في الواقع أن طراز عصر النهضة في إيطاليا بدأ مولده في فلورنسا في القرن الخامس عشر تحت شروط وظروف خاصة وتأثيرات معينة نابعة من واقع هذا البلد، فعلى سبيل المثال نشأ في فلورنسا إنموذج خاص بها لإنشاء القصور ذات البلوكات الضخمة بالحجر من الخارج، وامتاز القصر الفلورنسي النموذجي ببناء البلوكات حول فناء داخلي محاط بعقود تحمل الطوابق العلوية واختفاء الزخارف في الواجهات مع البساطة التامة، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن معظم هذه القصور كانت تبنى وتطل واجهاتها على شوارع ضيقة نسبياً، فتظهر بذلك روعة القصر وفخامته.
وكان يتوج هذه القصور كورنيش ضخم بارز كثيراً عن الواجهة، ويتناسب مع الارتفاع الكلي للمبنى بغض النظر عن طوابقه، وقد كان من ضمن العناصر المعمارية المحبوبة في فلورنسا تلك البوائك المستديرة ذات الأعمدة، وتطل على الفناء الداخلي، وكذلك خارج البنى وتطل على الشوارع.
الكنائس في فلورنسا:
أما الكنائس التي أُقيمت في فلورنسا في هذه الفترة من الزمن أي في عصر النهضة، امتازت بالدقة العالية وأعمال النحت والألوان وغير ذلك من الخصائص المعمارية، ويرجع الفضل في ذلك إلى اهتمام الفنانين والنحاتين الذين عاشوا في فلورنسا ومنهم لوكا روبيا، لورنزو جيبرتى، دوناتللو، لذلك هذه الثروة الفنية الضخمة من الفنانين، كان بسببها من الطبيعي أن نجد النحت والفن يحتل مكاناً رائداً داخل المحراب والصحن، كذلك خارج الكنيسة وداخلها، من الجدير بالذكر أن مهارة المهندس الفلورنسي لعبت دوراً كبيراً في إخراج هذه التحف الفنية الضخمة، إن الأعمال الفنية لا تعتمد فقط على شخصية ونوعية الفنانين أنفسهم، لكن التصميم المعماري أيضاً هو إنتاج المهندس المعماري، وليس عملية إخراج مجموعة من الحرفيين يعملون وفق قواعد تقليدية.
على الرغم من نمو المشروعات الصناعية الحالية نمواً ضخماً في مشارف فلورنسا، فإن قلب المدينة ما زال محتفظ بكتل المباني التاريخية ذاتها، حيث لا تزال قبة كاتدرائية فلورنسا تعلو شامخة فوق المنظر العام للمدينة، فيراها الإنسان من بعد وهو يقترب من المدينة ولا سيما من مرتفعات فيسولى، حيث لم يسمح بإقامة مبان مرتفعة مثل الذي طغت على المنطقة المحيطة بالكاتدرائية القوطية العظيمة في مدينة ميلانو، وما من مدينة أخرى نعرفها لا يزال مثل هذا القدر الكبير للماضي المعماري، نتيجة لذلك مازال منظر مدينة فلورنسا هو أساساً منظر المدينة التي عرفها ميكل أنجلو وليوناردو دافنشي.