المقصورة النبوية الشريفة:
يُعد ابن عبد ربه أول من حدد لنا موضع المقصورة بدقة، فذكر أنها (من السور الغربي إلى الفصيل اللاصق بالسور الشرقي، ومن هذا الفصيل يصعد إلى ظهر المسجد)، ويؤمن هذا التحديد الدقيق ما ذكره الرحالة ابن جبير في مشاهداته بقوله (الرواق المتصل بالقبلة أي الرواق الأول مما يلي جدار القبلة من خمسة بلاطات.
وينفرد ابن عبد ربه بإشارة مهمة أخرى بخصوص المقصورة، حيث ذكر أنها (قديمة مختصرة العمل لها شرفات وأربعة أبواب)، ويؤكد هذا النص أن ما ورد في المصادر التاريخية السابقة من أن الخليفة المهدي قد أمر بهدم المقصورة الأموية وخفضها إلى مستوى أرضية المسجد، بعد أن كانت مرتفعة عنها بنحو ذراعين.
ولعل ذلك ينفي ما أشار إليه البعض من أن المقصورة كانت مرتفعة من جهة السقف، وكانت هذه المقصورة تشمل على أربعة أبواب فضلاً عن تتويجها بشرفات، ويختم ابن عبد ربه حديثه عن المقصورة بقوله (خارج المقصورة، قريب منها عن يسار المحراب سرداب في الأرض، يهبط فيه على درج فيفضى منها إلى دار عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ويتفق مع هذا النص ما ورد في المصادر التاريخية السابقة من أن الخليفة المهدي كان قد هم بأن يسد على آل عمر خوختهم، فكلموه فيها وجمعوا النساء والصبيان حتى ارتفع الصوت في ذلك المكان، فأذن لهم ففتحوها وخفضوها في الأرض حتى كانت كالسرداب، وجعل عليها شباكاً من حديد قبلة المسجد وزاد في المسجد لتلك الخوخة ثلاث درجات.
المنبر في المسجد النبوي الشريف:
حدد ابن عبد ربه موضع المنبر فذكر أنه عن يمين المحراب، أي على يمين الواقف تجاه المحراب في أول الرواق الثالث من المحراب، أي مما يلي جدار القبلة، في روضة مفروشة بالرخام المحجور حولها به، وبعد ذلك يصف لنا هذا المنبر بشكل عام فذكر (وله درج وسمر في أعلاه لوح لئلا يجلس أحد على الدرجة التي كان رسول الله يجلس عليها، وهو مختصر ليس فيه من النقوش ودقة العمل ما في منابر زماننا الآن والجذع أمام المنبر وبشرقي المنبر تابوت يستر به معقد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).