداً، ومحمولة على أربعة عقود ترتكز على عمود واحد في وسط بيت الصلاة، تقابل هذه العقود دعامات ساندة في وسط الجدران الأربعة السميكة، هذا الترتيب المعماري ينتج عنه وجود حنيتين معقودتين في كل جدار من جدران بيت الصلاة.
الجزء الأعلى من الحنيتين المعقودتين في جدار القبلة زودتا بشباكين على هيئة نصف دائرة بهما زجاج ملون، ونفس هذا الترتيب المعماري الإنشائي في جدار القبلة نجده في المساجد.
حيث إن هذا الترتيب والتصميم المعماري للشبابيك في جدار القبلة، الذي شاهدناه في جامع محمود وشائب العين والقرمانلي وقرجي، نراه كذلك في جامع درغوت الذي شيد أصلاً في نحو 1556، غير أن الجامع الحالي قد أعيد بناؤه عدة مرات آخرها كان سنة 1945 بعد أن دمر في غارة جوية أثناء الحرب العاليمة الثانية، أدت إلى تدمير بيت الصلاة الذي أعيد تصميمه وتشييده بالكامل على تخطيط أرضي مخالف للتخطيط الأصلي.