أجمع الرواة على إقامة النبي (صلى الله عليه وسلم) أول جمعة له عند مقدمة المسجد النبوي إلى المدينة في مسجد بني سالم بوادي رنوناء، وهو ما عُرف فيما بعد بمسجد الجمعة، وهذا يبطل الادعاء الذي كان قائماً على أن محمداً لم يقصد أن يكون هناك مواضع للصلاة اليومية.
إن بناء المسجد قد سبقته أعمال كثيرة منها تكبير مساحة المسجد الذي أقامه أسعد بن زرارة، والتأكيد من اتجاه قبلته إلى البيت المقدس؛ لأنه ثبت أن جبريل عليه السلام قد حدد له الاتجاه الصحيح إلى بيت المقدس عند تأسيسه لمسجد قباء، مما يجعل التأكد من اتجاه قبلة مسجد المدينة أمراً ضرورياً، كما أنه ومن تلك الأعمال هي الكشف عن أماكن المونة اللازمة وتقريب الأحجار من حرار المدينة وإعداد اللبن.
تحديد القبلة في المسجد النبوي الشريف:
اهتم النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد إعداده مكان المسجد بأمر بنائه وتعيين اتجاه القبلة على وجه التأكيد، وذلك بمساعدة أمين الوحي عليه السلام من صحة اتجاه قبلة المسلمين الأولى، وليس غريباً أن يحتاج رسول الله مرشداً سماوياً لمعرفة الاتجاه الصحيح للقبلة؛ نظراً لانعدام الوسائل التي تساعد على تحديد اتجاه القبلة في بعض المساجد التي أسست بعد المسجد النبوي بوقت طويل، كما هو الحال في مسجد القيروان في تونس.
وليس من المستغرب أن يحظى تعيين اتجاه القبلة بهذا الاهتمام الكبير من جانب الرسول (صلى الله عليه وسلم)؛ وذلك لأن جدار القبلة كالقاعدة للمستطيل، إن انحرفت فلا مناص من أن تنحرف أضلاعه الأخرى ولا مناص من أن تحيط بلاطات المسجد أيضاً فهي موازية لهذا الحائط، الذي كان يتجه عند تأسيس المسجد النبوي من الشرق إلى الغرب في اتجاه بيت المقدس قبلة المسلمين الأولى، يوازيه في الجنوب جدار مثله في الطول يتجه من الشرق إلى الغرب.
أما الجدران الآخران هما جدار الشرقي والغربي، فيمتدان من الجنوب إلى الشمال في شكل مستقيم ويتعامدان على طرفي جدار القبلة، مما جعل مخطط المسجد يأخذ شكل المستطيل المتوازي الأضلاع، وبدأ الرسول مع أصحابه في تنفيذ هذا البناء مع بساطة الدين الإسلامي الحنيف، وهذه البساطة هي التي توخاها الرسول في أول بناء للمسجد.