بينما كانت الدولة الفارسية ودولة الروم في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، قد تلاهما الضعف الشديد وكانتا في طريقهما للزوال، ظهر فجر جديد بظهور دولة العرب الشابة التي تقوم بنشر دين جديد ورسالة جديدة يحمل لواءها سيدنا محمد بن عبد الله (عليه الصلاة والسلام)، فأخذت هذه الدولة تفرض لواءها على الأمم والأنصار فدانت لها شعوب كثيرة، كما انضم تحت لواءها أمم تسعى إلى الهدى، فتملّكت هذه الدولة الإسلامية ووسعت أطرافها في مدة وجيزة من عمر الزمن بحضارة من نوع جديد وفريد، حيث كانت عظيمة فائقة تسندها رسالة سيدنا محمد أول المرسلين وخاتم النبيين.
كان لمنزل الوحي وانبثاق نور الإسلام سبب في أن ظهر هذا الفن الإسلامي الفريد في نوعه، مؤيداً بروح خاصة جعلته مميزاً وغريباً عن غيره من الطرز التاريخية التي سبقته، كما كان لحياة العرب في الصحراء والبادية ونشيدهم للحب والتسامح والحرية وتغنيهم بالشعر وحبهم للجمال تأثير كبير على الفن الإسلامي والعمارة الإسلامية، حيث اتسمت بالبساطة والجمال.
بماذا تأثرت الحضارة الإسلامية؟
من الطبيعي كان على العرب أن يستعينوا بخبرة الفنانين والمعماريين في بلاد الشام التي خضعت لهم، ونشأ من اختلاط العرب بهذه الأمم فنون مشابهة في حلتها ونتوعت وفق مجال كل بلد قامت فيه، كما تأثرت عمارة العرب الأولى بالعمارة الفارسية والبيزنطينية وعمارة كل بلد ونوعية الحياة فيها، كما تأثرت بعوامل أخرى محلية.
فليس إطلاق تسمية (العمارة العربية) على هذا النحو صحيحة بالمعنى الحقيقي، حيث لم يكن للعرب أنفسهم تأثير على نشر هذا الطراز مثلما كان لدعوة الإسلام من تأثير فيه، لذلك نرى أن إطلاق مصطلح (العمارة الإسلامية) على هذا الطراز أحق وأنسب تسمية.
تطور الحضارة الإسلامية:
وقد ازدهرت مدينة العرب وانتشرت حضارتهم بفتحهم البلاد في المشرق والمغرب، وكانت العمارة أعظم مظاهر هذه الحضارة، ذلك التطور كان نتيجة بما شيّده الخلفاء وما أقاموه من مدن ومساجد وقصور وحدائق وقلاع وحصون وأسوار وغيرها من المنشئات، كما كان الفن الإسلامي من أبدع وأدق الأمثلة الذي سار جنباً إلى جنب مع العمارة الإسلامية في المساجد والقصور، مثل قصر أشبيلية وقصر الحمراء بغرناطة وأعمدة هرق في الأندلس وغيرهم الكثير من المنشئات العظيمة، على ذلك يمكن القول أن الاهتمام بالعمارة العربية الإسلامية معناه الاهتمام بالماضي ليمكننا من توجيه الحاضر إلى المستقبل السليم.