تاريخ العمارة العسكرية:
كانت حاجة المدينة إلى التحصينات العسكرية من خنادق وأسوار وما يتخللها من أبراج ومداخل، وكل ما من شأنه أن يزيد من قدرة المدينة على الدفاع والهجوم من الوسائل الأساسية التي تساعد على حفظ النفس والمال والعرض، وهي من المقاصد الأساسية للإسلام.
وقد اختلفت المدن من حيث درجة الأحكام والتحصين، وهكذا طبيعة موقعها وموضعها، والذي اشترط المفكرون والمسلمون فيه أن يكون محصناً بطبيعته، كأن يكون هضبة وعرة من الجبل أو باستدارة بحر أو نهر حتى لا يوصل إليها إلا بعد العبور على جسر أو قنطرة فيصعب منالها على العد ويتضاعف تحصينها.
العمارة العسكرية في مستغانم:
مدينة مستغانم من المدن التي تتوفر فيها بعض هذه المواصفات، حيث تقع على هضبة مرتفعة يحيطها البحر من الجهة الشمالية والغربية، كما يخرقها وادي عين الصفراء الذي استفيد منه كخندق طبيعي، وعلى الرغم من هذه المواصفات فإن المصادر والمراجع العربية والأجنبية التي تناولت تاريخ المدينة لم تورد سوى إشارات قليلة غير مباشرة عن تحصيناتها.
ومع ذلك يمكن استقراء وجود تلك التحصينات من خلال الأحداث التاريخية التي مرت بها المدينة، وكان سبباً في إنشائها ومن ثم تحصينها، فالبكري في القرن الخامس الهجري 11 ميلادي، أول من أشار إلى مستغانم وذكر وجود سور يحيط بها، إذا ربطنا هذا الوصف بأهم الأحداث التي شيدتها المدينة والمنطقة في هذه الفترة لوجدنا أنهم كانوا يسيطرون على المدينة.
وذلك استناداً لما ذكرته جل المراجع من أن مستغانم أسست من طرف يوسف ابن تاشفين أيام غزوه للمغرب الأوسط أين بنى بها حسن محال وأقام فيه حامية عسكرية، وكان طبيعياً أن يقوم بتحصينها لأن الدول المرابطية كانت في بداية مهدها وتتطلب قواعد عسكرية تحفظ ممتلكاتها وحددوها.
وهذا ما يدعونا إلى القول أن المدينة بنيت في أول الأمر بأسباب عسكرية، ثم تطورت ونمت تبعاً لزيادة السكان والعمران بها إلى مدينة شهدت بعد قرن من الزمن تقريباً تطوراً ملحوظاً، أشار الإدريسي في القرن السادس الهجري 12 ميلادي، وذكر كثرة أسواقها وحماماتها ثم ذكر وجود سور على جبل يطل إلى ناحية الغرب، وربما كان يقصد السور الغربي للمدينة، وباستثناء هذين المؤرخين لم تشر المصادر إلى أي سور يحيط بالمدينة إلى غاية نهاية القرن التاسع الهجري 15 ميلادي.